قبل شهرين اتصل بي صديق صدوق قديم يحب الشعر (شرط ان يكف عن النظم) . معرفتي به تمتد الى عقد ونصف العقد في دمشق ( ايام نعكف بالحسنى على سمر ... نساقط اللغو فيه كيفما اتفقا - الجواهري ) اي حقبة ما قبل فردوس العرعور الموعود . كان صاحبنا - كالاخرين - يكن عداء سافرا لكل ما هو اميركي ، بمن في ذلك الحاج محمد علي كلاي و الكاديلاك والديزني لاند . ولم تجد نفعا محاولاتي المتكررة لاقناعه بان هذا البلد حمّال اوجه . فاميركا الخارجية شيء و الداخلية شيء . واميركا البنتاغون شيء ، و لملوم الشعب المبدع شيء . واميركا البنتاغون شيء و أميركا آبل ماكنتوش شيء . ضاقت به الدنيا بما رحبت ، حزم امتعته اتخذ الطائرة الملكية جملا قبل نحو ست سنوات فقذفت به الاقدار و المنظمة التي كفلته الى ولاية "مينيسوتا" القاصية موقعا والقاسية طقسا "حدود كندا" ... فحال بيننا الموج . عبر الاسلاك كنت المس الفرحة العارمة في كل مسامة من مسامات بدنه . اذ راح يسرد لي بتلذذ صبياني كل صغيرة وكبيرة واجهها في رحلة الحصول على الجنسية الاميركية . و نقل لي انه لم يتمالك دموعه وهو يسمع تسجيل الرئيس الاميركي وهو يخاطب المواطنين الجدد قائلا : ليس في هذا البلد من هو متفضل عليكم ، انما انتم الذين شرفتم البلد بقبولكم هذه الوثيقة . لم اكن - و هو في اوج نشوته - ارغب في ان انغص عليه انتصاره المبين بتذكيره بمواقف الامس القريب . لكنني قلت له بخبث سافر :" اذن اصبحتَ مصاص دماء " ، في اشارة الى عبارة مللنا من سماعها منه عندما كان يصف اميركا في ايام المعارضة . في العراق العشائري عقلا وتطبيقا يكفي ان يشك احد بصحة انتمائك الى احدى العشائر العربية التي تشكل تركيبة المجتمع . حينها سيكون مصيرك مثل مصير صدام التكريتي بعد التاسع من نيسان الفين و ثلاثة عندما احتفت بقدومه جرذان الحفر الموبوءة . لا اريد التحدث هنا عن تسهيلات قانونية تمنحها بلدان متطورة وخاصة الاسكندنافية ، حيث تمنح للمولود في اجوائها على ارتفاع آلاف الاقدام جنسيتها من دون مَن ٍّ او اذى من راس . باختصار نحن لا نقبل الاخر وان كان مسالما وافضلَ منا عطاء انسانيا . اقسم بالله انني خلال ١٥ عاما من الاقامة هنا لم اجد من يهزأ بلهجتي المتعثرة عندما اتحدث الانكليزية وقد اتيناها على هرم . لا يضاف للامام السيستاني شرفا ان يُمنح الجنسية العراقية فهو من رجالات الاخرة . وسواء عندي اعرضت عليه فابى واستعصم ام لم تعرض عليه . فالتاريخ وحده سيحتفظ بمنجز هذا الرجل للعراقيين في هذه الحقبة خاصة . والله وحده العالم لو ان شخصية راديكالية كانت تتصدى للمرجعية العامة غيره لكانت سماء العراق تمطر اليوم دما عبيطا على رؤوس الجميع . كل هذا وياتيك اميٌ لا يعرف الكوع من البوع ، فيسال مستنكرا ، كيف يمكن لـ "عجمي" ان يكون سيدا من احفاد الرسول "ص" ؟... وبعدها يكشف عن تفاصيل المؤامرة الاميركية التي فرضت شيخ النجف الشريف على مقاليد المرجعية الشيعية . وعندما تهز راسك مستهزئا بلغو الحديث يذكـّرك بقيء وزير الدفاع الاميركي الاسبق البوكسر رامسفيلد الذي ينسب اليه القول بان واشنطن سلمت السيد السيستاني مئتي مليون دولار لكي يسلمها العراق على طبق من ذهب . كم مغبونة عقول هؤلاء وكم هي مسطحة كحدوة حصان !!! متى سيعرفون ان هذا المبلغ واضعافه لا يشكل قطرة من بحر ما يصل الى مكتب السيد الذي مازال "على الحصير وكوز الماء يرفده، وذهنه ورفوف تحمل الكتبا - الجواهري ". من اوصل العراق الى الحضيض الذي نحن فيه و عليه هو ادغتنا نحن العرب الدخلاء و الذين لانمت الى البلد باي عرق ، انما مستوطنون وربما غزاة كغيرنا . وكم ستكون المعادلة مضحكة عندما نكتشف باننا الضيوف اصبحنا بحق ربَّ المنزل ، ولضيق في انفسنا و صدورنا فانها لم تتسع لعجمي حتى وان كان الاتقى و الانقى و الاطهر و الازكى و الانمى والاسنى . ترى من اي باب ستنزل الرحمة الالهية ... لست ادري ولا المنجم يدري ؟
مقالات اخرى للكاتب