لم يكن عملاً عبثياً ولا نشاطاً كمالياً من جانب مجموعة من مناضلي حقوق الإنسان والمجتمع الدني الديمقراطي حين تنادوا لتأسيس منظمة مجتمع مدني تحت اسم "هيئة الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب في العراق" في العام 2004، إذ أدركت هذه النخبة من المناضلين إن السنوات القادمة سيشهد أتباع الديانات من غير المسلمين ظروفاً صعبة وقاسية، كما سيشهد العراق صراعاً بين الأحزاب السياسية الإسلامين السنية منها والشيعية، بالارتباط مع ما بدأت به الإدارة الأمريكية المحتلة للعراق بإقامة نظام سياسي طائفي ومحاصصة طائفية بالعراق وفتح حدود العراق كلها أمام قوى الإسلام السياسي الإرهابية للولوج إلى البلاد لتشديد الصراع والنزاع بين أبناء البلد الواحدة. وقد اتفقت المجموعة الآتية من النساء والرجال على العمل المشترك لمواجهة هذا الاحتمال والدفاع عن حق أتباع كل الديانات والمذاهب بالعراق بممارسة حقوقهم المشروع في تبني هذا الدين أو ذاك وفي حجرية العبادة وممارسة الشعائر والطقوس الدينية. السيدات نرمين عثمان، ميسون الدملوجي، زكية إسماعيل حقي، راهبة الخميسي، د. كاترين ميخائيل، والسادة د. أحمد برواري، أ. د. تيسر الآلوسي، جاسم المطير، جورج منصور، د. حسن حلبوص، ديندار شيخاني، د. رشيد الخيون، القاضي زهير كاظم عبود، أ. د. سيار الجميل، د. صادق البلادي، صبيح الحمداني (توفى) د. عقيل الناصري، علاء مهدي، د. غالب العاني، أ. د. كاظم حبيب، كامل زومايا، مثنى صلاح الدين محمود، مصطفى صالح كريم، موسى الخميسي ونجاح كيناية. ثم التحقت بهم عشرات الشخصيات العراقية الديمقراطية من أتباع الديانات والمذاهب بالعراق. وقد نشطت هذه الهيئة في عدة مجالات أساسية:
نشر برنامج الهيئة الذي تضمن أهدافها الأساسية والتي تنحصر في الدفاع عن حقوق أتباع الديانات والمذاهب ورفض التعرض أو الإساءة لهم أو التضييق عليهم ومنعهم من ممارسة عباداتهم، وليس من مهمة هذه الهيئة الدفاع الديانات ذاتها، فهذا حق مصون لكل دين ومذهب.
إصدار البيان التي تفضح الجرائم التي ترتكب بحق أتباع الديانات والمذاهب والتي تفاقمت بالعراق وقادت إلى موت مئات الآلاف من البشر من مختلف الديانات والمذاهب على أيدي قوى الإرهاب والمليشيات الطائفية، وأخيراً على ايدي عصابات داعش التي اجتاحت العراق من بوابة الموصل والفلوجة.
عقد الندوات والمؤتمرات التي تشرح أوضاع أتباع الديانات والمذاهب ومهمات الدفع عن حقوقهم المشروع وتعبئة القوى لهذا الغرض.
إصدار الكراسات التي تأخذ على عاتقها ذات المهمات.
المشاركة في الندوات والمؤتمرات الخاصة بمنظمات المجتمع المدني التي يطرح ممثلو الهيئة المشكلات التي تواجه أتباع الديانات والمذاهب بالعراق.
العمل على جمع التبرعات الممكنة وتوزيعها على المحتاجين من النازحين قدر الإمكان.
وقد تشرفت برئاسة الأمانة العام لهذه المنظمة منذ تأسيسها إلى أواخر العام 2012 حيث عقد المؤتمر الأول للهيئة بمدينة السليمانية بدعم من السيد رئيس الجمهورية العراقية حينذاك الأستاذ جلال الطالباني. وقد اعتذر ت عن الترشيح وتم انتخاب أمانة عامة جديدة وحصلت السيدة نرمين عثمان على أعلى الأصوات وتلاها الأستاذ نهاد القاضي، وقررت عدم ترشيح نفسها لرئاسة الهيئة بسبب أشغالها الكثيرة وتم ترشيح الزميل نهاد القاضي فانتخب بالإجماع لرئاسة الهيئة، وهو رئيس الأمانة العامة الحالي، وانتخبت معه مجموعة من الشخصيات المدنية المناضلة. ومنذ المؤتمر الأول نشطت الهيئة بشكل جيد، وخاصة مع النازحين بالداخل، وأصدرت الكثير من البيانات ونظمت أكثر من فعالية بالداخل والخارج بمناسبة مرور عام على اجتياح الموصل وما حصل فيه من إبادة جماعية بحق الإيزيديين والمسيحيين والشبك والتركمان، وكذلك بنات وأبناء الموصل الذي رفضوا التعاون مع عصابات داعش.
ولدي القناعة التامة بأن مهمة هذه الهيئة لم تنته مهماتها، بل ازداد وجودها ضرورة ونشاطها أهمية ومشاركتها في كل المؤتمرات والندوات التي تعقد في مجال حقوق الإنسان لطرح المشكلات التي يعاني منها اتباع الديانات والمذاهب بالعراق، كما حصل في مؤتمر برطلة دفاعاً عن المسيحيين وضد التغيير الديمغرافي مثلاً، أو في لقاءات برلين وكولون، ويفترض أن تساهم وتطرح مشكلات هذه الجماعات في مؤتمر المنتدى العراقي لحقوق الإنسان. وعلى عاتقنا جميعاً تقع مسؤولية تعبئة القوى لصالح تحرير النساء الإيزيديات الأسرى والمستعبدات من قبل عصابات داعش باسم الإسلام، وكذلك الأطفال الإيزيديين المختطفين، وأن نعمل من أجل الدفاع عن حقوق النازحين بالوطن والمهجرين قسراً، إضافة إلى مواجهة الأذى والإساءات التي بدأت تلحق بأبناء المناطق المحررة من عصابات داعش بذريعة تعاونهم مع داعش في ؛ين إنها مرفوضة، إذ أن هذه ليست من مهمات الحشد الشعبي، بل من مهمة القضاء العراقي لا غير في تتبع والتحقيق في التهم التي يمكن أن توجه لمن شارك في ارتكاب الجرائم بحق أبناء وبنات الشعب العراقي.
إن عقد أي مؤتمر لحقوق الإنسان يفترض أن تتمثل فيه هذه الهيئة وتطرح المشكلات الملموس التي يعاني منها أتباع الديانات والمذاهب في العراق، وهي ليست ذات طابع حقوق فحسب، بل وذات طابع اقتصادي واجتماعي ونفسي. إن أي محاولة لإبعاد هذه النقطة عن برامج عمل جمعيات حقوق الإنسان يؤثر سلباً على حقوق هذه الجماعات الدينية والمذهبية بالعراق. والأمانة العامة للهيئة تحضر الآن لعقد المؤتمر الثاني للهيئة خلال هذا العام، وهو موضوع الحلقة الثانية من هذا المقال.
مقالات اخرى للكاتب