أُطلِقَ البرنامج النووي الأيراني في خمسينات القرن العشرين بمساعدة الولايات المتحدة الاميركية كجزء من برنامج ( الذرة من اجل السلام ) حيث شاركت الولايات المتحدة والحكومات الاوربية الغربية في البرامج النووي الايراني , لحد قيام الثورة الايرانية عام 1979 أمر الخميني بحل ابحاث الاسلحة النووية السرية والتي كانت على مايبدو ترافق البرنامج النووي السلمي الايراني والظاهر أن نظام الشاه كان يعمل على ذلك بدون علم او بعلم الولايات المتحدة كونها الدولة الرئيسية راعية المشروع لا احد يعلم بذلك , والسبب المعلن الذي دعى الخميني أن يأمر بحل مركز ابحاث البرنامج السري للأسلحة النووية . كونه يتعارض كما يدعون مع الشريعة الاسلامية . لكن بعد قيام الحرب الايرانية العراقية عاد وأمر الخميني بالعمل بالبرنامج السري للأسلحة النووية وتشغيله ؛*1 ـ طيلة هذه الفترة لم تكن هناك مشاكل حقيقية ومهمة مع دول العالم أو دول المنطقة بهذا الخصوص حيث كان الكل يترقب بحذر وقلق ما ستؤول اليه الحرب بين ايران والعراق على المستوى الداخلي والخارجي وتداعياتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية ؛ لكن في عام 2003 سنة احتلال العراق من قبل اميركا وذيولها الـ 33 ، أنتقدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، مجلس محافظي ايران في تقريرلها خلصت فيه أن ايران على الارجح قد اجرت البحوث والتجارب الرامية الى تطوير قدرات ايران في مجال السلاح النووي قبل عام 2003 . بعد ذلك دخلت روسيا كلاعب رئيسي وقوي في تنمية وتطوير المشروع الايراني مزدوج الاغراض ، قامت روسيا ببناء مفاعل ( بو شهر ) للطاقة النووية في ايران باشرت بذلك ( وكالة روساتوم ) الروسية الحكومية ، إفتُتحَ المشروع رسمياً في 12 سبتمبر سنة 2011 أستمرت ايران وروسيا في العمل على بناء المحطات النووية ومحطات تخصيب اليورانيوم حتى وصلت الى ثلاثة محطات مع اعلان ايران بأنها تسعى لتصنيع المزيد من محطات الطاقة واستكشاف مناجم اليورانيم . مع استمرار ايران وسعيها الحثيث واعلاناتها المتكررة في تطوير قدراتها الصاروخية الحاملة للرؤوس النووية وذلك من خلال قيامها بالمناورات العسكرية العلنية بين فترة واخرى ، والغريب أن اثارة هذا الموضوع بدأ يتفاعل بعد احتلال العراق وأخذ أهتماماً متزايداً من قبل اميركا وأسرائيل والدول الست في مجلس الامن بأعتباره يشكل خطراً على المنطقة والعالم وتحول هذا الموضوع الى مشكلة عالمية مربوطة بحبل مطاط بين ايران ومجموعة الدول الست المنقسمة الولاء بين الدولتين ايران والولايات المتحدة الاميركية وصدرت قرارات وعقوبات مختلفة بهذا الشأن ، ايران من جانبها دائمة التصريح بأن مشاريعها في هذا الجانب هي للأغراض السلمية والدول الأخرى ترى عكس ذلك وهذا واضح من خلال الكميات الكبيرة المخصبة من اليورانيوم والمعدة للتخصيب ونوع التخصيب ، دول المنطقة وخاصة المجاورة لأيران ترى الخطر قائم في هذه المحطات بذاتها ففي حال تعرضها للتخريب نتيجة كوارث طبيعية او حربية أو فنية ستؤثر بخطرها على كل المنطقة كما حدث في كارثة انفجار محطة ( تشرنوبل ) النووية الاوكرانية عام 1986 ومحطات الطاقة النووية اليابانية التي دمرتها امواج البحر وراح ضحيتها الكثير علاوة على انتشار اشعاعاتها التي غطت مسافات بعيدة وشاسعة محدثة تلوثاً خطراً يبقى خطره قائم الى عشرات السنين ومن الصعوبة تلافيه . من هذا الحال بدأ العالم يزداد قلقاً وأهتماماً متزايداً بخصوص هذا الموضوع وأثيرت بشكل كبير المخاوف حول الاتجاهات العامة للمشاريع النووية الايرانية في سعيها الحثيث في هذا المجال يضاف الى ذلك القلق العام والدائم الذي رافق تلك الفترة ، سعي العراق الى امتلاكه لأسلحة التدمير الشامل وتمكن كوريا الشمالية من صناعة وامتلاك السلاح النووي ووسائل حمله من صواريخ بعيدة المدى وغيرها ، وقبل كوريا كانت الهند والباكستان كل هذه العوامل ادت الى دفع ايران بهذا الاتجاه والحرب الايرانية العراقية لا زالت ماثلة للعيان وأخذت المفاوضات بين ايران ودول العالم صاحبة الشأن منحناً غريباً أشبه بـ (قصة لا تنتهي ) القصة المعروفة والغريب ايضاً ان هذا الموضوع تتجاذبه الاطراف المعنية فيما بينها مستخدمة اياه كحالة ضغط وتهديد واستفزاز محلية ومناطقية وعالمية وأصبح الموضوع كالفزاعة يخيف الغربان والعصافير والحمام ، على المستوى الدولي والامم المتحدة حلفاء ايران يدعموها في هذا الجانب لأسباب عديدة معروفة وأيران تتهرب من الدخول في مساومات حول قضايا اقليمية عالقة تمس بعض حلفائها ، وأميركا وحلفائها يتخذونها ذريعة للتوازن بين مصالحهم في المنطقة و في العراق ومخاوفهم من ايران خاصة اميركا لأمكانية تهديدها لهذه المصالح بتحريكها الاحزاب الشيعية الدينية في كل المنطقة ، تصريحات متضاربة ومفاوضات لا نهاية لها ، وهذا الحال على مايبدو قائم ما دام الحال غير مستقر في العراق والمنطقة . اليمن ولبنان وسوريا ومن الغرابة ايضاً الملفتة للنظر الهدوء الذي ساد اوساط شيعة البحرين وعدم تحرك شيعة الكويت والسعودية ، على ما يبدو ان ايران قد تفاهمت مع حكام دول الخليج . . ؟ أضحى الملف النووي الايراني هكذا يحركه من يشاء وكيف ما يشاء ويشرب منه المغفلين . أعلن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الايراني ( علاء الدين بوروجردي ) ان بلاده تشترط للتوصل الى اتفاق مع الدول الكبرى حول برنامجها النووي أن ترفع كل العقوبات المفروضة عليها وبصورة فورية وقال في مؤتمر صحفي في باريس ( ان الولايات المتحدة تتوقع منا ان نوافق على ان ترفع عنا العقوبات تدريجياً ولكن بالنسبة الينا هذا غير مقبول ) وقد أكد لاحقاً المرشد الاعلى (علي خامئني ) ذلك . ايران تكثف جهودها والدول الست الكبرى ( الولايات المتحدة الاميركية وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين والمانيا ) مفاوضاتها في فينا على امل ابرام اتفاق تاريخي بحلول 24 تشرين الثاني يضمن الطبيعة السلمية البحتة للبرنامج النووي الايراني وفي المقابل ستحصل ايران على رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها والتي تشدد الخناق على اقتصادها ، وهذا كالمعتاد كان بلا نتائج نهائية وكانت كبيرة المفاوضين الاميركين (ويندي شيرمان ) قد دعت ايران الى القبول بمقترحات الدول الاوربة لكن من جانبه قال أبرز المفاوضين الايرانيين ( عباس عراقجي ) أن بلاده لا تقبل ؛ بأي عودة الى الوراء ؛ في برنامجها النووي لاسيما تخصيب اليورانيوم وهي المادة التي تستخدم للنووي المدني وكذلك لتصنيع قنابل نووية . والعقوبات ترفع ولا ترفع والولايات المتحدة وايران ترغبان ولا ترغبان وهلم جرا وكما يقول المثل العراقي ( جيب ليل وخذ عتابة ) وليشرب المغفلين . تم تأجيل المفاوضات الى 30 / 6 / 2015 معلوم ان الطرف الاقوى هي الولايات المتحدة بسبب قدراتها الذاتية الاقتصادية والعسكرية والسياسية وهي الحاضنة الاساسية لأسرائيل ، الجميع في هذه المفاوضات خسر شيء وربح شيء آخر، ايران أعلنت عن رفضها تمديد المفاوضات في حال عدم الاتفاق النهائي قبل 24/11 / 2014 غير انها عدلت عن رفضها بعد الاتفاق على نسبة تخصيب اليورانيوم مقابل ذلك وافقت الولايات المتحدة بالإفراج عن 700 مليون دولار شهرياً من ارصدتها المجمدة في المصارف الاميركية لغاية 30 / 6 / 2015 معنى ذلك يكون مجموع المبالغ المفرج عنها 5000 مليار دولار وهذه هي فترة تمديد المفاوضات لسبعة اشهر أضافية . صحيفة ( فورن بوليسي ) كشفت بأن اعضاء في الكونكرس الاميركي يرغبون بفرض عقوبات جديدة على ايران لا تخفيفها . ( نتنياهو ) يسعى الى عدم توقيع اتفاق نهائي مع ايران شعاره في ذلك ( لا اتفاق خير من اتفاق سيئ ) عدم التوصل الى اتفاق نهائي يعتبر خسارة لأيران لكن تثبيت حقها بالتخصيب وعدم فرض عقوبات اضافية عليها واستمرار تجميد العقوبات الاوربية والافراج عن الاموال المتفق عليها وقيام روسيا والصين برفع بعض العقوبات الدولية المقررة عليها كل هذا يعتبر ربحاً لصالح ايران . وللقضية فصول وأن غداً لناظره قريب .
*1 ويكيبديا الحرة
مقالات اخرى للكاتب