مدخل
كنا قد قدمنا في حلقات ثمانية سابقة , مقالات تمثل خطوطاً اساسية للبنى التحتية الواجب توفرها للقوات الامنية , ولكي تكتمل الصورة , فاننا نحتاج الى ضوابط وتقنينات وقوانين في بعض جوانب الحياة , لكي تتمكن القوات الامنية , ببناها التحتية , من توفير الامن بالشكل الامثل .
ولعل اهم تلك الجوانب هي تلك التي تتعلق بالعمليات الارهابية والعصابية التي لطالما كانت الهاجس الاكبر الذي انهك القوات الامنية , واعصاب المواطنين , واظهر العجز الحكومي عن ايقافها .
وبما ان معظم العمليات الارهابية تتم بالسيارات المفخخة والاغتيالات والهجوم المسلح, فإن عناصر تلك العمليات تتمثل بالسلاح الذي يستخدمه الارهابي في الاغتيالات والتسلح الفردي والجماعي, والوكر الذي يتم فيه تفخيخ العجلة وتهيئة مأوى الارهابيين , وتوفير العجلة لتفخيخها وللتنقل بواسطتها , والمواد الخام سريعة الانفجار التي تفخخ بها العجلة , وطريقة لاسلكية للتفجير ونقصد به جهاز اتصال (موبايل).
وبسبب فوضى وهشاشة سيطرة الدولة اثر سقوط نظام الطاغية , وضعف البيانات الحكومية الاحصائية , فقد تمكن الارهابيون من الافلات في معظم الحالات بجرائم التفجير التي اودت بحياة عشرات الوف الشهداء من المدنيين.
وسنتناول تلك العناصر بسلسلة حلقات متتالية , نبدأ بها في هذه الحلقة بالسلاح. ===============
فوضى السلاح
==============
لانتكلم هنا عن تسليح جيش عصابات داعش في الحرب الحالية اثر مسكهم الأرض وحصولهم على غنائم كبيرة من خلال انهيار القطعات العسكرية , ولكننا نتحدث عن لوجستيات العدو الارهابي في جرائمه الجنائية كالتفجيرات والعبوات والاغتالات وعمليات الخطف وسواها, وتلك اللوجستيات هي من اهم ضرورات الخلايا الارهابية والعصابية .
ان مشكلة السلاح وانتشاره في العراق مشكلة معقدة فيها جوانب تتعلق بالعادات والتقاليد العشائرية، واخرى تتعلق بارتباط احزاب المعارضة وميلشياتها وافرادها بالسلاح وصعوبة تخليها عنه حتى بعد سقوط النظام عام 2003, وزاد الطين بلة الانفلات الامني الذي اعقب سقوط نظام صدام واستيلاء المواطنين والعصابات والارهابيين على مخازن الاسلحة التي تعمد النظام البائد وضعها في المدارس وسط الاهالي داخل المدن ، كما ادى انفلات الحدود الى فوضى تهريب السلاح عبر شبكات الارهاب التي انجرفت الى مستنقع العراق بدعوى محاربة الاحتلال الامريكي، وساهم ذات الاحتلال في تفاقم المشكلة من خلال توزيع القوات الامريكيّة لقطع السلاح الشخصي (المسدس) بشكل منفلت وعشوائي و بلا أية رقابة.
كل هذه العوامل زادت في تعقيد قضية انتشار الاسلحة مما جعل من الصعوبة بمكان استخدام الحلول القسرية لسحب السلاح من المواطنين لا سيما مع الحاجة الواقعية للبعض في اقتناءه. ================
ارقام مرعبة
==============
لقد ترك نظام صدام حوالى سبعة ملايين ونصف مليون قطعة سلاح صغير ومتوسط داخل البلد , وهومجموع ماكان في العراق بيد الجيش والشرطة , وقد تبخرت هذه الاسلحة وذخائرها خلال الاشهر الاولى لسقوط النظام , وقد قامت القوات الامريكية الغازية بتوزيع قرابة المليون قطعة سلاح بلا ضوابط , ووجدت تلك الاسلحة طريقها الى سوق السلاح على الارصفة و بالمكشوف لاسيما في اسواق بغداد والبصرة , واذا اضفنا الى تلك الملايين ,الاسلحة التي كانت موجودة اصلا بيد المعارضة المسلحة وقوات البيشمركة , ومادخل من سلاح , من خلال التهريب عبر الحدود الى التنظيمات الارهابية بسخاء بالغ
فاننا نتحدث عن قرابة الاثنتي عشر مليون قطعة سلاح خارج سيطرة الدولة , اي مامعدله قطعة سلاح لكل فردين ونصف تقريباً !!!!!!!!,وهي نسبة لاتتوفر في اية دولة عربية او من الشرق الاوسط وافريقيا. ===============
خيارات الاسلوب الامثل
===============
لايمكن السيطرة على السلاح من خلال منعه اطلاقا, وتعتمد دول العالم احد اسلوبين للتعامل مع السلاح ...
الاسلوب الأول : هو شرعنة تجارة السلاح وفرض ضرائب عليها وإعطائها التراخيص اللازمة مع فرض مراقبة وأحصاء صارم وهو ماتنتهجه أغلب الدول المتقدمة , حيث يكون لديها سلاح للدولة , وسلاح شخصي للمواطن تحت رقابة الدولة.
الأسلوب الثاني : هو منع هذه التجارة ومكافحتها واعتبارها جريمة , وتشريع العقوبات الصارمة ضدها , وينتج من ذلك في الغالب انتشار لمافيات السلاح بالتهريب والسوق السوداء وبأسعار عالية تجذب المغامرين للمتاجرة بها , وهو الاسلوب المتبع في أغلب الدول المتخلفة.
والعراق يعمل بألاسلوب الثاني (المكافحة) , ولو أردنا المحاسبة وفق هذا الاسلوب, فسوف نُدخل نصف الشعب إلى السجون.
ان الطريق الامثل للقضاء على فوضى السلاح لايمكن ان يتم الا من خلال خطوات مدروسة وحكيمة يتم فيها تقنين السلاح وتفعيل النظم الاحصائية الحكومية التي توفر السلاح ولكنها تنزع شهوة الاستخدام الجرمي او الطائش له , وذلك من خلال تشريعات وضوابط تتولى تنفيذها مؤسسة ضمن الأجهزة الأمنية تكون معنية بالرصد والمراقبة والمكافحة والاحصاء والسيطرة. ================
تقنين بيع وشراء السلاح
===========
اننا نرى ان حل مشكلة السلاح الشخصي يجب ان تتم من خلال منظومة متكاملة تعتمد بشكل جوهري على الامن الاحصائي وضمن خطوتين رئيسيتين , تتعلق اولاهما بشراء السلاح من المواطنين ,فيما تتعلق الثانية ببيع وتسجيل السلاح الشخصي للمواطن .
وتتم الخطوة الاولى من خلال تشكيل لجنة عسكرية عليا تتولى الترويج لشراء السلاح من المواطن , اياً كان نوعه ومصدره وبدون مسائلة قانونية (ضمن فترة زمنية ), وان يتم هذا الامر وفق جداول سعرية سخية ومجزية لكل نوع من انواع السلاح , مما سيخفض خزين السلاح لدى المدنيين , وينفع في احالة السلاح الى استخدام الجيش والشرطة، وينعكس على توفير العملة الصعبة نتيجة استيراده ,ويسد جزءاً و لو صغيراً من حاجة مؤسسات الدولة الأمنية .
اما الخطوة الثانية فتحتاج الحكومة الى جملة ضوابط وتشريعات تتعلق بالبيع والشراء والحيازة للاسلحة الشخصية باشرافها وعنايتها ورقابتها , وتتم تلك الخطوة في تصورنا المتواضع بخطوات اهمها : 1- السماح للقطاع الخاص بفتح متاجر بيع الأسلحة وصيانتها , ويحق لكل مواطن الشراء بعد استحصال الموافقة الأمنية من الجهة المختصة.
2- منح الإجازات اللازمة للقطاع الخاص و الشركات الأمنية بفتح قاعات تعليم والتدريب على الرمي, واشتراط جلب المتقدم للشراء او تسجيل الحيازة لشهادة تدريبية على السلاح.
3- تحديد الشروط الواجب توافرها في من له حق اقتناء السلاح من حيث :العمر , السجل الجنائي , السلامة العقلية والنفسية .
4- تحديد نوع الاقتناء (حيازة او حمل), وتحديد الحمل والحيازة وفق الرقعة الجغرافية للمقتني مع بعض الاستثناءآت المتعلقة بطبيعة العمل كسائقي الطرق الخارجية والتجار والمسؤولين وغيرهم.
5-تحديد نوع السلاح المسموح بترخيصه , ويحبذ ان يكون من انواع غير متداولة في القوات المسلحة كي يتم الحد من سرقة سلاح الدولة.
6- اصدار عقوبات صارمة لمن يتعامل بالسوق السوداء للسلاح.
7- تتم عمليات البيع والشراء لمحلات بيع وشراء السلاح وفق جرودات احصائية حكومية دقيقة , تحصي على شركات البيع الاهلية كل قطعة سلاح مستوردة من قبلهم و رقمها، وكذلك الامر مع العتاد وهذا سيضمن التقنين والضبط والشفافية , ويمكن ان يطور الامر بالسماح للشركات الامنية المجازة أمنياً بالعمل على شراء أسلحة غير مرخصة من المواطنين بعلم الدولة ويجري ترخيصها بإجراءات احصائية دقيقة مما سيؤدي الى امتصاص السلاح غير الشرعي.
8-يتم اصدار التراخيص ضمن فترات زمنية (عام أو عامين) ولاتجدد الا بعد إجراء فحص دوري على السلاح والعتاد المرافق
9-فرض رسم حكومي على إصدار الترخيص بما يغطي نفقات ومرتبات الجهاز الامني المشرف على التراخيص , لعدم أثقال كاهل الدولة وجعل المؤسسة ربحية.
10- توقيع صاحب الحيازة على مجموعة تعهدات تتضمن حسن الاستخدام والابلاغ عن الفقدان وغيرها من الضوابط , وتوضع في ملفه وايضا أخذ إيصال علية بالسلاح ورقمة والعتاد المرافق. 11- من الممكن ان تزود المتاجر من منتج محلي من السلاح والعتاد , فيما إذا استطاعت الدولة تأسيس مصانع للأسلحة الخفيفة والعتاد.
بالطبع فان عملية التقنين تلك تتم برمتها من خلال مؤسسة امنية مختصة بالاسلحة واسلحة الصيد.
ان تلك الخطة كفيلة بانهاء اسواق السلاح المنفلتة والتهريب وتوفر للدولة احصاءات دقيقة عن السلاح الشخصي وتساعد على امتصاص الكثير من الاسلحة والاعتدة بدلاً عن وقوعها بايدي العصابات والارهابيين وداعميهم.
فإذا أردنا سلامة المجتمع يجب أن نبدأ بذلك الان , ونقنن السلاح في جهتين فقط ... سلاح الدولة .... وسلاح تحت سيطرة الدولة, وبهذا نكون قد سيطرنا على السلاح وهو المفردة الأولى في مفردات وعناصر الانفلات الامني , والله الموفق.
مقالات اخرى للكاتب