مدخل
========
استكمالاً لما نراه من ضوابط تعزز امننا , تبرز هنا قضية الاعلام الداعم لقضيتنا ولمظلومية شعبنا كسند يحشد كافة القوى والمنظمات والدول الى جانب العراق وشعبه , ويحيّد (على اقل تقدير) دولاً تسعى ليكون لها موطيء قدم في العراق , فحين تجد دولة ما ان هنالك فضح هائل لجرائم بحق شعب من الشعوب , فانها تسعى بالحد الادنى الى ان لاتكون لها يد في تلك الجرائم خشية افتضاحها وافتضاح دورها الشائن , وهو اضعف الايمان .
وسنتناول هنا كيف اهملنا الاهتمام بطرح مظلومية شعبنا امام العالم ووقفنا مكتوفي الايدي امام اعلام خارجي يشوه الضحايا ويساند الذباحين, بل وكيف ساهم بعض من اعلامنا العراقي في تشويه قضيتنا .
============
حين يكتوون بنارنا
============
يتذكر العراقيون الموقف الاردني المهادن والصامت لما كان يحدث من فضائع تجاه العراقيين على يد عصابات مواطنها الزرقاوي قائد القاعدة في العراق , وكيف كانت الزرقاء تتفاخر علناً بانتماء بطلها اليها , وكيف كانت مجالس الفاتحة تقام على ارواح الارهابيين الذين يفجرون جثثهم العفنة في وسط المدنيين العراقيين وفق تفصيل طائفي بغيض , زادته الاردن حين كانت تدقق في جوازات العراقي في مطاراتها وتتناوشه باسئلة مستفزة عن ماهية انتماءه المذهبي , دون ان تدقق في جوازات الارهابية الريشاوي وزوجها من قاطني حواضن الارهاب في العراق , وماإن هاجما سويّاً عرساً في احد فنادق عمّان بالاحزمة الناسفة , حتى جن جنون الاردن , ولم تمض اسابيع الا وارسلت المخابرات الاردنية معلومات موثقة للقوات الامريكية تعلمها بمخبأ الزرقاوي ليتم القضاء عليه بغارة جوية مزقته ,هكذا تعاونت الاردن بكل بساطة حين وصلت النيران الى بلادها .
لم تقتصر هذه الازدواجية في التعامل مع الارهاب في العراق على الاردن , لكنها تكاد تنطبق على مجمل الدول العربية الموصوفة بالشقيقة , ولايُفهم من ذلك اننا نطالب بمساندة عربية او عالمية مطلقة , فنحن نفهم ان العلاقات بين الدول مبنية على المصالح اولاً , لكننا لم نستطع ان نجبر العالم على الرضوخ للحد الادنى من المواقف الانسانية الداعمة لقيم العدالة ومناكفة الظلم , بسبب قصور عراقي داخلي ساهم في رسم صورة اعلامية مشوهة لم نستطع بها ان نسوق للعالم مظلوميتنا , وساهمت في تشويش الصورة دبلوماسية عراقية هزيلة خسرنا بها تحشيد العالم الى صفنا . ===============
فوضى الاعلام المسيس
===============
اثر موجة من الحرية المنفلتة في كل مجالات الحياة , تأسست مئات المنابر الاعلامية والعشرات من القنوات الاعلامية , بلا رقابة ولا وزارة اعلام , واقتصر الامر على الرقابة الذاتية , فكان ان عاش العراق انفلاتاً اعلامياً وتجييراً لخطابات فئوية وطائفية وقومية ساهمت في تقسيم العراقيين وفي تمزيق النسيج الاجتماعي في لحظة تاريخية تزامنت مع اشرس هجمة ارهابية في التاريخ على مقدرات العراقيين .
فكان ان اصبحت الصحف والقنوات , وجيش من الكتاب والمحللين والاعلاميين تحت رحمة المال السياسي والحزبي , فامست الاشكال الاعلامية واجهات لدكاكين احزاب (بل ودول ) واجندات تتباين في تناولها للاحداث اليومية الساخنة والمتلاحقة في العراق , وعمدت كل وسيلة اعلامية عراقية الى ان تضع ضوابط داخلية تعتمد على اصطلاحات تختص بها دون غيرها .
فصار الخطاب الاعلامي العراقي فوضى خبرية , مليئة بالاصطلاحات المبتكرة والمتضادة , فكان (الاحتلال الامريكي ) في وسيلة اعلامية , يعادل (قوات التحالف ) في وسيلة اخرى , وصار (الشهيد المدني ) في وسيلة اعلامية , هو المعادل الموضوعي ل(قتيل ) في وسيلة اخرى .
وادى التمزق الاعلامي الى انعدام تأثيره على المتلقي العراقي , فمابالك بالمتلقي العربي او المتلقي الدولي , ووصل الامر الى ان اي عراقي بات يستطيع (دون جهد) ان يميز دوافع واجندة وتبعية اية وسيلة اعلامية , اعتماداً على طبيعة تناولها لخبر يخص تفجير ارهابي في سوق شعبي , وهو امر كان يفترض ان لايختلف اثنان في كوكب الارض على بشاعته وادانته .
وبتنا نرى في خضم انهار الدماء التي تسيل على يد الارهابيين وداعميهم , نرى معارك حزبية مقيتة تتلهى بها وسائل اعلامية تتناطح فيما بينها بعيداً عن مأساة شعب يذبح كل يوم .
وزاد الاعلام الرسمي المتمثل بشبكة الاعلام العراقي , من قتامة وهزال الاعلام العراقي , حيث امتاز بالفساد المالي والاداري والتحزب , وممالئة الطبقة الحاكمة , وخضوعه لرغبات وسلطة الحكم .
وقد استغلت جهات خارجية تلك الفوضى الاعلامية , فبنت صروحاً اعلامية منظمة , حشدت لها امكانات دول داعمة , وراحت تبث اعلاماً مغايراً للواقع لكنه مسموعاً بحكم سعة الانتشار والحرفية العالية . ============
تحريف الحقائق
============
لقد ساهمت اجندات عربية واقليمية ودولية في قلب الحقائق لما يحدث في العراق , كل بحسب مصالحه ومنطلقاته , فكان وضع العراق الطائفي ينعكس اقليمياً ليصبح منتجاً لببروبغندا تصور العراق كمنطلق لنشر التشيع , واعتبار الحكم العراقي حكماً شيعيا يسعى لاضطهاد سنة العراق , فتم تحشيد الشعوب العربية للتباكي على ذبح سنة العراق , في وقت كانت القاعدة في العراق تذبح على العراقيين على الهوية , وكان ان تناخت حكومات لم تعرف في كل تاريخها اية انتخابات نيابية , واذا بها تطالبنا بانتخابات نزيهة , كما هو حال السعودية مثلاً .
وتم تحشيد وسائل اعلامية بامكانات هائلة مهمتها قلب الحقائق لما يحدث في العراق , فالنظام السوري عندما كان يدعم الارهاب ضد العراقيين كان الاعلام العربي يعتبروه بطلا , وماإن انتهى دوره وبدأ يعاني مما جنت يداه من دعم التنظيمات الارهابية , فاذا بالاعلام العربي ينقلب عليه ليصبح صفوياً كافراً .
ولم يقتصر الامر على الاعلام العربي , فقد تمت تهيئة قوى سياسية من قبل دول اقليمية ليتم ابرازها باعتبارها زعامات تقود سنة العراق , ومارست تلك القوى السياسية ذات النفاق السياسي فكان الاسد بنظرها بطلاً قومياً وملاذاً لهم ولعوائلهم ولايتام البعث , وفجأة اصبح باعلامهم الداخلي (المتناغم مع الاعلام العربي) الى مجرم ولابد من القضاء عليه وعلى نظامه .
======================
شيعة العراق استهداف مثلث الاركان
======================
لقد اصبح شيعة العراق ورقة اعلامية عربية ضمن صراع اقليمي على تقاسم النفوذ , ووصل الامر بالصاق كل شرور الدنيا بهم كمذهب ومواطنين وساسة .فكمواطنين كان هنالك اعلام عربي منظم لتشويه انتمائهم واعتبارهم فرس لاينتمون الى العروبة , وانهم يتبعون ايران ومشكوك بولائهم للعراق , ومن الطبيعي ان يخونوا العراق ويصفقوا للمحتل الامريكي .
وكمكون مذهبي , هم رافضة كفار , بل انهم مجوس , وانهم يكفرون الصحابة ويؤمنون بالخرافات , ويشوهون الاسلام ويؤمنون بالبدع التي لاتمت للاسلام بصلة .
وكساسة , هم عملاء للاجنبي يسعون الى بيع العراق لامريكا وايران واسرائيل !!!!ولايمكن ان يقودوا العراق , ومن الافضل مقاطعتهم كنظام سياسي .
وبهذا الثالوث الشيطاني , تم تصوير شيعة العراق اعلامياً , كوحوش ضارية وكفار خونة , يبيعون العراق في مزاد امريكي ايراني اسرائيلي , ولاحاجة هنا الى بيان مدى تغييب العقل العربي الذي تم تدجينه ليصدق تناقضات لاحد لها , فكمواطنين وعرب اقحاح وسنامهم , وكعشائر اصيلة , تم تناسي اصولها , بل ان فيهم كرد شيعة طالتهم الابادة الجماعية ولكنهم مع كل ذلك تشبثوا بالمواطنة دون مجيب او راحم .
وكمذهب جعفري ,كانوا يذبحون ليل نهار طيلة حكم البعث وطيلة موجة التفجيرات الارهابية , ورغم ذلك فان الاعلام العربي يصرخ (باحترافية) ليل نهار بالابادة التي تجري في العراق بحق السنة .
اما كساسة وحكم فنقول , برغم ان الديموقراطية تجعل الحكم للاغلبية الا ان الاحزاب الشيعية ونخبها السياسية قد آثرت الاحتكام للعقل والتنازل لطبيعة التنوع وتقاسمت السلطة مع السنة والاكراد , رغم اننا نسجل هنا اعترافاً صريحاً , هو ان تلك الاحزاب الشيعية قدمت نماذج سيئة للحكم في مجال الفساد المالي والاداري , لكن تلك النماذج قد اقتسمت سرقاتها مع كافة المكونات .بل لقد ولغ الساسة الذين يدعون زوراً تمثيلهم للسنة , في مستنقع الخيانة حين باتوا يقيمون مؤتمرات في دول الجوار لتقويض نظام الحكم , واستمروا بزياراتهم المكوكية العلنية للعربية السعودية وقطر ولسوريا(عندما كانوا يعتبرون الاخيرة قلعة العروبة ) ليعقدوا اجتماعات يطالبون بها بحقوق السنة المضاعة وبوقف ذبح سنة العراق .
ووصلت الوقاحة الى حد ان يدعو امام الحرم المكي في خطبة العيد بالنصر على الشيعة الكفار , وفي ذات الوقت تصرخ اعلى مرجعية للشيعة بان السنة انفسنا!!!!.
وزاد الطين بلّة هزال الاعلام العراقي الذي كان يلهو بلعبة التحزب والطائفية والتطرف والتغافل عن مصالح المواطنين , ويطبل للطبقة السياسية الفاسدة , كما كانت الدبلوماسية العراقية طيلة عقد من الزمان نائمة عن التحديات , وتتنقل من فشل لأخر , ولم تنجح في فك العزلة المفروضة عليها عربياً برغم تقديمها الدعم والتضامن العربي على طبق من ذهب , لكنها لم تسترجع حتى الاطباق. ===========
على طريق الحل
===========
علينا ان نقر هنا ان خيوط الحل ليست كلها بأيدينا , لان للمشكلة دوافع اقليمية تقف عليها مصالح ومافيات لاتريد للعراق استقراراً , ولكن مالايدرك كله لايترك جلّه , فلابد من ان نقوم بتفعيل الدبلوماسية العراقية وعدم اخضاع ادارتها للاهواء الحزبية , وان تتم التحركات الجدية تجاه الاتحاد الاوروبي والمنظومة الاسيوية والعربية , والتعامل الجاد بالمثل في كافة الاصعدة .
كما ان علينا ان نركز الجهود الحكومية لترجمه افلام اعترافات المجرمين وبجميع اللغات وتوزيعها على ممثليات الدول ومنظمات حقوق الإنسان بالتعاون مع وزارتي الدفاع والداخلية , التي يقع عليها عبء توثيق الجرائم ونشر بشاعتها من خلال الإعلام ومنظمات المجتمع المدني.
ان علينا ان نوجد اساليب مبتكرة
لطرح مظلومية العراقيين , فلابد من انشاء مجموعة ضغط حقوقية تتولى رفع دعاوى قضائية لاهالي ضحايا التفجيرات ضد دول المفجرين الارهابيين , ودعوة السفارات الاجنبية والعربية لمقابلة عوائل الضحايا ولابأس من الاطلاع على اعترافات مباشرة من عتاة الارهابيين الذين يقرون بمباهاة بقتل العراقيين على الهوية , ولابد من ان يكون هنالك ميثاق شرف حقيقي لوسائل الاعلام والاعلاميين في توحيد كلمتهم واصطلاحاتهم في قضايا الارهاب المنظم ورفع شعار حقوق الضحايا بموازاة حقوق الانسان , وتجنب سلاح الاكاذيب والمبالغات الضارة والعبارات المشتتة لوحدة العراقيين ,والارتقاء بكافة اشكال الفنون والاداب والابداعات التي تعبر عن مظلومية العراقيين وعن توحدهم ضد الارهاب .
كما ان علينا ان نسعى بجد للمطالبة باسترداد المجرمين الهاربين من العراق بأية تهم جنائية أو إرهاب أو فساد, ورفع دعاوى قضائية ضد الدول التي تأويهم.
ولكن الاهم من كل ذلك , ان نتوحد كعراقيين امام حرمة الدم العراقي , وان نعي في هذا المنعطف الخطير من تاريخ العراق , حرمة الدم العراقي فوق كل شيء , واذا لم نعي تلك الحرمة , فلانلومن الاخرين .. والله الموفق\
مقالات اخرى للكاتب