حدثتنا جدتي: أن جارنا أبو البنات كان يتردد لدكان حلاق لقص شعره (حلقه)، ويدفع له أربعون فلسا لكل مرة طيلة عشرين عاما، ولا يغيره لأنه تعود على هذا الحلاق، في احد الايام ذهب أبو البنات لقص شعره ولكنه لن يجد حلاقه الخاص، بل وجد رجل اخر يحلق الزبائن، سأل عن حلاقه وأعلمه أنه مريض يرقد في المستشفى نتيجة تسمم لأكله جبن قديم، جاء دوره وجلس تحت يد الحلاق الجديد وبدأ يشرح له طريقة قص شعره ،ولكنه جرح رأسه عدة جروح، وبعد انتهاء القص طلب منه أن يدفع مبلغ خمسون فلسا، امتنع أبو البنات دفع المبلغ وأصر أن يدفع الاربعين فلسا وتحول الحوار بينهم الى صياح والتطاول بالكلمات ،وأخيرا تدخل بعض الرجال وانتهت الخصام بدفع خمسة وأربعين فلسا عملا بمبدأ خير الامور اوسطها، وسبب الخصام هذا يدل على بخل ابو البنات .
تقول جدتي: هذه الحادثة ذكرتني يا اولادي الاعزاء حكاية هذا الحلاق وزبائنه.
كان هناك حلاق في احدى المدن جاءه في أحد الايام فلاح ليحلق عنده، وبعد ما قص شعره قال له الفلاح كم حسابك؟ فرد عليه الحلاق: والله لن أخذ منك ولا فلس، وسأله الفلاح لماذا ؟ رد الحلاق:انا احلق للناس لكي انفع المجتمع بشيء مفيد . ابتسم الفلاح وقال له: بصراحة أخجلتنى، وفى اليوم التاليى لمّا جاء الحلاق ليفتح محله وجد عند باب المحل ثلاث وردات بألوان مختلفة وكان مكتوب عليه (تحياتي لك)، عرف ان الورد مرسل من قبل الفلاح .
وبعد عدة أيام جاء صائغ لمحل الحلاق وطلب منه انه يقص شعره ، وبعد ما انتهى قال للحلاق كم حسابك ؟
رد عليه الحلاق: والله لن أخذ منك ولا فلس! وسأله الصائغ لماذا ؟ رد الحلاق: انا احلق للناس لكي انفع المجتمع بشيء مفيد، ابتسم الصائغ وقال له بصراحة: أخجلتنى. وفى اليوم التالي جاء الحلاق ليفتح محله وجد عند باب المحل خاتم ذهب وكان مكتوب عليه (تحياتي لك) ، عرف ان الخاتم مرسل من الصائغ!
ذات يوم جاء لمحل الحلاق ابو داوود رجل بخيل رزيل وطلب من الحلاق انه يقص شعره وبعد ما انتهى قال للحلاق: كم حسابك؟فرد عليه الحلاق: والله لن أخذ منك ولا فلس! سأله الرجل البخيل لماذا ؟ رد الحلاق: انا احلق للناس لكي انفع المجتمع ويستنفع منّي، ابتسم ابو داود البخيل وقال له: (بصراحة أخجلنني، تحياتي أنا أبو داود لاتنسى)!
وفى اليوم التالى ولمّا جاء الحلاق ليفتح محله وجد عند باب المحل مجموعة من الشباب واقفين ينتظرون الحلاق
قالوا له: (احنا من طرف ابو داوود اللي زين عندك البارحة يسلم عليك) ؟
نعود لحكايتنا الاسبوعية .
كان يا ما كان وعلى الله التكلان، كان في احدى القرى شاب اسمه فنجان أصغر أخوته بسيط أبله، ملابسه رثة تظهر عليه الوساخة في كل الأوقات، يقوم بخدمة افراد عائلته، وينفّذ الأوامر ويعتبر خادم للصغير والكبير، ويسمونه راعي البقر، اما أخوته فكانوا كسولين لا عمل لهم ولا وشغل، همهم التمتع باللباس والطعام والراحة، وجدوا لفنجان فتاة بسيطة مثله، طيبة، اسمها سلمى رضيت به وتزوجته، وتحمّلت معه بعض الأعمال، فكان فنجان يرعى البقر ويخدم والديه وأخوته وزوجاتهم، وسلمى تنظّف الإسطبل وتصنع من روث الحيوانات قطع تجفف بواسطة الشمس لاستخدامها في وقود التنور والموقد.
طال هذا الحال على سلمى سنوات، وهي تعمل بجد واجتهاد دون تذمّر ولا شكوى، حتى كدّها التعب فلم تعد تتحمّل،
فقالت لفنجان: أنا سأذهب عند أهلي وعندما سيأتي أهلك ليراضوني سأطلب منهم بعض الطلبات، وما عليك سوى أن تؤيدني، وتتمسك بي مهما كلّف الأمر إن كنت تريدني ؟ وافق فنجان على هذه الفكرة .
نفذت سلمى ما خطّطت له وذهبت إلى أهلها زعلانة، وبعد أيام ذهب أهل فنجان لمراضاتها وإعادتها إلى البيت فاشترطت عليهم أن تسكن وحدها، وأن يعطوهما بقرة ويعيشون مستقلّين عن العائلة، رفض الأهل وأصرّت هي، فطلبوا من فنجان أن يطلّقها، فأبى وأصرّ على التمسك بزوجته شتموه وعنّفوه وتركوه عند أهل زوجته .
احتضنته زوجته وباعت أساورها واشترت له بقرتين، وقالت له: قم ارع بقرك بدلاً من أن ترعى بقر أهلك، فعمل هو وزوجته بكل جدٍّ ونشاط، وبعد عدّة أعوام أصبح عنده قطيعاً من البقر يدرّ عليه كمية كبيرة من الحليب، فتصنع الزوجة منه الجبن والزبد وتبيعه في السوق، وجمعت كمية من الأموال فاشترت له ملابس ودشداشة وألبسته عباءة و عقال فلبسها وأصبح يشبه الأمير، وشيدت له مضيف كبير فرشتها بالمساند والسجّاد ووضعت له منقل فحم ودله كبيراً وركوة وقهوة مرّة وجلس فنجان في المضيف كأنه شيخ عرب، ارسل طلب لوالديه لزيارته ويعيشا معه ويخدمهما بنفسه، بعد أن ساءت أحوالهم وعرف أن أخوته باعوا ابقارهم، وصرفوا اثمانها للمعيشة، عاش والديه عنده معززين مكرمين يخدمهم فنجان وزوجته ولم يتركهما يحتاجان شيئاً وصارا يدعوان له بالتوفيق والنجاح .
وبعد مدة جاء أخوته يهنئونه ويباركون له واجتمعوا حوله يستجدونه بعض الطعام والمال، بعد ما عانوا من الفقر والجوع، فعرض عليهم أن يعملوا عنده ويرعوا البقر، ويخدمونه مقابل إعالتهم فرضوا بذلك .
عاش عيشة كريمة لم يحسد الشيوخ عليها، وذلك بفضل زوجته الحكيمة والكريمة وتدبيرها الحسن، فصار أفضل من إخوته وأحبه الناس واحترموه، وأصبح له قيمة كبيرة بين الناس، ومن وقتها تغير اسم فنجان وأصبح اسمه الشيخ عدنان.
مقالات اخرى للكاتب