إذا كانت الصحافة قد اشتهرت بإحراج رجال السياسة ونجوم الفكر والفن بما تنشره عنهم وعن فضائح بعضهم فإن هؤلاء أيًضا كثيًرا ما يغتنمون الفرص لإحراج رجال الصحافة. وتاريخ الصحافة عالمًيا حاشد بمثل هذه المقالب. من أشهر ما وقعت به صحيفة أميركية عندما نشرت نبأ وفاة الكاتب الأميركي البارز تومِبن. ويظهر أن أحًدا أراد أن يوقع بها فزودها بهذا النبأ. عاجل الكاتب الكبير إلى تكذيبه فكتب للجريدة: لقد نشرتم خبر وفاتي ولكنني أجد هذا الخبر مبالًغا فيه قليلاً! الواقع أن الصحف مولعة بمقالب الوفاة بصورة خاصة. أنا أدرك ذلك تماًما من تجاربي الذاتية. لم يتعلق النبأ بموتي. ولكنني نشرت خبًرا في الستينات عن وفاة الرسام بيكاسو. الحمد Ϳ لم يكن ملًما باللغة العربية أو سمع بي أو باسم الجريدة العراقية٬ وربما حتى أين هو العراق٬ فمر المقلب بسلام بحيث لم أعبأ حتى بتكذيبه٬ وأثق أن قرائي لم يسمعوا ببيكاسو حًيا أو ميًتا. والظاهر أن المحرر أيًضا لم يسمع به فلم يثر الموضوع. المطبات التي تقع بها الصحافة كثيًرا ما تعود لعنصر السرعة والأسبقية التي تتطلبها فلا تترك مجالاً للبحث والتأكد. إنه في سباق مع الصحف الأخرى. اشتهرت المجلة الفرنسية «فرانس ديمانش» بالوقوع في جريمة التسرع. كان الفنان والمغني موريس شفاليه مريًضا بحالة خطيرة. وراح أصحابه يتوقعون موته. غامر محرر المجلة بالموضوع واعتقد أن هذا الفنان العظيم سيموت بعد ساعات قليلة وسيفوت نبأ موته على المجلة الأسبوعية. غامر ونشر خبر موته مع التفاصيل المتوقعة عن التشييع المهيب لهذا الرجل. ولكن الفنان العجوز لم يمت. وقعت المجلة في ورطة خطيرة. بيد أن من حسن حظ المحرر أن المجلة لم توزع بعد فأمر بإتلاف كل الأعداد المطبوعة والامتناع عن التوزيع في ذلك الأسبوع. ماتت المجلة ولم يمت موريس شفاليه. بيد أن بعض المطبات التي تقع فيها بعض الصحف تعود إلى الضغائن التي تنتاب بعض الكّتاب والمحررين٬ وهو ما وقعت به صحيفة «برافدا» الروسية. كان محررها الفني يكره الموسيقار رخماننوف. كان قد أعد عملاً موسيقًيا واستعد لتقديمه للجمهور في واحدة من كبريات القاعات الموسيقية. بيد أن حقد الناقد الفني على هذا الموسيقار منعه حتى من الذهاب للقاعة وسماع القطعة الجديدة. جلس في بيته وحرر نقًدا فظيًعا ضد القطعة٬ مزقها إرًبا إرًبا. ولم يتريث حتى اليوم التالي. نشر النقد وإذا به يثير زوبعة من السخرية والتخريف بحق الناقد. فإن رخماننوف كان قد مرض ومنعه المرض عن تقديم المعزوفة وتأجلت الحفلة إلى يوم آخر!
مقالات اخرى للكاتب