مدخل
========
فصلنا في مقالات سابقة الحديث عن ضوابط لابد لها ان تكون فعالة ودقيقة لمواجهة الجوانب الفنية والعملية التي يستخدمها الارهابيون في تفجيراتهم , فتناولنا العجلة التي يستخدمها الارهابي او الانتحاري , وتناولنا شريحة الموبايل التي يستخدمها في التفجير عن بعد , والاسلحة الشخصية التي يستخدمها الارهابي للمواجهة المسلحة مع المدنيين وافراد الامن , او في سوح القتال .
ونستمر هنا في جانب آخر مهم من الجوانب التكميلية للعمل الارهابي المنظم التي تحتاج الى ضوابط , فالمسؤول عن العمل الارهابي هيأ سلاحه الشخصي , واعد سيارة سرقها او اشتراها باوراق مزورة , وتوفر على شريحة هاتف تحصل عليها بلا رقابة بوثائق مزورة ايضاً, وبقيت امامه خطوة فنية واحدة هي تفخيخ العجلة وتهيئتها للتفجير , لتكتمل عناصر السيارة المفخخة فنياً , يتهيأ بعدها لتنفيذ جريمته البشعة في سوق شعبي او (مسطر) للعمال , فتتطاير الاشلاء البريئة , فيما تقف الاجهزة الامنية الفنية عاجزة عن تتبع اوليات العجلة , واوليات الشريحة , ليقف الارهابي ربما بين جموع المتفرجين على التفجير ويحوقل معهم ويسير الى وكره مطمئناً, متهيئاً لدورة عنف جديدة بشريحة وعبوة وسيارة جديدة .
ماسنركز عليه هنا هو اثر نهب المخازن العسكرية في صناعة عبوات ذوات شدة تفجير وتأثير هائلتين لاتقاس معهما العبوات البدائية في دول العالم . =================
عبوات بدائية بتأثير محدود
=================
تصنع العبوات الناسفة البدائية بطرق فنية بسيطة وباحجام مختلفة ومتنوعة , ولانذيع سرا اذا قلنا ان المواد الاولية الداخلة في صناعتها تقسم الى قسمين : مواد رئيسية تتمثل بالمتفجرة الاساسية (مثل ال سي 4 ) , ومواد تدخل في التفخيخ تتمثل في مواد كيمياوية ثنائية الاستخدام , اي ان لها استخدامات صناعية وزراعية مدنية , واخرى عسكرية .
فمن المواد ذوات الاستخدام المزدوج , الاحماض المتوافرة في المذاخر والصيدليات وكذا المواد الكيمياوية المتوافرة في محلات المستلزمات الزراعية , وكذا بالنسبة للفحم المطحون وبرادة الالمنيوم المتوافران بشكل سهل في السوق المحلية واللتان تزيدان من شدة الانفجار , وحتى البارود الذي في حال عدم توافره فان بديله هي مادة الرصاص في الاقلام , والتنر كمادة منظفة (وتستخدم حتى لمسح السبورة) وهو مهم للعبوات, وكذا
الاسمنت والجبس اللتان تزيدان من قوه العبوة, والمسامير تستخدم للتشظية, وكذا الامر مع باقي المواد كالبنزين و سم الفئران . و نترات الامونيوم (سماد كيمياوي )و بودرة الخشب , و نترات الفضه, و الكبريت الاصفر الزراعي .
وبرغم كل ماتقدم من تعداد للمواد الداخلة في صناعة العبوات المحلية الا ان الغالب عليها انها عبوات صغيرة وذات قوه تدمير محدودة, لانها تفتقد الى الاساس الذي يولد العصف والتفجير الهائل ونعني بها المقذوفات والالغام الحربية .
وبالرغم من محدودية تأثير القنابل والعبوات البدائية الصنع ,تقوم دوائر الاستخبارات العالمية بالرقابة المباشرة وغير المباشرة لسوق تلك المواد , فيفضل الارهابي ان يستخدم السلاح الاعتيادي كالبندقية والمسدس , في هجومه (كما في حادث الهجوم على الصحيفة الفرنسية ) لأن من الصعب عليه الحصول على المواد الرئيسية الداخلة في صناعة المتفجرات , وكذا يصعب عليه شراء المواد ثنائية الاستخدام بلامبررات ووثائق ودون ان يلفت الانظار. ==================
في العراق تجميع بلا تصنيع
==================
من اخطر العبوات الناسفة والعبوات التي تفخخ بها العجلات , هي تلك التي يكون القلب فيها الالغام وقذائف المدفعية والمخلفات الحربية الاخرى , وهي المواد التي تحصلت قوى الارهاب على كميات رهيبة منها من مخازن الجيش العراقي ومصانع التصنيع العسكري .
والمختصون يعلمون جيداً ان اغلب العبوات المنفجرة في العراق كانت تشمل اما قذيفة مدفع او لغم عجلات, او قنبرة هاون , مركب على اي منها صاعق تفجير , دون جهد او خبرة تذكر.
=========
ارقام مرعبة
=========
فاذا ما استثنينا ال26 مليون لغم ارضي المزروعة في ارض العراق (لغم لكل مواطن), واذا مااستثنينا ايضا حوالي ال 4 مليون مقذوف غير منفلق , فان هنالك حوالي ال مليونين وسبعمائة الف لغم في مخازن الجيش سرقت بالكامل دون رقيب !!!!, اضف اليها
360 الف قذيفه دبابة و مليونين ومائة الف صاروخ راجمة تقريباً , وقرابة الخمسة ملايين ونصف المليون قذيفة مدفع مختلفة . وثلاثة ملايين قنبرة هاون مختلفة , حوالي 2مليون رمانة يدوية في وحدات الجيش , مع مجموعة من صواريخ ارض ارض وصواريخ الطائرات (لا توجد احصائيه دقيقه عنها), ففي بداية عام 2014 تم العثور على مخزن للارهابيين يحتوي على خمسة صواريخ ارض ارض , وستة حاويات كبيرة مليئة بانواع القنابل الخاصة بالطائرات العسكرية من بقايا القوة الجوية السابقة في منطقة عين الفرس في صلاح الدين , ضمن قاطع فق 4 وتم تفجيرها , فكم من صواريخ الارض ارض لم نعثر عليها؟؟), و200 طن ديناميت , مع 530 طن TNT , و125 طن c4, وقرابة ال 30 طن rdx(مادة متفجرة اقوى من شدة ال c4)
, كل هذه سرقت بالكامل من مخازن الجيش ومخازن التصنيع العسكري ,دون ان نجد لها اثراً الى الان !!!!!فاذا علمنا ان تفخيخ العجلة الصغيرة يتطلب مقذوفين , واربعة منها للعجلة الكبيرة , فلك ان تتصور , كم عبوة ناسفة بالامكان انتاجها من هذا الخزين المسروق المرعب ؟؟؟لقد كان تصريحاً مثيراً للسخرية , ان خرج يوما علينا احد اهم خبراء المتفجرات على التلفزيون ليصرح :ان السيارة المفخخة تكلف الارهاب 10 0 ألف دولار !!بينما حقيقة الامر انها تكلف ملايزيد عن ال 200دولار فقط ,ذلك ان اغلب السيارات المفخخة كانت تتكون من :سياره مسروقة مجانية + قذيفتي مدفع ( ببلاش من فرهود مخازننا ) + تعبئة العجلة بالبنزين (50000دينار ) + صاعق يدوي صناعة يدوية (25000دينار ) + كيلو مسامير (2000دينار) + موبايل وشريحه( 50000دينار).
ولااكثر من ذلك !!!!!.
من هنا نستنتج ان عبوة التجميع اخطر بمالايقاس عن العبوات البدائية , فالدول التي لم تتعرض مخازنها العسكرية للنهب , لم تتعرض الى عبوات التجميع الخطيرة , وكان اقصى ماتعرضت له متفجرات بدائية محدودة التأثير.
فمنذ 2012 والى الان , وبرغم شراسة داعش في سوريا الا انهم لم يستخدموا اكثر من 50 سيارة مفخخة , لان الجيش السوري لم يسقط ولم تنهب مخازنه , وكان حين يضطر للانسحاب من قاعدة ما , يقوم بتفجير مخازن سلاحه وعتاده , وهذا خلاف الوضع في العراق , فمنذ حزيران 2014 استخدمت داعش في العراق 1822 سياره مفخخة, لان مواد العبوات متوافرة عندها من مخازن السلاح العسكرية .
وكذا في كل البلدان التي عانت من آفة الارهاب , فاننا نجد ان عنف المتفجرات بعد الاستيلاء على معسكرات الجيش اعظم واكبر منه قبل الاستيلاء , كما في ليبيا بعد القذافي , واليمن بعد عبد الله صالح , وغيرها من البلدان , وفي ذات الوقت فشلت التنظيمات الارهابية في تفجير عبوات قوية مدمرة في مصر لصعوبة الوصول الى مواد التفجير العسكرية . ==============
خارطة طريق للوقاية
==============
تميزت العبوات الناسفة في العراق بانها الاعنف , وقد كان لاهمال القوات الامريكية والحكومات المتعاقبة اثر سقوط نظام الطاغية الاثر الاكبر في تمكن الارهابيين في الاستيلاء على مخازن استراتيجية تكفي لهدم العراق كل العراق من زاخو الى الفاو , فمن الواجب ان نتنبه لخطورة الوضع , ولو بعد سيول الدماء الهائلة الزكية.
ومن هنا , لابد من ان يحصل توجه حقيقي للعثور على الخزين الهائل الذي بيد الارهابيين , فمن المقلق ان لاتفلح استخباراتنا وقواتنا الامنية في العثور على الخزين الهائل المسروق حتى قبل ان تحتل داعش اراض عراقية بالكامل , فلابد من تكثيف الجهود الاستخبارية والاستعانة بالخبرات والصور الجوية من مختلف دوائر الاستخبارات العالمية , من اجل تحديد وضرب تلك المخازن , كما ان من المهم ان تتم حصر المواد ثنائية الاستخدام ومراقبة سحوباتها من السوق المحلية من قبل الجهات المعنية , وتحديد طرق قانونية لبيعها , لاسيما بيع الكميات الكبيرة منها , وكذا من المهم العمل على اعادة اجتذاب خبراء المتفجرات( ضباط الهندسة العسكرية) وخبراء التصنيع العسكري والاهتمام بمرتباتهم لمنع افادة التنظيمات الارهابية من جهودهم بضغط الفاقة والانتقام .
=========
خلاصة
=========
من المريح لنا ان نغطي رؤوسنا في الرمال ونرتاح لتحليلات حمقاء تقول ان العبوات الناسفة تاتينا عبر دول الجوار , وهذا خطل , فالحقيقة ان الارهاب في العراق كان ولازال ,يمتلك الترسانه واليد العاملة وكل شيء, فلابد من ان نواجه الواقع , لكي نحيل بين الارهابيين ومخازن العتاد التي استولوا عليها في فوضى اسقاط نظام صدام ,والله من وراء القصد.
مقالات اخرى للكاتب