في معظم الأحوال وعقب حصول الهزات الكبرى في الدول، مثل الثورات الشعبية والأنقلابات الدموية، والصراعات العرقية والطائفية، وخروج الأجنبي المحتل، أو تصدر تيار سياسي ما على غير توقع المشهد السياسي لذلك البلد، تحصل إنعطافات كبرى في حياة شعوب تلك الدول، وهي تشبه الى حد بعيد الولادات العسيرة التي يخرج منها الجنين منهكا ويحتاج الى حاضنة اصطناعية، والى عناية فائقة مركزة، لأنه جنين خديج غير مكتمل التكوين...
في حالتنا، وجدنا أنفسنا في متاهة الإنهاك المبرمج الذي أوقعنا فيه صدام بسلسة حروبه الطواحينية، وآخرها ما فعله في (يوم النداء الأغر) ،حينما وجد أنه قادر ببنادق صدئة ودبابات عتيقة، على إبتلاع الكويت وتحويلها الى المحافظة التاسعة عشر، وأن يمنحها إقطاعية الى أبن عمه علي كيمياوي محافظا عليها، هكذا وبكل سهولة يحتلها ويضمها الى العراق الخارج للتو من حرب طويلة مع إيران، خاضها نيابة عن "أشقاءه" الذين حولوه الى عربة رغبة دفعوها على منحدر، إستمر هبوطه منه ثماني سنوات كانت عجلاتها تطحن العراقيين طحنا..
صدام لم يكن يعرف أنه كان يتحرك بالمساحة الخطأ، وأقدامه جرت جرا الى نهايته منذ يوم نداءه في 2 آب 1990..ومن يومها وضع العراق في الحاضنة الاصطناعية ..الفصل السابع من شرعة الأمم المتحدة..وعومل على أنه بلد غير قادر على أدارة شؤونه بنفسه، حتى غذاء شعبه ودواءه أخضع للأشراف الدولي المباشر..
بواسطة الفصل السابع تشكل في الأمم المتحدة جهاز كبير من الموظفين الدوليين، مهمتهم السيطرة على أفعالنا الغير متوقعة، والقيام بمهمة تربيتنا وتهذيبنا لأننا صبية وقحين مشاكسين..!.وكانت أجور ونفقات تشغيل هذا الجهاز الأممي الكبير تستقطع من أموالنا التي حرمنا من إمكانية التصرف بها..! إذ لم يعد بأمكاننا إنفاق دولار واحد دون موافقة هؤلاء الأمميين..!
لقد وجد هؤلاء العراق مرعى خصب ترعى فيه جيادهم مجانا، ولذلك كان بقائنا تحت طائلة الفصل السابع يمدد يوما تلو يوم وسنة بعد سنة، لأن لصوص الأمم المتحدة لم يجدوا مكانا آخر يرعون فيه جيادهم...
اليوم وبعد "الربيع العربي" وجدوا أماكن بديلة يمكنهم أن يرعون جيادهم فيها، ولذلك تركونا...
كلام قبل السلام: الفصل السابع كان ممرا أجباريا عبرنا من خلاله في سفرنا نحو حريتنا الأبدية، ولكن تكلفة تذكرة العبور كانت باهضة الثمن...!!
سلام..
مقالات اخرى للكاتب