نحن الشعوب العراقية غير الواحدة من الأطياف ، والمكونات ، والأعراق ، والقوميات ، والأثنيات ، والأديان ، والمذاهب . والملل ، والنحل . نعترف أننا فقدنا الثقة بكل شيء ، وأننا فشلنا في فكرة العيش المشترك ، والثوابت المشتركة ، التي لم يبق منها ولا ثابت على الأرض ، إلا القمع .
نحن السلالات الباقية من ذرية حمورابي ، وانكيدو ، وجلجامش ، وسرجون ، وسنحاريب ، وآشور بانيبال . من الجناة والمجنى عليهم . نعترف أن الوطن الواحد ممنوع ، والحلم الوطني ممنوع ، وأن الحضارة أكذوبة ، والتاريخ دجال .
نعرف أن مذاق الشعوب مرّ ، لكن حكامنا يأكلون من هذه المرارة . ونعرف أن خداع الشعوب شديد ، وفي كل مرة تخدعنا الأماني والوعود . حكومات قامت على الخداع ، خداعنا نحن ، فلم نصنع شيئاً إلا العويل . كلما تخلصنا من حاكم ظالم ، جاءنا حاكم أشد ظلماً . نكتفي بأضعف الإيمان . نريد تغيير المنكر بالصمت . وننتظر حتى يطلق الله لنا لساناً ، ويأذن لنا بالكلام .
نصنع الطاغية ، والديكتاتور ، والحاكم الفرد حدّ العشق . إذا خفق له قلب خفقت له قلوبنا . شقاؤنا رهين بغضبه ، وسعادتنا من سعادته . نذود عنه بالأنفس ونفديه بالدم ، وعندما ينزل عن الحكم ، فإننا نهدم أمة . بطل الأمس خائن اليوم .
نحن شعوب المنجزات التاريخية والأبطال التاريخيين . مولعون بمرض الحنين إلى الماضي . نفطر من كتب التاريخ ، ونتغدى على كتب التاريخ ، ونتعشى في كتب التاريخ . نشرب الوحل والطين والماء الآسن ، وندعي أننا نشرب الماء صفواً . نطالب بحرية الرأي ، لكننا نتحسّس الخنجر كلما سمعنا الرأي الآخر . إذا اختلفت مع رأيي فأنت خائن . تقتلني أو أقتلك . متعتنا الكبرى أن نشتم بعضنا ، وننصب لبعضنا المشانق الكلامية ، ونقطع الألسن بالمدفعية الثقيلة .
نحن الأمم العراقية غير المتحدة من الأمصار ، والأقاليم ، والولايات . مزقتنا خطوط الطول والعرض . فرقتنا الشاشات والصحون اللاقطة . ذبحتنا المغامرات المجنونة من الوريد إلى الوريد . قتلتنا الثورات البائسة . أرهقتنا السياسات الطائشة . أنهكتنا قواعد اللعبة . ظلمتنا الجغرافيا . ابتلعنا الفساد والفاسدون . بلادنا جائرة وحكامنا ظالمون .
حظنا عاثر . أوطاننا قاسية . نفتش عن خبر مبهج فلا نجد . قدرنا أن نبكي على الجثث المتفحمة ، ونختنق بالأشلاء المشوية . أصبحنا بفضل الانتصارات الظافرة شعوباً من النازحين واللاجئين والتائهين في القرن الواحد والعشرين . لا نأمن على ما بقي من نفوسنا ورؤوسنا . لا تبتسم لنا السماء ، ولا تشفق علينا الأرض . لا يستقرّ لنا نهار ، ولا يهجع لنا ليل . نسير على غير هدى في ليل حالك السواد . نسلك الطرق الملتوية ، ونلتمس الحلول العرجاء . أعزّ أمانينا أن نعود إلى بيوتنا التي تركناها للذئاب الجريحة . لا نطمع أكثر من هذا . هل يطمع شعب حضاري أكثر من هذا ؟ نحن ركاب في سفينة فقدت قبطانها ، في بحر لجّي شديد العواصف ، ملتطم الموج ، تسير من غير هدى على طريق الهاوية . ونبحث عن خشبة صغيرة ، لعلها تنقذنا من الطوفان .
نحن الموقعين في أدناه . نعلن لا مناص من ساعة الخيار الأخير ، وجميع الخيارات أمامنا فادحة ، وباهظة ، وموجعة . الظلم ، والظالم ، والظلام .. ولا نافذة مفتوحة .