يعد العراق من الدول الغنية جدا بموارده المتاحة وبالفئات العمرية القادرة على الانتاج ،على عكس كثير من الدول الاوربية الغنية بانتاجها والقليلة بخيراتها ، ولو تم اجراء مقارنة بين الخيرات المادية للعراق والخيرات المادية لدولة مثل المانيا صاحبة اول اقتصاد متقدم في العالم لوجد ان العراق يحتكم على خامات طبيعية تفوق ما لدى المانيا ، وان الفئات العمرية الصالحة للعمل تفوق نظيراتها الالمانية بكثير جدا وهذا ما دفع بها لفتح باب الهجرة اليها وعلى مصراعيه ، ففي المانيا مثلا تم السماح للفئات العمرية فوق سن التقاعد للعمل بسبب عدم كفاية الايدي العاملة ، في حين ان البطالة في العراق بلغت اكثر من 40%، وان المانيا متقدمة جدا من كل النواحي وان العمل بجهده الكلي متوجه للانتاج ، في حين ان العراق دولة متخلفة جدا وان اقتصاده بحاجة الى جميع اشكال العمل الخدمي والانتاجي بشقيه الزراعي والصناعي والتربوي الخ. ان بلوغ مستوى البطالة الى هذا الرقم المخيف رغم استيعاب دو ائر الدولة المدنية والعسكرية عددا هائلا من المنتسبين يفوق الحاجة الفعلية ، يضاف الى ذلك تفشي البطالة المقنعة والتي لا تسبب هدر امكانيات الخزينة المركزية انما هي من اهم عوامل اللهو الاداري الذي يؤثر بدوره على قدرة الانجاز ،والغريب في الامر ان القطاع الصناعي في العراق معطل وبشكل ملفت للنظر
مما حدى بالدولة الى التوجه لحل مشكلته اما بتشجيع التقاعد المبكر او التوسع في منح الاجازة طويلة الامد بالراتب الاسمي ، وكل هذه الحلول تشكل عبئا على الموازنة العامة وانها بطالة اجبارية ولو تم جمع كل اشكال البطالة في العراق لكان حاصل الجمع يشير الى كسل اجتماعي يقابله استيراد مخيف للسلع الزراعية والصناعية كان اولى بهذا البلد ان ينتجها بيد هذه العمالة الفائضة ، وانني لست ممن يضع اللوم على الحكومة فقط ، ولكن في هذا الجانب تكون الحكومات المتعاقبة منذ السقوط هي من تسبب في هذه الكارثة الاجتماعية ، فلم يترك لوزارة التخطيط العودة الى التخطيط المركزي ، ولم يترك المجال وبتشجيع من الحكومات المتعاقبة للقطاع الخاص بان ياخذ دوره المجتمعي بالانتاج ، وانما ترك الامر للفساد باستنفاذ المال العام وتطبيق سياسة السوق االمفتوحة التي ادت بدورها الى توقف القائم من الصناعات المحلية وتلكؤ الانتاج الزراعي امام المستورد من الغذاء مما تسبب في نزوح الفلاح من الريف الى المدن وخاصة مدينة بغداد ،
والحقيقة المستنتجة من كل ذاك العبث الاداري هو لم يتم اتباع سياسة السوق المفتوحة بقواعدها المعروفة ولم يتم اتباع سياسة التخطيط المركزي بسلوكه القائم على تشجيع الصناعة والزراعة وباتباع سياسة الحماية ووفق خطط حكومية تساتد القطاع العام ،وهكذا ظل الاقتصاد مهمولا عبر السنوات العشر الماضية مما تنج عنه بطالة نسبتها تفوق الحد المعقول وامراض اجتماعية لا دواء لها غير ثورة عارمة في البناء نشطة وسريعة ويفضل البدء بتشغيل وتحديث القطاع العام باستغلال الفرق الحاصل من العملة بين المخطط في المزانية لسعر النفط وبين المتحقق من العائدات اليومية لفروقات الاسعار العالمية للنفط ، والعمل قدر الامكان على تغيير ملاكات الدولة من الموظفين الفاسدين والاتيان بالنزيه والقادر على التغيير ، وان السكوت على توسع البطالة سيقلب الطاولة على الجميع...
مقالات اخرى للكاتب