مدخل
=========
اذا ما استثنينا مجازر الارهابيين الجماعية كجريمتي سبايكر وبادوش وسواها , فان طريقة القتل الاكثر فتكا بالعراقيين خلال الاثنتي عشرة سنة الفائتة كانت عبر العجلات على اختلاف انواعها من خلال تلغيمها .
وبرغم الخسائر الهائلة بالارواح داخل المدن الا ان الجهات الحكومية المختصة لم تقم بخطوات جدية للحد من فوضى السيارات في العراق , وهو مانسعى لالقاء الضوء عليه في ثاني مقال لنا من سلسلة مقالاتنا عن الضوابط الداعمة للاستقرار الامني.
==========
شيء من التاريخ
==========
تعد اول محاولة للتفجير بسيارة مفخخة هي تلك الحادثة اليتيمة التي حاول بها الارمن الانتقام من الخليفة العثماني عبد الحميد الثاني عام 1905 اي قبل 110 اعوام قبل ان يرى العراقيون السيارة بام اعينهم في شوارع العراق .
ويحدثنا تاريخ العراق المعاصر عن اول محاولة للتفخيخ قام بها اهم زعماء حركة القوميين العرب , باسل الكبيسي (1934 – 1973) , لتلغيم سيارته امام النادي العسكري في خمسينات القرن الماضي لاغتيال السفير البريطاني ببغداد .
واعتمدت التنظيمات العسكرية الثورية المسلحة اليمينية واليسارية في آسيا واوروبا وكذا التنظيمات الفلسطينية خلال عقود الستينات وحتى اواخر الثمانينات اسلوب العجلات المفخخة بالتوازي مع اسلوب خطف وتفجير الطائرات .
ثم جائت القفزة العملاقة باول استخدام لوسيلة نقل كأداة تفجير في احداث سبتمبر ايلول في مانهاتن على يد ارهابيي القاعدة , ليبدأ اثر ذلك الفصل المرير من احتلال العراق وبروز عمليات القاعدة ولاحقا داعش في العراق مرورا بعشرات التنظيمات الارهابية المحلية , ليبدأ فصل جديد مميز من الاستخدام الهائل والفني للعجلات الملغمة بكافة انواعها.
===========
ارقام منقوعة بالدماء
===========
اعتمدت التنظيمات الارهابية في العراق اسلوب السيارات المفخخة بافراط منذ 2003 حتى سقوط الموصل ومابعدها , ولازالت تعتمد من قبل داعش , لضرب خطوط وسواتر الجبهة بصهاريج او مدرعات او شفلات او همرات وحتى دبابات مدرعة اي ان تفخيخ العجلات اصبح يستخدم من قبل داعش حتى في قتال الجيش في الجبهة.
تكاد تكون العجلات المفخخة هي اكثر سلاح حصد ارواح العراقيين , وبرغم ضعف المعلومات الاحصائية , الا ان الاكيد ان المتفجر منها في العراق خلال 12 عام يفوق ماتفجر منها في العالم خلال 70 عام , اي منذ مابعد الحرب العالميه الثانية.
وكانت اول سياره مفخخه بعد سقوط النظام قد استخدمت في 19 اب 2003 , حيث ضربت شاحنة مفخخة فندق القناه الذي كان يستخدم مقرا لمكتب الامم المتحده وقتل على اثرها 22 شخص بينهم ممثل الامم المتحده في العراق سيرجيو دي ميلو وعشرات الجرحى.
وكان آخر اعنف تفجير في 17تموز 2015 اول يوم عيد الفطر الماضي بمنطقه خان بني سعد 30 كم شمال شرق بغداد بسوق مزدحم استشهد اكثر من 120 شخص
ومابين التفجيرين استخدم الارهابيون هذا السلاح المدمر 12763 مرة , بينما لم تزد عدد التفجيرات بالسيارات الملغمة في العالم خلال 70 عام (اي منذ اواخر الحرب العالمية الثانية على ال1000 مرة .
اي ان الارهابيين قد فجروا مامعدله عجلة مفخخة كل ثمانية ساعات ونصف !!!!! , طيلة الفترة من نيسان 2003 حتى اكتوبر 2015 , والحبل على الجرار .
ولكي نكون دقيقين فان 1822 عجلة مفخخة (سيارة او حافلة او شفل يتم تدريعها محلياً) قد جرى تفجيرها على قواتنا المسلحة في جبهات القتال ابتداءاً من احداث الرمادي والفلوجة الاخيرة ومااعقبها من احداث سقوط الموصل وحتى وقتنا هذا , كما يشمل الرقم قرابة ال3500 عجلة مفخخة جرى تفجيرها على المدنيين في العراق , كان اعنفها تفجير الصدرية وتفجير المسيب , فيما تم تفجير 5400 عجلة لمواطنين دون علمهم بعبوات لاصقة , بقصد الاغتيال او بقصد تفجيرها عن بعد بالمدنيين , فيما استطاعت القوات الامنية من السيطرة على قرابة 2000 عجلة قبل انفجارها سواء كانت مركونة في الشوارع او من خلال مداهمة معامل تفخيخ تابعة للارهابيين في اوكارهم.
وقد خلفت تلك الاعداد الهائلة من التفجيرات مئات الوف الشهداء واضعافهم من المعاقين (جلّهم من المدنيين) , عدا عن التدمير في العجلات والمباني والبنى التحتية , ولكن كل ذلك لم يشكل اي عصف ذهني لدى القوات الحكومية , لشل استخدام الارهابيين لهذا السلاح الرهيب.
=============
ميزة السيارات المفخخة
==============
يتم تفجير السيارة المفخخة اما من خلال انتحاري يقودها او من خلال التفجير عن بعد او التوقيت , او من خلال لاصقة توضع في عجلة مواطن ما في غفلة منه.
ويفضل الارهابيون العجلات المفخخة لعدة اسباب منها قوتها التدميرية الكبيرة وسهولة توجيهها لقلب الهدف المنشود من خلال ركنها او قيادتها بواسطة انتحاري , وكذلك فان العجلة المفخخة هي سلاح متحرك ويسهل نقله والهرب به في حالة الطواريء, كما ان سلاح العجلات المفخخة هو سلاح رخيص نسبيا لانه لايكلف اكثر من سيارة مسروقة او قديمة مشتراة باوراق مزورة , وادوات تفجير معززة بعبوات غاز طبخ وبنزين ومسامير وغيرها , وقد ساهم في تفضيل الارهابيين للسيارات المفخخة هو الضعف الاداري والاحصائي الحكومي والفوضى الاجرائية والفساد المستشري في دوائر المرور , الامر الذي جعلهم يفلتون بفعلتهم دوماً برغم المبرز الجرمي الذي يخلفه التفجير .
==========
تقصير امني هائل
=========
بالرغم من كل ماقدمناه وخطورته , فقد اغفلت الجهات الامنية المختصة اية اجراءآت تحد من الاستخدام الكبير للعجلات من قبل الارهابيين .
وكانت بداية الاغفال في عدم اتخاذ اية اجراءات حول العجلات المسروقة اثر فوضى سقوط نظام الطاغية صدام , وتزايد الفوضى بالاستيراد العشوائي للسيارات المستعملة وحتى الجديدة , وعدم حل المشاكل الامنية التي ارتبطت بتلك الفوضى .
والانكى من ذلك , ان الفساد في اية جهة ينمو في ظل الفوضى , لذا تمدت الكثير من مافيات الفساد على الابقاء على فوضى تسجيل السيارات وارقامها فترى الى الان اربعة او خمسة انواع من الارقام وبالوان مختلفة , عدا عن وجود سيارات بلا ارقام لمواكب مسؤولين لاتزال الى الان تجوب الشوارع .
كما ان الجهات المختصة في العراق , قد كانت الاسوأ في اهمال مسرح الجريمة (السيارة المفخخة المتفجرة) حيث لايتم الا نادرا اكتشاف اصل العجلة المتفجرة وعائديتها , وتقوم اجهزة البلدية والاطفاء بتنظيف وغسل منطقة التفجير وغسل الادلة بخراطيم المياه , ولمعرفة عمق مأساة الاهمال علينا تذكر حادثة قريبة جدا , فقبيل شهر استطاعت شركة تويوتا من تحديد الجهات الداعمة لداعش من خلال مراجعة سجلات التصدير لسياراتها البيك أب التي يستخدمها الارهابيون .
==============
على طريق الحلول الجذرية
==============
لاندعي هنا ان لدينا حلولاً سحرية لمشكلة السيارات المفخخة , فالموضوع خطير ويحتاج الى تضافر الجهود الاستخبارية والمرورية والاحصائية .
ولكن لابد من ان نبدأ بخطوات وخطى جادة , ونقدم افكاراً عملية تضيف الخناق على الاستخدام الارهابي الوحشي للعجلات .
ان من اولى الخطوات هنا ان تتوافر سجلات الكترونية لقاعدة بيانات لجميع المركبات في العراق , وان تشتمل على معلومات احصائية محدثة ابتداءاً من استيراد العجلة من الخارج مروراً بكل من تملكوها ومواصفات العجلة بالكامل , فكلما كانت لدينا بيانات موثقة , تزداد معرفتنا التي تربك الارهابي وتقلل من فرص افلاته من قبضة العدالة .
كما ان على الدوائر المعنية ان تشرع جديا , وبلا اية استثناءات الى توحيد ترقيم العجلات , والقضاء تماما على فوضى الارقام , وفوضى السيارات غير المرقمة للمسؤولين ومواكبهم .
كما ان على الدولة توثيق بيع السيارات عبر الكتاب العدول , لضمان عدم التلاعب بالاوراق الرسمية ولا الشراء بهويات مزورة.
ويضاف هنا اجراء مهم يخص العجلات المسروقة , والتي يتم للاسف الاهمال في تعميم الإخبار الامني عن سرقتها , اذ يجب ان يتم التعامل بالسرعة القصوى مع بلاغات سرقة الارقام او العجلات , وتوقع استخدامها السريع من قبل الارهابيين في التفجيرات , مما يتطلب توزيع البلاغات بسرقتها وتلقيم كاميرات مراقبة الشوارع الذكية بارقام تلك العجلات المسروقة ليتم المسح الاكتروني للشوارع والمنافذ بين المحافظات لتحديد اماكنها وايقافها , كما ان من اللازم على دوائر مكافحة الاجرام تشديد التحقيقات مع عصابات سرقة السيارات , وعدم اسقاط فرضية بيعهم العجلات المسروقة للتنظيمات الارهابية .
ونود هنا ان نطرح حلاً ثورياً لمشكلة ارقام السيارات , ولاندعي هنا انه من بنات افكارنا لكنه حل ممتاز ومعمول به في الكثير من دول العالم , ونقصد به ان تتم نسبة رقم العجلة الى مالكها لاإلى العجلة !!.
ولتقريب الامر للقاريء نقول: حين يكون لدى المواطن موبايل من اي نوع , وينوي بيعه , فان اول شيء يفعله هو انه يخرج منه شريحة الموبايل خاصته , ويبيع الموبايل , وحين يشتري موبايل جديد يركب شريحته الخاصة به.
هنا المواطن غير مسؤول عن سوء استخدام الموبايل الذي باعه لان الاصل بالموضوع ان الشريحة هي التي تمثل هوية المتصل وليس الجهاز.
كذلك الامر فيما يخص السيارات , فانت في الدول المتقدمة تشتري الرقم (بل ان بعض الدول تجعلك انت تختار الرقم والحروف الخاصة به لسيارتك شريطة عدم التكرار),و من حقك ان تشتري من الدولة عدة ارقام حتى لو لم تستخدمها حالاً .
فحين تود بيع سيارتك , فانك تخلع رقمك وتبيع السيارة , وعلى من يشتريها ان يشتري من المرور رقمه الخاص بها , ففي هذه الحالة , يكون تحديد المسؤولية محصوراً , ولايستطيع احد ان يشتري سيارة الا اذا ركب لها رقما , فلامجال للبيع ال(طياري) ,ولن يغامر الارهابي بشراء سيارة بلا رقم, وسيكون كل رقم مسجل ضمن احصاءات الدولة لصاحبه وليس للعجلة , فحينها يكتسب الرقم اهمية بغض النظر عن نوع العجلة وموديلها ولونها , ويسهل تتبع صاحبه وحصر المسؤولية القانونية.
ان التشدد بهذه الاجراءات , كما نراه , كفيل بالكشف عن الكثير من ألغاز السيارات المفخخة وحصر مسؤوليتها , ويضيق الخناق على الارهابيين الذين استسهلوا التفخيخ في ظل ضعف الاجراءات وفوضويتها.
=====
خلاصة
=====
مشكلة العجلات المفخخة هي مشكلة جدية وخطيرة , ابيد بها مواطن من كل 100 مواطن واصيب بعوق مالايقل عن اثنان من كل 100 , فمن الواجب ان نبذل كافة الجهود وبحلول مبدعة وحثيثة لانهاء هذا الملف الدموي , ومن الله التوفيق
مقالات اخرى للكاتب