غريبٌ أن ينصبَّ اهتمام الجهات العليا على المتخمين من برلمانين ووزراء وقادة أمنيين وغيرهم وتترك الجياع والفقراء بالعراء ، فبأي معيار ( إنساني أو إسلامي ) يحكمون ؟!! يقول الخبر : باشرت أمانة بغداد بتوزيع أراضي المتنزهات العامة على القادة الأمنيين بأمر من جهات عليا لم تسمها. وحسب وكالة نينا فان الأوامر صدرت إلى أمانة بغداد بتوزيع أراضي المتنزه الواقع في حي المستنصرية محلة 504 زقاق 20 المجاور لمدرسة بهراء الابتدائية ومساحته حوالي خمسة دونمات إلى /19/ من القادة الأمنيين والأصدقاء من المدنيين. ومن بين القادة الأمنيين الذين تم شمولهم بهذه المكرمة التي توازي قيمة كل منها /750/ ألف دولار من أموال الشعب وزير الدفاع وكالة سعدون الدليمي والمستشار الإعلامي لوزارة الدفاع الفريق الركن محمد العسكري والفريق أول الركن عبود كنبر وآخرون من القادة الأمنيين والأصدقاء من المدنيين.ولم تتضمن الأوامر التي صدرت من جهات عليا الأسباب وراء هذه المكرمة إن كانت تتعلق بما آلت إليه الامور في محافظتي نينوى وصلاح الدين وسيطرة داعش على المحافظتين بلا قتال. انتهى .
من المرتكزات الدينية والأخلاقية والوطنية وحتى السياسية هو الإنصاف , والذي هو العنوان العريض واللافتة الكبيرة في المجتمع , فبالإنصاف يعم الوئام وبالإنصاف يسود الاطمئنان وبه يصبح المجتمع يرفل بحلل السعادة والأمان والضمان , وإننا أحوج ما نكون إلى الإنصاف حيث تزايدت المظالم وتصاعد عدد المظلومين .
أقول : لا يخفى على احد بان النقد الموضوعي الهادف يصحح المسيرة ويغني المواقف ويثري الحكومات , خاصة إذا كان النقد منطلقا من أمانة وحرص على إنجاح العمل الحكومي والذي هو مدار الموضوع . أقولها بصراحة : أن الواجب يفرض وبإلحاح أن نجلد أنفسنا , ونعري ذواتنا , ونلقي بكل الأوراق على طاولة الحقائق , ولا نختفي تحت مظلات التستر والتكاسل والمحسوبية والمنسوبية وشراء الخواطر , فالواجب يستدعي المكاشفة والمصارحة .
لاشك بان الهبة أو الهدية هي سلوك أخلاقي ينم عن تقدير أو مكافأة لموقف أخلاقي أو اجتماعي أو سياسي أو ديني أو ثقافي , وان هذه الهدية أو العطية لا غبار عليها إن كانت منطلقة من نوازع وأغراض تتسم بالنقاء والترفع , ولا تنطوي على مقاصد أو انتزاع المعاضدة والمساندة لموقف ما , وان هذه الظاهرة بمفهومها الاجتماعي والواقعي معتمدة من قطاعات كبيرة في المجتمع , وإنها أذا كانت مجردة وطبيعية ومنبعثة من تعاطف وتقييم نابع من سلوك رفيع معزز بالتقييم والأصالة فإنها تظل بدائرة الخلق الكريم والسلوك السليم , ولكن الذي نراه ونشاهده ونلمسه بان هذا السلوك قد فقد عنوانه المثالي حيث أن الهدايا والعطايا التي تمارسها الجهات العليا هي في البدء تمنح لبعض الأشخاص الذين لا يمتلكون رصيدا أخلاقيا أو اجتماعيا أو سياسيا أو ثقافيا , إنما يمتلكون عناوين أكثرها وهمية أو متوارثة من الإباء والأجداد والأحزاب والمحاصصة المقيتة , وإنهم بهذه العناوين يخدعون الآخرين الذين يعتقدون بأنهم يمتلكون حضورا متميزا وتأثيرا فعالا على المواطنين , لذا راح البعض من المتنفذيين – الجهات العليا - يغدقون عليهم بلا حدود من أموال الشعب المنكود متصورين بأنهم يمتلكون نصيبا كبيرا من التأثيرات الايجابية وإنهم بهذا التصور في ضلال مبين ,وفي ضياع مريع , وفي مهزلة متواصلة , وفي مسرحية ذات فصول إذا منتهى فصل أتى بعده فصل .
إن أي هدية يجب أن تعطى لمن وقف موقفا وطنيا خلاقا , أو ساهم مساهمة اجتماعية بناءة , أو أنتج إبداعا ثقافيا مرموقا , أو ترك بصمة واضحة على مسار ما , أو اضطلع بمهمة سامية ذات مردودات عصماء , أو انه أسدى معروفا وجميلا للكثير من المعوزين والمحتاجين والمهمشين . إن أكثر الهبات التي تمنح من الواهبين تدور في دائرة شراء الذمم , وتسخير الموهوبين لمصالح ذاتية وأنانية , وإنهم يمارسون هذا الخداع لمصالح مفضوحة , ولغايات مكشوفة, وإلا فما معنى توزيع الجهات العليا أراضي المتنزهات العامة على القادة الأمنيين ..؟؟ , علما بأن بعضهم يفتقر إلى أدنى المستلزمات المطلوبة التي تؤهله لهذه الهبة أو الهدية , وبالمناسبة إن هذه الأراضي هي منتزهات وحدائق انوجدت لأبناء وعوائل المحلة يقضون بعض أوقات فراغهم فيها ..! ومن المؤلم والمفجع أن اغلب المواطنين يعانون شتى صنوف العوز والحرمان والعذاب والتصفية الجسدية المريرة , فمنهم من يخر صريعا ( شهيدا ) في الشوارع برصاص الغدر أو من جراء التفجيرات الإجرامية , وهناك من الصحفيين من يفترش بساط المرض متخثرا في بيته ولا يمتلك ما يسد نفقات المراجعات والأدوية المطلوبة , وهناك من المثقفين من يعاني بمرارة شظف العيش المرير , وان الأغلبية منا مثقلون بالهموم والمتاعب والمنغصات ونسكن بالإيجارات حيث لا دار ولا ارض من ارض العراق الممتدة , فلا من سائل يسال عنا , ولا من مسؤول يتفقدنا ويمنحنا مأوى , ولا من معين يعيننا , ومعاناتنا هذه لا تتعدى كونها جناية بحق كل من يستحق العناية والإنقاذ والاهتمام .
عندي الكثير من الأسماء المنهوكة صحيا واقتصاديا ولكنها تترفع وتتسامى عن منحدر التشكي الذليل والبكائية وألتمسكن , لأنها تعتز بكرامتها وسمعتها التي لا تبيعها في سوق الاستجداء . سكت وصدري فيه تغلي مراجل...........
مقالات اخرى للكاتب