مدخل
========
كنا قد تحدثنا عن اربعة ضوابط داعمة للاستقرار الامني وهي (تقنين السلاح والسيطرة على المواد الداخلة بصناعة العبوات والسيطرة على سوق الشرائح الالكترونية وادوات الاتصالات والسيطرة على العجلات وتسجيلها ومتابعة المفقود منها) .
ان تقنين تلك الموارد الاربعة تعتمد على ضوابط ادارية في طبيعتها العامة , اي ان الجوانب الادارية لها الغلبة (بموازاة الدور الاستخباري الرقابي غير المباشر) في لعب الدور الاكبر في الحد من المخاطر التي تحويها العناصر الاربع التي يحتاجها الارهابي لتفجير العجلة المفخخة .
الا ان هنالك ضوابط اخرى معرقلة للعمل الارهابي في التفخيخ والتفجير , لايمكن عملها بدون الدور الاستخباري الرئيسي , ومن تلك الضوابط هي كيفية احباط حصول الارهابيين على مثابات ومقرات واوكار ومخابيء آمنة , وهو امر منوط بالجهد الاستخباري الجاد القادر على قضِّ مضاجع الارهابيين , ومنعهم من التنعم باماكن يخططون ويتدربون ويهيؤون فيها لجرائمهم الارهابية .
================
مراحل العيش لصق العدو
================
مهما توافرت من امكانات للتنظيمات المسلحة ( سواء منها الارهابية او التحررية ) , فانها تبقى عاجزة عن القيام بأعمالها مالم تكن في مكان قريب من عدوها جغرافياً , والامثلة اكثر من ان تحصى كما في انتقال العمل المسلح التحرري للمعارضة العراقية الى جبال كردستان والأهوار جنوب العراق , او تواجد منظمة التحرير الفلسطينية لصق اراضيها المغتصبة , مرة في الاردن واخرى في لبنان في سبعينات القرن الماضي وماتلاها , او في تواجد تنظيمات القاعدة في حواضن عراقية كما في الفلوجة او في تيرابورا بافغانستان , ويبدأ العجز حين يتم الابتعاد (كما في نقل منظمة التحرير بكامل قواتها الى تونس اثر اجتياح بيروت في مطلع ثمانينات القرن الماضي ).
وتتدرج اماكن وطرق تواجد التنظيم الارهابي قرب ساحة عملياته وفق نوع مقراته ومدى سريتها واختلاف طبيعة العمل في كل منها , ولكنها تقسم في العموم الى اربعة اماكن هي :المقرات والمثابات والاوكار والمخابيء . ================
1- المقرات (المعسكرات)
================
فالمقرات تمتاز بأنها آمنة وبعيدة عن اعين الحكومة (العدو) وواسعة , يتردد عليها القادة الكبار للتنظيم , ويجري فيها التدريب والضبط والتأهيل والدورات العقائدية المكثفة ويتم بعد ذلك تخريج الافراد وتوزيعهم بحسب المهام , ويتواجد فيها المدربون المحترفون , والافراد الجدد المطلوب ضخهم في العمل الارهابي .
وتحوي المقرات تلك على ساحات التدريب ولجان التحقيق والسجون , وتتواجد تلك المقرات اما في دول عدوة داعمة للعمل الارهابي , او في حواضن خارج سيطرة الدولة كما كان الوضع في الثرثار والفلوجة والصحراء الغربية .
=========
2-المثابات
=========
اما المثابات , فهي بالعموم نقاط تسليم واستلام وتبادل , وتمتاز بحيويتها حيث لايكون لها توصيف محدد , ولايشترط فيها ان تكون بعيدة عن سيطرة الدولة , فقد تكون مكاناً سريا , او مثابة عقائدية كالمساجد التي تجذب العناصر لطريق التشدد والارهاب , او ان تكون لوجستية (كأماكن تسليم واستلام السلاح او الماء او الوقود او الغذاء ).
وفي اغلب الاحيات تكون المثابات في المحيط الجغرافي للمقرات الامنة , ولكن قد تكون احياناً بعيدة عنها , وقد يكون التسليم والاستلام في المثابات مباشراً او غير مباشر , فلايشترط بمن يسلم البريد او السلاح او المواد الاخرى ان يلتقي بالمستلم , فاحيانا يتطلب الامر ان لايكشف التنظيم الشخص المسلِّم فيجعله يضع الرزمة في مكان محدد كأن يكون شجرة او حفرة او تحت صخرة ثم يتوارى ليأتي المستلم للرزمة ويستلمها وغالباً لايعرف مافيها وقد لايكون ضمن التنظيم (كما في تسليم البيانات الارهابية للقنوات الفضائية)ويمضي ضمن ترتيب زمني وامني ) , وفي احيان اخرى يحدث العكس , اي يكون الشخص المسلِّم شخصاً عادياً , لايجوز له ان يعرف المستلم (ففي بعض الاحيان يتفق التنظيم الارهابي عبر وسطاء مع (مسوكجي) يجهز الارهابيين بالخضار او اللحوم او الوقود وغيرها اسبوعياً , ويضعها في مكان محدد كأن يكون حفرة في منطقة نائية ويتركها ويذهب , ليأتي بعدها الارهابيون فيستلمون التجهيزات .
وكما قلنا فان المثابة قد تكون مطعم محدد للقاءآت عابرة او يكون مسجد او مزار وأغلب بيوت سكن عناصر التنظيم وغيرها . ======
3-الاوكار
======
اما الوكر , فهو شبه المقر الامن ولكنه يكون في وسط ارض العدو , او بالقرب منه , اي انه مقر متقدم سري للغاية , ولكن لاينفذ الارهابيون عمليات ارهابية بالقرب منه , كأن يكون في العاصمة بغداد في العامرية , ويتم اختيار الوكر بعناية فائقة بحيث يكون في منطقة يستطيع ان يختلط بها .
وغالباً مايؤجر الارهابيون بيوتاً مطلّة على الوكر ليتم من خلالها مراقبة متقدمة لاي استهداف للوكر, ويكون شكل الوكر بريئاً , وقد يتم اسكان عائلة موالية فيه لتبدو الحياة فيه اعتيادية لاتثير الشبهة .
ويجري في الوكر التخطيط للعمليات الارهابية ضمن نطاق المحافظة , وتفخيخ السيارات وتحضير العبوات , واسكان الارهابي الانتحاري بشكل مؤقت ريثما يتم نقله قرب مكان العملية الارهابية .
وبالعموم فان من الصعب بمكان كشف الوكر الارهابي بسبب طبيعة المنطقة .كثيراً ماتكون غير متعاونة مع الاجهزة الامنية والاستخبارية , ولشدة الرقابة المضادة الحامية له , بسبب احتواءه على رؤوس ارهابية خطيرة ووثائق مهمة , ولايتم اطلاع افراد التنظيم الارهابي عليه الا للضرورات القصوى كالانتحاري , او القياديين , ويحوي الوكر على خزين من السلاح والغذاء والادوية وادوات الاسعاف ( في احد الايام ادى تسوق احد الارهابيين لكمية ملفتة من الضمادات من صيدلية في العامرية , وتبليغ الصيدلي لاحد اقرباءه في اجهزة الاستخبارات , ادى الى كشف وكر ارهابي خطير في المنطقة) . ========
4-المخابيء
========
المخبأ هو وكر متقدم للغاية يتم تأجيره بشكل مؤقت لانجاز مهمة ارهابية او سلسلة مهام ارهابية ضمن حدود جغرافية وسط المناطق التي تقع تحت السيطرة الحكومية الكاملة , وهي مناطق تكون معادية للارهابيين ومستعدة للتعاون والتبليغ عنهم , بل ان عمليات المخبأ تكون موجهة ضد اهالي المنطقة ذاتها .
اي ان المخبأ هو اكثر موقع متقدم للارهابيين وسط البيئة المعادية لهم , لذا فان الارهابيين كثيرا ما يعطونه بالخسائر , ولايترددون عليه كثيراً , حيث يتواجدون فقط لوضع لمسات التنفيذ الاخيرة , واذا نقل له الانتحاري فهذا يعني ان العملية الارهابية ستتم خلال ايام او ساعات .
ولايحوي المخبأ على وثائق دالّة , وانما يتم فيه تخزين السلاح والعتاد للعملية المرتقبة , ومنه تنطلق العجلة المفخخة لتوضع في طرف الشارع او وسط السوق في المنطقة ذاتها , ويعتبر نقطة الانطلاق الاخير للارهابيين , وفي بعض الاحيان قد يلجأ اليه الارهابيون اذا لم يستطيعوا الافلات من المنطقة اثر العملية , وغالباً مايتم تفخيخ المخبأ وتفجيره في لحظات اليأس من النجاة , وبالعموم , فان المخبأ هو الاقرب الى الانكشاف , وكثيراً ماتواجدت المخابيء تلك في مناطق الكرادة او مدينة الصدر وقرب الاسواق في المحافظات الجنوبية . ============
ملاحظات جوهرية
============
كما لاحظنا فإن معرفة الفوارق بين اماكن التواجد الاربعة كفيل بايجاد المعالجات المقلقة للارهابيين , ونحن هنا نتحدث عن كل اشكال الارهاب وامكاناته فسواء كانت له ارض ممسك بها (كالموصل) او كانت له حواضن , لان فهم طبيعة مخابيء الارهابيين تتيح للدوائر الامنية والاستخبارية ان تكشفها وتعالجها
فالمقر الامن (المعسكر ) يحتاج الى اماكن شاسعة وغالباً مايكون بعيداً عن الطرق العامة , وعادة مايكون في الصحراء أو الغابات وبعيدا عن المدن ,وفي الغالب يتم اختيار 3 أو 4 مواقع ضمن المنطقة وتعتبر هي المقرات الأمينة رقم 1 و 2 و 3 ...
يتم التنقل منها كل 3 ايام او اسبوع , حسب الوضع الأمني والمنطقة المحيطة
ولكن هذا الوضع فيه نقاط ضعف تفيد في المعالجة , منها ان بالامكان تصويره ومعالجته من الجو وبالمدفعية والصواريخ الذكية , كما ان من ابرز مشاكل هذه المقرات الآمنة هو الصراع مع الطبيعة والطقس و مشاكل لوجستية, كتوفير الماء والغذاء والبنزين
وغالبا ما يتم العثور على هذه المقرات وكشفها استخبارياً من خلال حجم التسوق في علوات الخضار أو كمية البنزين المشتراة من قبل الفلاحين أو خزانات المياة التي تذهب إلى المنطقة, ومنها يتم كشف بعض المثابات التي تمثل احياناً الداعم اللوجستي للمقرات .
اما الاوكار فهي برغم سريتها , الا ان الاعترافات كانت ناجعة لحدما في الكشف على جوانب منها
وكما نرى في الواقع , فان الارهابيين في الدول المتقدمة امنياً لايستطيعون ان يوجدوا لهم مقرات امنة ويستعيضون عنها بالاوكار والمثابات والمخابيء .
اما في العراق , وللأسف طوال أكثر من 12 عام استطاع الإرهاب وعصابات الجريمة المنظمة الحصول على اوكار وفي كل مكان ,حتى ضمن الدوائر الحكومية والتشكيلات الأمنية!!!!.
ففي عام 2004 ,كشف وكر في إحدى مواقع الشرطة ,وأخر في مقر أفواج حماية النفط , وحتى وصل الحال إلى مكاتب نواب رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ومقرات في الوزارات , بل وحتى في بعض معسكرات الجيش.
واستطاع الارهابيون ان يوجدوا مثابات تنظيمية في سجن بوكا وباقي سجون العراق, وفي مكاتب شركات وكراجات وأقسام داخلية ومدارس وخيام المتظاهرين والبساتين والمقاهي والفنادق لذا فان تنوع مثابات ومخابيء واوكار الارهابيين كان فريداً من نوعه في العراق بما لم يحصل في العالم كله. ===================
خمسة خطوات واربعة مخابيء
===================
كما ذكرنا سابقاً في عدة مقالات وفي احد كتبنا (الامن المفقود), فإن الارهاب , او اي عمل عسكري عصابي , يمر بخمسة مراحل متتالية هي , الفكرة , والتنظيم , والاعداد , والتخطيط , والتنفيذ .
فالفكرة للارهابي غالباً ماتأتي من مسجد يقوم عليه متطرفون يلتقطون العناصر القلقة ويغذونها بفكرهم , ومن هنا يمكن ان تعد هذه المرحلة والمسجد ك(مثابة) فكرية , وحين تتم التهيئة النفسية والضخ الفكري الاولي ينتقل الارهابي الى مرحلة التنظيم , فيرسل الى معسكرات التدريب , اي ان مرحلة التنظيم تقابل (المقر الآمن), حيث ينال الارهابي جرعات فكرية وتنظيمية وعسكرية مركزة ضمن مرحلة الاعداد ليكون جندياً او انتحارياً, ثم ينتقل الى مرحلة التخطيط , وحينها يكون ارتباطه ب(الوكر) لتحديد مهامه بدقة , ثم ينتقل الى المرحلة الاخيرة وهي مرحلة التنفيذ بعقل مغيب تكفيري , لينقل الى المخبأ فيفجر نفسه ليقابل حور عينه !!!.وكما قلنا سابقاً , فان معيار نجاح الاجهزة الامنية يقاس حين تخترق الارهابيين وتكافحهم عند المرحلة الاولى (مرحلة الفكرة) برصد الاماكن المتشددة واختراقها استخباريا وكشف خطوط التجنيد المباشر وغير المباشر , اي باختراق مثابات العدو الفكرية , ومن ثم اختراق معسكراته الامنة حيث قادة الارهاب وخيوط الدعم اللوجستي , ليتم اثر ذلك اختراق الاوكار ومعرفة الخطط للعمليات المناطقية او المشتركة بالتوقيت , وحينها تسهل عمليات احباط سياراتهم المفخخة واعمالهم الارهابية , اما الامساك بالعجلة المفخخة بعد عبورها كافة المراحل المهيئة , فهو فشل وليس كسب استخباري .
========
معالجات
========
مما لاشك فيه فان العلاج بالختراق الاستخباري هو الاساس في كشف اوكار ومخابيء العدو , كما ان تعاون المواطنين وكسب ثقتهم هو الاساس في مكافحة العدو المتغلغل, ولكن هنالك بعض العلاجات المهمة الكفيلة بعرقلة جهود الارهابيين في الحصول على موطيء قدم منها : 1.القيام بتشريعات مشددة في قوانين الإيجار والملكية , 2. نشر المخبرين في مكاتب العقارات, 3 . اعتماد الأمن الاحترازي والتفتيش المفاجئ على المنازل والبساتين والقرى المنعزلة والحدودية, 4 . نصب السيطرات المفاجئة في الضواحي والقرى وتسيير الدوريات فيها و نشر شبكة المخبرين في القرى والإرياف الحاضنة, 5. مراقبة العيادات والصيدليات , 6 . تفتيش الأحياء الصناعية والورش , 7. ايجاد شبكة مخبرين في علاوي بيع الخضار ومحطات الوقود لمراقبة الطلبيات الخارجة عن السياق او الطلبيات المنتظمة , 8. الطيران الاستطلاعي المستمر 9. كسب رعاة الأغنام,10.تفعيل رقم هاتف طوارئ للأخبار وتثقيف الناس للاتصال به 11.نشر صور ومشخصات المطلوبين أمنيا في جميع شبكات الإعلام. 12.تفعيل دور المختارين
=======
خلاصة
=======
للمخابيء دور فعال في العمل الارهابي , وان شل قدرتهم استخباريا من ان تكون لهم اوكار او مخابيء في البيئة التي يستهدفونها , تعني ارباك خططهم في النيل من المدنيين او من المراكز التجارية , ولابد من تنشيط الاجهزة الاستخبارية لاختراق الارهابيين وتنظيماتهم كأفضل اسلوب للكشف عن مخططاتهم.والله من وراء القصد.
مقالات اخرى للكاتب