قبل عامين بالضبط كتبت عن تغييرات تجري في مؤسسة الحكم السعودية القائمة على العائلة. كانت ملامح صراع بين اتجاهين بادية للمراقب. بعدها بعام رحل الملك عبد الله، ليصعد الملك سلمان بوليّين للعهد يتنافسان فيما بينهما، فيما تبدو الغلبة لابنه محمد الذي وصفته تقارير غربية بالطائش. وراء العائلة الحاكمة في السعودية جهاز مخابراتهم الذي يدير أغلب الامور، هو الذي يلعب بأمن واستقرار المنطقة منذ عشرات السنين، وهو الذي يتصرف بأموال النفط في تمويل الارهاب والقتل والتفجير ليس لمصلحة السعودية فحسب بل لمصلحة حلفائها أيضا. تقرير في صحيفة نيويوك تايمز قبل أيام تحدث بالتفصيل عن سرّ تمسّك الادارات الاميركية المتعاقبة بالحلف مع السعودية رغم كل الحقائق التي تثبت انها مصدر الارهاب في المنطقة، والذي ساهمت واشنطن في إيجاد جزء منه (المجاهدون ولاحقا طالبان في أفغانستان نموذجاً). التقرير يقول ان السعودية تأخذ على عاتقها، منذ عقود، تمويل أغلب عمليات وكالة الاستخبارات المركزية ( CIA) في الشرق الاوسط وأماكن أخرى، بما فيها «عمليات قذرة» حسب التقرير. المخابرات السعودية هي طرف التعامل، وهي ليست خارج نطاق العائلة الحاكمة، لكنها تمثل الجناح المتشدد دائما.
نشاط المخابرات السعودية يأخذ أشكالا متعددة تبدأ من «الاغاثة الاسلامية» وصولا الى العمل الدبلوماسي خصوصا في الساحات الساخنة، والعراق من أهمها الآن. من هنا فان السفارة السعودية لا تقتصر في عملها على الجانب الدبلوماسي فقط، أو على الاقل ستكون للنشاط الاستخباري الغلبة وهو ما اتضح من تصريحات السفير ثامر السبهان الاخيرة رغم محاولته اظهار الامر طبيعياً لكن خبرته الامنية طغت على الدور الدبلوماسي الذي يريد لعبه. ما أكد ذلك هو تنصل الخارجية السعودية من تصريحات وزيرها التي قال فيها ان تصريحات السفير لا تمثل الموقف الرسمي. تنصّل قيل انه جاء من المؤسسة المخابراتية التي لا تريد للدبلوماسية ان تأخذ دورها في تطوير العلاقات مع العراق. اللافت هنا هو تماهي سياسيين عراقيين مع تصريحات السفير السعودي الى حد الدفاع عن تدخله في شؤوننا الداخلية مما يشجعه على تكرارها، ولمَ لا وهم يرون عراقيين يسحقون هذه السيادة عندما ينبرون الى الدفاع عن تعدّي السبهان حدود مهامه وتدخله في الشؤون الداخلية بل أن أحدهم وصف رد الفعل الرسمي والشعبي بـ»الزوبعة الاعلامية والسياسية التي لا مبرر لها» وأن السفير «لم يتعد الاصول الدبلوماسية». لنتصور لو ان سفير ايران صدر عنه هذا الانتهاك، لكانت السيادة والكرامة الوطنية مادة للصراخ والعويل والولولة من قبل هؤلاء. مشكلتنا اننا نعيش في بلد تحرك الطائفية فيه أغلب المواقف والسياسات.ينقسم المستنكرون لرد الفعل السياسي والاعلامي على تصريحات السفير السعودي الى فريقين، الاول يتحرك بمنطلقات طائفية - سياسية مصنفا نفسه ضمن المحور السعودي في المنطقة، اما الفريق الثاني فهو غير منسجم مع السياسة السعودية لكنه يرفض ردة الفعل على تصريحات السفير منطلقاً من حرصه على ان تسير العلاقات مع الرياض دون منغصات. وبغض النظر عما اذا كانت نوايا السعودية تجاه العراق صادقة وايجابية ام لا، فان هذا الفريق لا يزال يفكر بطريقة الانظمة الشمولية التي تريد لكل الاصوات غير الرسمية ان تتطابق دائما مع الصوت الرسمي في كل شيء. يغفل هؤلاء ان الصوت الآخر لا وجود له في ظل النظام الشمولي اساساً، وان من ميزات النظام الديمقراطي وجود التعددية في الآراء والمواقف التي يستفيد منها الجانب الرسمي كورقة ضغط في التعاطي من الآخرين.
مقالات اخرى للكاتب