وسط ذهول البعض وتشفي آخرين ، ركل الفقيه المعمم تربة الصلاة بـ "مداسه " الاصفر ، وكانه الألماني فرانس بكنباور فقذف به وبها الى حيث لا تدركهما الابصار . ولم يكترث كثيرا لاحتجاجات ثارت هنا و تعالت منددة هناك بالفعل الاجرامي الشنيع الذي وتر اجواء مؤتمر الادباء المنعقد بالموصل قبل نحو خمسة عقود . اكثرهم تعقلا سأل مستنكرا : وسفه عليك شيخنه ، هاي شسويت ؟ هل من المعقول ان تفعل هكذا بالتراب الحسيني الطاهر ؟ رد عليه الشيخ متسائلا بكل روية … سيدي الكريم ، الا تزور كربلاء كل ليلة جمعة . هز رأسه بالايجاب . وهل تطير هناك بجناحين كجعفر الطيار ؟ أم انك تدوس بحذائك على التراب الحسيني الطاهر ؟ فبهت الذي سأل . فقيهنا المعمم هو الاخر كان قد ورث تقديس الاشياء من والده ، لكنه فتح ، بعد حين ، آفاق دماغه لسماحة القران ، ولم يشأ ان يقول : " إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون - القرآن الكريم" . ينسب للامام علي "عليه السلام" قوله المعجز : من تساوى يوماه فهو المغبون . وتنسب المقولة ايضا لاخيه و معلمه رسول الله "ص" وبصيغ مختلفة كلها تفضي الى معنى واحد . خطباؤنا الافاضل لا يجلدوننا الا بالخطب العصماء التي تتوافق مع اهوائهم فقط ، اما تلك التي تحذرهم قبل غيرهم من تساوي ايامهم ، فلا تجد ذكرا لها ، لا من قريب و لا من بعيد . والكثير منهم - الا من رُحم - يمضغون نفس الخطبة الحسينية منذ ان كانوا خطباء من الدرجة الثالثة الى ان ارتقت بهم الاعواد الى العتبة العليا في المنبر فصاروا لا يقبلون الا بمنبر في الامارات او لندن وبالدولار . البدء ، كالعادة ، بما تيسر من الآي القراني الكريم ، يقرا من ورقة مدسوسة بحنكة فائقة داخل راحة اليد ، ثم تفسيرها وفق مادرت على الخطيب معائشها فاذا محص بالبلاء لن تجد على المنبر او تحته ديانا . و الفتنة الكبرى لا يتحمل مسؤوليتها الخطيب وحده فهو " يريد ان يروى ويشبع من طوى كالآخرين - السياب " و هو لا يتقن تخصصا آخر سوى تجارة الكلام التي يدري بانها لن تبور ، فليس اسهل من ان يصبح خطيبا مفوها يجتر روايات حفظها جمهوره المتكرر في كل ليلة اكثر منه ( ودخولها سهل ، فواسع بابها … فاض ٍ ، وقائم سورها لا يستر ُ - د. مصطفى جمال الدين ) ، هذه الفتنة المتفاقمة يتحمل مسؤوليتها هذا الجمهور العريض الذي بات يخشى حتى من حسه النقدي تجنبا للوقوع في الاشكال الشرعي الذي يظن انه سيورطه بجريرة النصب على اهل البيت "ع" . ادعو مخلصا كل صاحب ضمير حي ينبض لدينه و مذهبه ان يخصص جزءا من وقته المهدور في التعزيات المكرورة ،الى قراءة كتاب " الملحمة الحسينية" للشهيد الايراني المفكر مرتضى مطهري "رحمه الله" . فالمؤلف هو الاخر خطيب و تشرف بارتقاء عتبات المنبر الحسيني لاكثر من ثلاثة عقود . لكن شتان بين من لا يجيد سوى تحويل القاسم ابن الامام الحسن "ع" الى مراهق يبحث عن عروس في ليلة العاشر من محرم ، وآخر امضى زهرة عمره في القراءة والتحقيق والبحث العلمي حتى لقي الله مضرجا بدمه الزكي . لست مشرعا لكني بت اشك في مشروعية ما يتقاضاه خطباء التضليل من اموال . وخير لهؤلاء ان يكونوا نوابا في البرلمان العراقي النزيه جدا !!! من ان يتورطوا بداهية الافتراء على السبط الشهيد كذبا لاستدرار دمعة مفتعلة عليه او على صحبه الكرام . فداء لمثواك من مضجع يا ابا عبد الله و السلام عليك وعلى ابيك في شهرك القاني الحزين وفي كل شهر.
مقالات اخرى للكاتب