كثرت هذه الأيام وسائل الترفيه الحديثة داخل وخارج البيت ، وأصبح كل فرد لايضيّع ثانية دون هيصة وميصة ، والهيصة والميصة كلمتان شعبيتان دارجتان ، وتعني الهيصة الوناسة والفرفشة بالطرق المتاحة في المجتمع المعاصر، أما الميصة فتعني النوم في سبات ، واللامبالاة لم يجري حولك !
في داخل البيت توجد كل وسائل الهيصة ، كالتلفاز الفضائي والكمبيوتر المحمول ، والجوالات الذكية ، والألعاب الإلكترونية ، وهي متوفرة بكل زاوية بالبيت ، لدى الأغنياء والفقراء سواء ، فتجدها حتى بالمطبخ ودورات المياه أعزكم الله ، وبكافة الأحجام والموديلات ، وأصبحت هم كل فرد بالعائلة ليمتلك آخر جهاز ينزل بالسوق .. أما خارج البيت ، فالهيصة كثيرة بحيث لايمكن حصرها ، ونختصرها بالسفر أولاً لرب الأسرة لوحده كي يأخذ راحته دون رقيب أو حسيب ، أو مع الأسرة ، ومن ثم الرحلات مجملة ، سواء فوق البر أو البحر ، كإقامة التجمعات بالواجهات البحرية ، وبالاستراحات الخاصة ، أو التخييم بالصحراء ، أو المشي والتسوق بالمجمعات التجارية .. ومن الطبيعي أن قلنا أينما وجدت هيصة وجد الطعام بشتى أنواعه .
نحن لا نعارض الهيصة أخي الإنسان المحترم ، ولا نضع كومة غبطة أمامك ، بل العكس ، عش حياتك وتمتع بكل لحظة بما يرضي الله ، سواء الرجل أو المرأة ، الصغير والكبير .. لكن رجاء وكل الرجاء ، أن تكون هيصة بدون ميصة ، وأن يكون الأمر مقنن بعض الشيء ، وان لا يترك الحبل على الغارب ، وتترك النافذة مفتوحة على مصراعيها دون مبالاة للرياح السامة والغبار الضار .. أنا لن أزيد فلسلفه ، ولن أصطحبك معي بدهاليز الهرج ، لكن سنتكلم بشفافية وصراحة ، ولا حياء بالدين ، والبساط أحمدي كما يقال
أذكركم ! بالأجهزة الإلكترونية ومخاطرها ، ففي الجانب الإيجابي نعترف إننا بعالم العولمة والقرية الصغيرة ، وإن للوسائل الإعلامية الحديثة ووسائل التواصل الإجتماعي منافع جمة نعرفها كلنا ، لكن وددت أن نسلط الضوء على بعض سلبياتها ، وسأتكلم دون حرج .
عيونكم الجميلة تحتاج تسليط الضوء على أولادكم بزوبعة وسائل التواصل الإجتماعي الحديثة، وبكل أنواعها ، فربما يقول البعض أني أسكب الماء بقربة مثقوبة ، أو يقول بعضهم وصلت بالسلم بعد أن سقطت الشجرة ، وأننا لانستطيع أن نوقف أو نمنع أبنائنا من الإنغماس بالعالم الحديث ، لكن على الأقل نكون بالصورة معهم ، ونعرف نوعاً ما مع من يتكلمون ويتناقشون ويلعبون.
تخيلوا أحدهم وجد أبنه ذو الثمانية أعوام فقط يلعب حرب إلكترونية بالأسلحة مع شاب عمره خمسة وعشرين عاماً ، وتوجد دردشة بينهم بعد كل لعبة ، وبعض الأطفال وبحسن نية ، يضع أسمه الحقيقي وأسم عائلته ، وبطريقة ما أقنع شاب غوغائي فاسد الطفل أن يلتقط بعض الصور لأخواته ، وأن يضعها بالجهاز مقابل تحويل مبالغ من المال وأطنان من الذهب " باللعبة طبعاً " لرصيد الطفل ، كي يتباهى أمام باقي الأعضاء فتم ذلك ، لكن مع الأسف أكتشف الأب ماحدث بعد أن تحولت صور العائلة ، وخاصة صور الفتيات ، وبعضهن بكامل زينتهن حصل عليها من أجهزة الجوال ، وكل مرة يحول له الصور ، يتم مكافئته بتحويل الذهب والأرصدة لحساب الفتى ، وقصة أخرى حدثت مؤخراً ، وهي أن فتاة تلقت وصلات بالنت عن طريق التويتر ، وهي لأفلام وصور جنسية بكل ما تتخيل عروض إباحية ولا أخلاقية ، والكثير من القصص المريبة والمرعبة حدثت لكن دون أن يعلن عنها .
أخي الأب وأختي الأم ، لو أتعبنا أنفسنا قليلاً ، ولو لدقائق ، وجلسنا مع أبنائنا ، وسألناهم عن اللعبة ، وكأننا نلعب معهم ، وأن نتعرف من هم الأعضاء باللعبة ، أو من هم أصدقائك بالإنستجرام ، أو من معك بالفيس بوك أو التويتر.. والكثير من البرامج الجاسوسية على أعراضنا وبيوتنا دون علمنا ، فنحن لن نخسر شيئاً أن كنا معهم بالدائرة ، بل سنخسر الكثير لو أهملناهم وأدخلنا أنفسنا بعالم الهيصة المقيتة ، ولعلنا نفعل الكثير قبل انحراف أحدهم أو ضياعه بوجود خط عودة ، أو هروب إحداهن مع شاب يحتويها بالحب والحنان ، كما فعلت عدة فتيات بعد قصة حب نسخت من المسلسلات الفضائية دون ذكر قنواتها وهي معروفة .
أبنائنا قرة عيوننا وفلذات أكبادنا ، ويحتاجون نباهة ووعي منا أكثر من حاجتهم للأكل والملبس ، مع نظرة من عيوننا الجميلة كي تراهم وتكون معهم ، مع وجه بشوش تغلب عليه الابتسامة ، وخاصة مع المراهقين .. فتركهم لوحدهم داخل غرفهم بالبيت لوقت طويل تحت الأجهزة الحديثة " الهيصة " يثير الشبهة بأسم المذاكرة ومراجعة الدروس ، ويفتح لهم دهاليز الشيطان وخطواته .
أحبتي ، وبعد قراءة المقال ، هل سندخل عالم الميصة بدم بارد وبدون مبالاة ؟ وهل سنهجر أولادنا بهستيريا الهيصة الخطيرة لوحدهم ، ولا نعرف متى يقع الفأس على الرأس ، أو نقرر إبعاد الفأس من الأساس ونرتاح ، و يا دار ما دخلك شر .
مقالات اخرى للكاتب