لعل من ابرز مساوئ الوضع الحالي في العراق، الصراع الدائرة بين الساسة فيه. هذا الصراع الذي تجد فيه موطئ قدم ثابت لهذا الطرف الخارجي أو ذاك، وتزكم الانوف رائحة المصالح الشخصية والفئوية النتنة المنبعثة من كلمات وافعال اطراف النزاع فيه.
ويتخذ هذا الصراع أشكالاً شتى، فتارةً يكون بالألسن وتارة بالقلم وتارة بالكواتم والرشاشات والمفخخات.
والمواطن هو من يدفع الثمن في كل الاحوال، فهو من تُقطّع أوصال فكره بالأكاذيب وأوصال جسده أو أجساد أحبائه أو تكتم أنفاسهم بالكواتم والمفخخات. المواطن الذي ضاعت احلامه وسط هذه الفوضى أو كادت، وصار لا يرى بصيص ضوءٍ في آخر نفق الساسة الذي طالما صدعوا رؤوسنا بذكره. والتبست عليه الامور حتى ضاع وجه الحقيقة فصار مستحق المدح عنده مذموماً ومستحق الذم قبلة المادحين.
رحم الله الوائلي عميد المنبر الحسيني فكأنه يلخص هذا المعنى قائلاً:
ويدٌ تكبل وهي مما يفتدى ويدٌ تُقبلُ وهي مما يُقطعُ
للأسف الشديد بدل أن يتنافس الساسة عندنا على خدمة الوطن والمواطن بصدق ونية حسنة، ويكون الحوار والمصلحة العامة هي الفيصل في النزاعات بينهم. صار أغلبهم يبحث عن المصلحة الشخصية والفئوية ويهدم كل بناء لأجل ذلك. فالآخر عنده عدو يجب القضاء عليه بشتى الوسائل. مرة بنشر الاكاذيب والترويج للدعايات ومرة بلغة الرصاص والمفخخات. ولا شك عندي إن الأولى اخطر ، لأن الاكاذيب والدعايات ونسبة التهم دون وجه حق ودون دليل لا لشيء الا لأجل التشويه لتخلو الساحة لفلان وفلان أو لسيادة آراء ومفاهيم وأفكار معينة ونبذ ما عداها، هذه الامور تغتال الشخصية ويكاد المرء يقف أمامها حائراً ماذا يفعل؟ لأنها لا تلبث ان تسري سريان النار في الهشيم، وتتغذى من قلة الوعي وقلة التبين عند الناس قبل القبول والترويج (إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا).
أسلوب اغتيال الشخصية سواء لفرد أو لفئة شهدنا له امثلة كثيرة في العراق الجديد، مع الاسف. فكم من جهة أو شخص مذموم الان-في نظر البعض على الاقل- في حين إن اغلب ما يُقال عنه لو دققنا فيه لوجدناه أكاذيب روجت لها هذه الجهة أو تلك.
عندما اخترت اسم الشهيد محمد مصبح الوائلي نموذجاً لم أقصد الدفاع عنه رغم انه يستحق ذلك مني لأنه على الاقل ذهب الى جوار ربه، وكذلك لم أقصد الدفاع عن الجهة التي ينتمي لها سياسياً (حزب الفضيلة الإسلامي)، وإنما أردت أن أطرح نموذجاً من الواقع لاغتيال الشخصية الذي هو اشد من اغتيال الشخص، وأدعو لمنهج عقلائي انساني في إدارة المنافسة في الساحة السياسية العراقية تعود بالنفع على الجميع. ففي مثال الوائلي اتهم الرجل من جهات واطراف مختلفة بتهم شتى وتم الترويج لتلك التهم بطرق عجيبة، ولو صَدَقَ البعض منها لما شهدنا قتله في شارع من شوارع البصرة قبل يومين!!
لست في مقام الدفاع عن الرجل أو تزكيته، ولست ممن يمدح لأجل المدح أو يذم لأجل الذم، وإنما أقول كان الأولى بمن سمع هذه الاكاذيب وروج لها دون وعي أن لا يصدق بكل ما سمع وأن يحسب للتسقيط السياسي حسابه وأن يَزِن كل ما يسمع بميزان العقل لأن بعض ما قيل لا يصدقه حتى المجانين!!!
ذهب الرجل إلى جوار ربه ونسأل الله تعالى ان تكون هذه الخاتمة الطيبة كفارة له فأبن آدم خطاء. وأن تكون هذه النهاية دعوة للمراجعة-لا للشماتة- مراجعة اساليبنا في نزاعنا مع بعضنا البعض –السياسيين وغيرهم-فلا معنى لكيل التهم كيفما اتفق ولا معنى لتصديق كل كذبة كما لامعنى لسد آذاننا عن الحقائق. ولعله من الافضل-بل هو الافضل- أن لا يكون لنا موقف في بعض القضايا من أن يكون لنا فيها موقف خاطئ.
ودعوة للساسة من كل الفئات والجهات خلاصتها أن انظروا الى النهاية (الموت الذي لا نعلم متى يطرق أبوابنا) لتعلموا إن الامر لا يستحق العناء!!!
وأقول لهم اعلموا إنه لن يسلم أحد من محكمة التاريخ، اذا كان ظالماً، وكل حقيقة لا بد أن يأتي اليوم الذي تتكشف فيه بوضوح مهما حاول البعض اخفائها.
وأعلموا أيضاً إن محكمة السماء عادلة!! .
مقالات اخرى للكاتب