أن ما يؤسف له هو أن التحيز على حساب الحقيقة أصبح من طباع بعضاً من الذين يكتبون التاريخ، فهناك من يذهب يميناً عن الحدث وآخر يذهب إلى يساره، وكلاً يحاول عرضه بالشكل الذي يناسب من يقهر، أو يدفع أكثر، أو مع فكر من يكتب السطور، أو لأنه في موقف تناقض، وعدائي بعيد عن المهنية، وعلى الضد ممن يكتب في الاتجاه الثاني .
فمثلاً عندما يتحدث البعض عن ثورة التوابين التي قادها الصحابي سليمان بن صرد الخزاعي، تأسفاً وألما على استشهاد الإمام الحسين، فأن هؤلاء المتحدثين يتجاهلون ما كان عليه سليمان وعبد الله بن وال وغيرهم من الذين قاتلوا جيش يزيد في تخوم الشام لاحقا، عندما كانوا بالكوفة وهم يسمعون واعية الحسين ؟؟؟ ولماذا لم يذكروا لنا تفاصيل ما كانوا عليه عندما وصل رسول الإمام وأبن عمه مسلم بن عقيل الى الكوفة؟؟؟ ولماذا لم يدافعوا دونه عندما ضل وحيداً في دروبها وشوارعها ؟؟؟ .
وإذا كان قد تعذر نصر مسلم فما منعهم من فعل ذلك مع الحسين القادم نحو الكوفة بإصرار وشجاعة، حيث كان بن زياد يحث رؤوس القبائل، ويغريهم، ويهددهم ويُحشد لمواجهة الثائر القادم، كما أن المعلومات غير واضحة عن التوابين للفترة من سنة 61- 64 هجرية وما هي طبيعة العلاقة بينهم وبين بن زياد، وكيف تصرف معهم بن زياد في هذه السنوات الثلاثة ؟؟؟ ولم نسمع بتحركهم إلا بعد هلاك يزيد واضطراب الأمور سنة 64 ، وهل أن موقف لاحق يمحو من الذاكرة ما قد سبق، ويدعونا لتجاهل ما دار من حوارات، ومطالب، وألتزامات تتعلق بالحدث الأكبر وهو قتل الحسين والندامة على ما جرى له وأهل بيته وأصحابه .
من الواضح أن لكل زمان ومكان هناك أناس يسعون لتزييف تاريخ الرجال، أو مواقف الشعوب، كما أن هناك أناس متملقون، انتهازيون، على استعداد لفعل ذلك أرضاء للفئة الراغبة بالتزييف، بعد أن تؤول اليها الأمور. وهذا ما ذهب أليه صدام عندما حشد جمعا كبيرا من المؤرخين، والأدباء، والكتاب، وذوي الميول الثقافية المؤثرة، وطلب منهم أعادة كتابة التأريخ، وأغدق عليهم الأموال ووعدهم بما هو أكثر سخاء ( وليس هناك من هو أكثر صدقا منه في مثل هذه الحالات ) أن هم تمكنوا من ذلك ( أي اعادة كتابة التاريخ حسب رغبته ) لينال ممن ينال ويهاجم من يرغب، لتسقيط هذا، والإساءة إلى ذاك، من دول وطوائف وطلب منهم عدم نسيان مستر همفر لمهاجمة السعودية منافسه اللدود في المنطقة وخادم أعداء دولها .
هذا التسقيط الذي توارثه جمع المنافقين هذه الأيام، وساروا على خطاه فتحول من يدعون أنهم سياسيين إلى تجار حروب ومناصب، وعقود ومقاولات، وشفط النفط، والتحكم بحركة البنك المركزي، وفي الواقع هم لا يختلفون عمن سبقهم في النتيجة، من حيث الأثر السلبي على الشعب والعراق .
غالبا ما تُفرز الحروب إما عباقرة يعوضون بلدانهم عن الدمار، وإما خونه يسببون لها المزيد من التدهور . أو ينتُج عنها قوة عسكرية يحسب لها حساب، وإن كان كل ذلك على حساب رفاه الشعوب، وهو ما كان عليه العراق بعد حروب عبثية متكررة، فكان الخيار الأفضل للدول التي ساعدته وسلحته وقدمت له الدعم اللوجستي الكامل، هو محو هذا النظام لإخفاء معالم الجريمة، ولكي لا يكون تغيير النظام عن طريق إنقلاب عسكري، أو ثورة شعبية، تحافظ على قوة البلد وتنقله نقلة نوعية لا يرضاها له كثيرون، وحصل للعراق ما حصل، وها هو يأكل بعضه بعضا، وأصبح التزوير من علامات المرحلة الحالية، بدأت بالشهادات المدرسية الجامعية لتتوسع دائرتها في جميع الاتجاهات، ولكن مع هذا فأن الذين يستطيعوا أن يزيفوا سطراً هنا وواقعة هناك، لن يستطيعوا أن يزيفوا وعي الشعوب، وعقول أبنائها وذاكرتهم، وخصوصا الشرفاء من البشر .
مقالات اخرى للكاتب