لا يمكن الإستهانة بمصير الأمة الشيعية في العراق التي تعرضت لأبشع الجرائم عبر عصور مختلفة وأجيال متعاقبة ، وإلا سيؤول مصيرها الى الإضمحلال والإختفاء كما حصل لأشقائهم في بلدان عديدة من أرض العرب مثل الحجاز والإحساء وحلب والموصل ومصر وغيرها. وبعد عام 2003 حصلت المعجزة وجاد عليهم الزمان بسلطة وهذه تعتبر فرصة ذهبية ، ولذلك عليهم استثمارها الى أقصى درجة وبناء دولتهم بشكل يليق بمقامهم ، ومن هنا يتوجب على كافة المؤسسات و أصحاب القرار وكافة العاملين في مجال الدولة والعلماء والمثقفين من النساء والرجال والشيوخ السعي لإقامتها والعض عليها بالنواجذ وتثقيف وتربية اليافعين لا بل حتى الأطفال الرضع من أبناء الأمة الشيعية في العراق على وجوب قيام هذه الدولة الكريمة وهي حق مشروع لهم وأن يضعوا هذا الهدف المقدس نصب أعينهم في كل حين ويضحوا من أجله..! وحسبنا في هذا القسم أن نشير الى موجبات إقامة الدولة الشيعية الكريمة ، لكننا قبل الشروع في بحث هذه الموجبات لابد من طرح السؤال التالي:
هل الوقت والظروف الحالية مناسبة لأقامة هذه الدولة؟:
الجواب نعم .. الوقت مناسب والظروف كذلك..! وعلينا طرح المشروع بكل ثقة ومطالبة جميع الأطراف وذوي الشأن من صناع القرار بوضع اللبنات الأولى لهذا البناء العملاق للأسباب التالية:-
أولا: مقاليد الحكم بيد الشيعة ولا زالوا لهم الكلمة العليا في السلطتين التشريعية والتنفيذية على حد سواء وعليهم استثمار هذه الفرصة قبل تدهور الأوضاع وتحولها لغير صالح الشيعة مستقبلا.
ثانيا: الوضع الأقليمي بشكل عام يتجه نحو التقسيم ، ولا شك أن إقليم الأمة الشيعية يقع ضمن هذا المخطط والخشية أن يفرض هذا التقسيم على الشيعة واقعا بعكس ما يطمحون إليه وقد يؤدي الى سلب جزء كبير من أراضيهم الغنية ونهب وثرواتهم.
ثالثا: يتوجب إستباق الأحداث والمبادرة الى مسك الأرض والسيطرة عليها قبل فوات الأوان.
موجبات إقامة الدولة الشيعية الكريمة :
أولا- شرعية أقامة الدولة الكريمة: تكتسب هذه الدولة شرعيتها انطلاقا من الحفاظ على كرامة الأنسان التي منحها الله تعالى له ويعتبر هذا من أهم مقاصد الشريعة الربانية التي جاء بها كافة الرسل والأنبياء عليهم السلام حيث قال الله تعالى شأنه في كتابه المجيد: ( وكرمنا بني آدم ..)
ثانيا- إجتماع أركان الدولة الثلاثة في آن واحد: وهي الأرض والشعب والحكومة ، فمنذ إغتيال الأمام علي بن ابي طالب عليه السلام عام 40 هجرية 661 ميلادية وسقوط الكوفة لم يحدث وأن توفرت هذه الأركان الثلاثة كما توفرت اليوم ، فإقليم الدولة واضح المعالم يمتد من شمال سامراء وحتى البحر جنوب البصرة وشعبها معروف الهوية والأنتماء متجانس بشكل مميز ، وحكومتها تنتظر الأعلان عنها.
ثالثا- صيانة كرامة الأمة الشيعية: اذ ليس من المعقول أن تعيش أمة من الأمم عبر قرون وأجيال متعاقبة مهدورة الكرامة مبررة هذا الصمت والأستسلام بإنتظار الأمام الغائب المنقذ والمخلص دون أن تفعل شيئا ينهي عذاباتها ، وعليه لابد من صيانة كرامتها من خلال بناء الدولة وتشيد كيانها وتنظيم مؤسساتها ، وبهذا تتبوأ هذه الأمة مكانتها الأساسية بين الأمم و تأخذ دورها الحقيقي في الحياة وتشارك بشكل ايجابي في بناء الحضارة الأنسانية ، لأن تسلط الآخرين عليها لم يمنحها الفرصة الكاملة للمشاركة بل تم تعطيل جميع امكاناتها وطاقاتها.
رابعا- صيانة ثروات الأمة: تحتل الأمة الشيعية موقعا جغرافيا غنيا بالثروات والخيرات الطبيعية الهائلة والمتنوعة فهي تمتلك مايزيد على ( 250 مليار برميل من النفط ) و ( 4 ترليون يعني مليار مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي ) وهذا يقدر بحوالي 26 مليار مليار دولار حسب أسعار السوق الحالية للنفط والغاز الطبيعي وهذا الرقم من المتوقع أن يتضاعف عشرات المرات في العقدين القادمين اضافة الى المعادن الأخرى و الأراضي الصالحة للزراعة والمياه الجوفية وغيرها ومن هنا تبرز الحاجة الملحة الى الدولة الكريمة التي من مهامها حماية هذه الثروة وصيانتها وتطويرها واستثمارها وتشرف على توزيعها توزيعا عادلا.
خامسا- تطوير قدرات الأمة الشيعية: من المعروف أن الأمة الشيعية تتمتع بقدرات فائقة على المستويات الأجتماعية والفكرية وهذه الأمكانات تراكمت عبر قرون بفضل علمائها الأفذاذ ولايمكن تطويرها والأستفادة منها دون وجود دولة عصرية كريمة ترعى هذه الأمكانات والطاقات وقد حان الوقت أن يستفيد العالم أجمع من هذا الفكر العملاق في حل كثير من المعضلات التي تواجه الأنسانية.
سادسا- تحويل الصراعات السلبية بين فصائل الأمة الى ظواهر تنافسية ايجابية: يساعد وجود الدولة الكريمة على إدارة الخلافات والصراعات السلبية بين فصائل الأمة وتحويلها الى حالة من التنافس الشريف والبنّاء بل سوف يقضي عليها تماما انطلاقا من شعور الجميع بالكرامة من خلال الدفاع عن الدولة الكريمة وكيانها والألتفاف حولها بإعتبارها تمثل وجودهم ومكانتهم بين الأمم.
سابعا- التجانس السكاني: لم يتوفر تجانس بين سكان دولة ما كما هو الآن بين أفراد الأمة الشيعية في العراق..! وهذا يستوجب إقامة الدولة الشيعية الكريمة فالأنتماء الى العقيدة الواحدة أكثر جذبا وتماسكا وقوة من العوامل الأخرى وإن كان لها تأثير لا يخفى.
ثامنا- المطلب الشعبي: أصبح مطلب إقامة الدولة الكريمة مطلبا شعبيا وبأصوات عالية ، فإذا كان هذا حق مشروع للمكونات الأخرى ولا تتردد في المطالبة به وهو حلال عليهم..! فلماذا يكون حرام علينا؟ ونحن أحق به من غيرنا في واقع الأمر لأننا نمتلك كل مقومات الدولة.
ومما يؤسف له أن البعض من أبناء الأمة الشيعية يفرطون بحقوقها وثرواتها تحت شعارات زائفة لا تغني ولاتسمن من جوع مثل الوحدة الوطنية والشراكة الوطنية وما الى ذلك من الهراء..! ويعتقدون أن البقاء في الدولة الموحدة هو أكثر ضمانا للأمن والسلام و بإمكان العراق الموحد أن يكون قوة أقتصادية من خلال التوصل الى اتفاقات سياسية جديدة ووصول مخلصين الى سدة الحكم ..! نقول لهم أن التقسيم ليس دليلا على إضعاف الأمة أو ضياعها بل هناك الكثير من التجارب السياسية تثبت عكس ذلك كما حصل عند تقسيم الهند الى دولتين فصارت الهند دولة قوية وباكستان كذلك هذا أولا ، أما الإشكال الآخر فأن التجارب التاريخية أثبتت عدم إمكانية التعايش مع من تصفونهم بالشركاء و الأخوة في الوطن بسبب كراهيتهم للأمة الشيعية وإعتبارهم غير مسلمين يهدرون دمائهم ويحللون نهب أموالهم ، إضافة الى عدم إيمانهم بالتدوال السلمي للسلطة ونزوعهم لأضطهاد الشيعة وإذلالهم ونهب خيراتهم وتسخيرها لخدمتهم.
يرجى متابعة القسم الثالث..!
جــواد الســــــعيد
2013-02-28
مقالات اخرى للكاتب