بعد قرار رئيس الحكومة الدكتور حيدر العبادي إقالة رئيس شبكة الإعلام العراقي السيد محمد عبد الجبار الشبوط ، اثارتني بعض التعليقات وردود الفعل بشأن هذا القرار فالسيد الشبوط الذي يدير الشبكة منذ ستة اعوام تقريباً لم يضع حداً للمشكلات الكبيرة التي تعاني منها هذه المؤسسة الكبيرة ، والذي جاء لحلها؛ فمنذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً على إعادة تشكيل المؤسسة الإعلامية الرسمية العراقية بعد سقوط نظام صدام وتأسيس شبكة الإعلام العراقي (مؤسسة الإعلام الرسمي) ، ورغم كل الجهود المبذولة من قبل الجميع للارتقاء في الأداء المهني للمؤسسة الإعلامية العراقية وبالتحديد المحطات التلفزيونية إلا أن الخطاب الإعلامي لها مازل دون مستوى الطموح، وهذا المستوى الضعيف مشخص من قبل الجميع بما فيها الحكومة العراقية ، التي تخصص سنوياً موازنة مالية ربما هي الأعلى لمثيلاتها في الشرق الأوسط والمنطقة العربية.
إذا لماذا هذا المستوى وأين يكمن الخلل في الأداء الإعلامي لشبكة الإعلام العراقي؟ . يمكن لنا تشخيص عدد من النقاط السلبية للخطاب الإعلامي والتي وقعت بهِ شبكة الإعلام خلال السنوات الماضية وهي:
1. محلية الخطاب الإعلامي:
المحلية والانغلاق على الذات رافق الخطاب الإعلامي في شبكة الإعلام حتى أنه أصبح مبالغ في عراقيته وأن الخطاب لم يتغير كثيراً عن الإعلام العراقي قبل سنة 2003، والملاحظ أن الإدارة العليا لشبكة الإعلام لا تتابع ما يجري في العالم بدقة وعمق ؛ حتى أن في الكثير من الأحيان هناك قضايا مهمة تحصل في العالم إلا أن النشرات في قنوات العراقية وجريدة الصباح والمحطات الإذاعية يتصدرها الشأن المحلي وخاصة المواضيع الرسمية ، رغم أن أغلب الأحداث الاقليمية والدولية لها أرتباط كبير في الشأن العراقي مثل الإعتداءات الإرهابية التي تقع في دول العالم ونمو خطر داعش، لذلك قد يتلقى الجمهور العراقي أخباراً عما يجري مثلاً: في سورية أو اليمن وليبيا وتركيا وغيرها من دون أن يفهم المغزى والدلالة ومن يحارب من ولمصلحة ، لذا فأن الجهور العراقي أصبح يتابع ما يجري في العالم من خلال الإعلام العربي أو الدولي.
2. مخاطبة الجمهور في الداخل وترك الخارج.
يستهدف الخطاب الإعلامي العراقي الرسمي الجمهور الداخلي، فيؤكد على مدار الساعة أن الحكومة ستضرب بيد من حديد الإرهاب وسيتم فرض القانون، وأعلان أرتفاع أنتاج وصادرات النفط ومزايا الاستثمار في العراق وحقوق الإنسان والحلول للمشاكل الخدمية، لكنه لا يقدم هذه القضايا وغيرها من القضايا للرأي العام الخارجي ، ربما السبب أنه لا يملك أدوات إعلامية قادرة على التواصل والتأثير في دوائر الرأي العام، وبرأيي هذه مشكلة حقيقية تحتاج إلى حلول سريعة لأن شبكة الإعلام تمتلك الموارد وهي بحاجة فقط إلى تنظيم وادارة حكيمة ، وهذا ما تسبب بعجز واضح عن إنتاج خطاب مقنع ومتماسك للجمهور الخارجي.
3. كثرة مواد الرأي على حساب الأخبار والمعلومات.
يقع القائمون على الأخبار في شبكة الإعلام بخطأ كبير وهو هيمنة الآراء والتعليقات على الخطاب الإعلامي، وبخاصة ما يبث في نشرات العراقية، فهناك خلط واضح بين الأخبار والرأي وهناك هيمنة للرأي على حساب المواد الإخبارية، مع ملاحظة أن كثيراً مما يبث كأخبار يتضمن آراءً ومواقف معلنة أو ضمنية.
4. الافتقار للتنوع الحقيقي في الآراء.
في شبكة الإعلام العراقي هناك مواد مختلفة للرأي سياسياً وأمنياً واقتصادياً وغيرها، وهذه القضايا فيها تعدد كبير من دون تنوع أو حوار حقيقي، فالكل يدور في رأي واحد وغياب حقيقي للرأي الأخر، ولا يسمح بالخروج عن رأي واحد ؛ مع العلم أن هناك قضايا كان ممكن لشبكة الإعلام العراقي أن تكون جزءً من الحل كالحرب على داعش الإرهابي، وعلاقات العراق مع بعض الدول المعادية للعملية السياسية، إضافة إلى تقييم الأداء العام للدولة العراقية خلال السنوات الماضية التي اعقبت سقوط نظام صدام.
5. الحاجة الى حوار العقل والمنطق.
للأسف ؛ لم تَمّنح أي مؤسسة إعلامية عراقية فرص كثيرة لظهور أدعياء الثقافة والمعرفة وطالبي الشهرة بالاستراتيجيات الأمنية والعسكرية وخبراء السياسية مثلما فعلت قناة العراقية، حيث يقدم هؤلاء كلام لا ينقطع من المعلومات غير الصحيحة واحياناً المضحكة، والآراء البسيطة والتي لا تسمن ولا تغني من جوع! التي تنم عن جهل أو ضيق أفق لدى الضيوف. والغريب أن هؤلاء الضعفاء يشاركهم بعض مقدمي البرامج الذين يطلقون أحكاماً عامة خاطئة تظلل وعي الجمهور تؤثر سلباً على المصالح العراقية.
6. اللامسؤولية في المدح والتأييد أو النقد.
أخيراً تعاني مؤسسة شبكة الإعلام العراقي من تركه وزارة الإعلام المنحلة وهي المبالغة في الخطاب الإعلامي العراقي عموماً في المدح والإشادة وإبراز الجوانب الايجابية في أداء الحكومة والرئاسة والبرلمان، وهذه المبالغة في المدح يقابلها مبالغة في النقد والذم وبرأيي فإن الحكومة غير مسؤولة إلى حدٍ بعيد عن تلك الظاهرة بل هي ثقافة موروثه إلا أن بعض الجهات الرسمية يروق لها هذا المدح والقدح لمعارضيها فتغض النظر عن ذلك .
الأخير، أرى أن علاج تلك المشكلات بحاجة إلى إرادة حقيقية من قبل العاملين في هذه المؤسسة الكبيرة ، ويتطلب تنظيماً للعاملين في شبكة الإعلام العراقي بشكل أكثر تطوراً وفاعلية وقوة، وهو بحاجة إلى إعادة تأهيل كامل وشامل مستمر لاغلب الإعلاميين وفق المعايير المهنية العالمية، وينبغي من الحكومة تغيير التشريعات الإعلامية وبيئة العمل الإعلامي. وكذلك المساعدة على ضمان حرية الصحفيين وعدم تدخل أجهزة الدولة فيها باعتبارها مؤسسة مستقلة، وكفالة حقوقهم في الحصول على المعلومات بحرية ويسر، واتمنى من رئيس الحكومة حيدر العبادي أن يضع الشخص المناسب في إدارة هذه المؤسسة التي لا تقل أهمية عن وزارتي الدفاع والداخلية لان الإعلام أصبح جزءً من سيادة البلدان.
مقالات اخرى للكاتب