حالة اليأس والاحباط والخذلان التي دبت في نفوس الكثيرين من ابناء الشعب العراقي الصابر -والطبقات الضعيفة والمسحوقة بشكل خاص- نتيجة استمرار معاناتهم الازلية المتمثلة بالفقر والفاقة والبطالة وتردي الخدمات، وغياب الامن والامان والتي حلموا بزوالها مع زوال التسلط الدكتاتوري مستبشرين بعملية التحول الديمقراطي متوقعين بمقدمها عصا سحرية تنقلهم من ظلمات وجحيم الاستبداد الى انوار الحرية وجناتها الوارفة الظلال، حالة الاحباط هذه وبعد مرور السنين الخمس على عملية التغيير وقيام العراق الجديد جعلتهم يترددون في المشاركة في العملية الانتخابية الجديدة مرددين العبارة التي تكاد تكون متفقا عليها "ما الذي جنيناه من الانتخابات السابقة"؟! ما الذي غيّره السياسيون الجدد؟!.
وهم محقون في تساؤلاتهم هذه الى درجة كبيرة خاصة وهم يرون ويسمعون عن تكرار حالات الاختلاس والفساد المالي في اغلب الوزارات والدوائر وعلى يد مسؤولين كبار، كانوا يتوسمون فيهم الوطنية والنزاهة والتضحية في سبيل خدمة المواطنين. ومع اتفاقنا في الكثير من الامور مع المترددين والمعترضين الاّ اننا لا نتفق مع الرأي القائل بمقاطعة الانتخابات المقبلة او تحريض الناس على عدم المشاركة فيها او تثبيط العزائم بالقاء الشبهات واطلاق دعايات التخويف والتشكيك وكلمات الحق التي يراد بها باطل والعزف على اوتار تلامس حياة المواطن اليومية.
صحيح ان المواطن بحاجة الى خدمات وحل مشاكل السكن والبطالة وغيرها من ضرورات العيش الكريم والتي كانت شبه مفقودة في العقود السابقة وتلكأت مراحل تحسينها، وصحيح ان مدة عشر سنوات وتداعيات سقوط السلطة السابقة مرت مثقلة مرهقة، لكن الصحيح ايضا والحق يقال ان مرحلة التغيير تعرضت منذ الوهلة الاولى والى يوم الناس هذا الى اشد هجمة من قوى الارهاب المدعوم من خارج الحدود ومساهمة ومشاركة اعداء التجربة الجديدة في الداخل من الموتورين والضلاليين، والذين تضررت مصالحهم وفقدوا امتيازاتهم حيث عاثت تلك الزمر في ارض العراق خرابا وفسادا ودمرت معظم البنى التحتية واهدرت الملايين من الثروة الوطنية وذبحت وقتلت الوفا مؤلفة من ابناء هذا الشعب الجريح وطالت اعمالها التخريبية كل شبر من خارطة العراق وعطلت وعرقلت المشاريع الخدمية والصحية والتربوية والزراعية والصناعية والتنموية من خلال اعمالها التخريبية والمكشوفة او على يد اقزامها الذين تسللوا واخترقوا كل دوائر ومؤسسات الحكومة وصاروا يخربون وكل من موقعه، ما اضطر الحكومة الى التركيز على الجانب الامني وتخصيص اكثر الموارد المالية والجهود الاستثنائية لحفظ حياة المواطن وحماية مكتسبات العملية التغييرية، ومع وجود كل هذه العراقيل والظروف الاستثنائية فقد تم تثبيت دعائم دولة العراق الجديد، وبناء جيش وشرطة وطنيين في فترة قياسية بعد تعرضهما للتفكيك على يد سلطات الحاكم السابق بول بريمر، وتم القضاء على الميليشيات وعصابات الخطف والسلب والنهب واعادة اعمار معظم البنى التحتية التي تعرضت للنهب والخراب واعادة بناء وتشغيل الموانئ والمطارات وبعض المصانع الانتاجية، وعقد الاتفاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاستثمارية مع العديد من الدول والشركات العالمية -كذلك تم اعادة العلاقات الدبلوماسية مع الدول التي تقاطعت مع سياسات السلطة السابقة- وشارك العراق في اهم المؤتمرات العالمية والاقليمية من اجل اعادة العراق الى مكانته اللائقة في المنظومة الدولية، وتم اطفاء مليارات الدولارات من الديون التي تسببت بها السلطة السابقة واغرقت العراق فيها، كما تم خلال هذه الفترة -برغم حراجة ظروفها وتداعيات سقوط السلطة السابقة- كتابة دستور دائم واجراء انتخابات مثالية في منطقة الشرق الاوسط والمنطقة العربية. وجاء توقيع الاتفاقية الامنية مع الولايات المتحدة تتويجا لهذه الانجازات وان كانت ليست في مستوى الطموح اذ ستحقق هذه الاتفاقية الكثير من الامور والمنجزات الايجابية ومنها: اخراج العراق من البند السابع والوصاية الدولية. واطفاء كل الديون والتعويضات المترتبة على العراق جراء حروب اللانظام السابق وتعهد الولايات المتحدة باعادة اعمار العراق وتقديم سبعة عشر مليار دولار منحة مالية لدعم الاقتصاد العراقي والتصدي لاي عدوان او مطامع اقليمية يتعرض لها العراق في المستقبل.
وغيرها من الامور التي تدعم الوضع العراقي في منعطفه الحرج. هذه المنجزات وبرغم ضآلة مردودها المباشر والقريب من حياة المواطن تشكل محطة هامة في مسيرة العراق الجديد وتجعلنا اكثر تفاؤلا في المستقبل المنظور والبعيد لاجيالنا القادمة. ومن هنا يأتي تاكيدنا على ضرورة المشاركة في الانتخابات المقبلة تدعيما لما انجز وطمعا في تحقيق الكثير خاصة وان التجربة الثانية للانتخابات ستسقط كل اخطاء وحجج الانتخابات السابقة وستبعد كل المفسدين الذين تسللوا بصورة او باخرى الى القوائم الانتخابية. لا شك ان مقاطعة الانتخابات ستفتح الباب مشروعا لوصول القوى المناوئة للعملية الديمقراطية واستحواذها على مصادر القرار وبالتالي اعادة العراق الى عهود الدكتاتورية وبصيغ منافقة اشد وطأة على العراق والعراقيين واخطر وقعا على المنطقة باسرها. وذلك ان المسؤولين السيئين ينتخبهم مواطنون صالحون لم يصوتوا. وكما قال سقراط:
ان من اثقل مصائب الناس ان يحكمهم اسافلهم اذا رفض افاضلهم الحكم.
مقالات اخرى للكاتب