أنا محدثكم حرامي من أيام زمان ، وقد أعلنتها توبة لوجه الله منذ عشر سنوات ، ولقد أجرى معي الكاتب قصتي :
بالماضي ، وأقصد بها أيام الطين والبيوت الشعبية ، وهذا قبل عقود مضت ، كان سر مهنتي أن أدهن جسمي بالسدر والبيض وأخرج بالليل والناس نيام ، وأكون شبه عريان مع وضع الكحل أو الصبغ بوجهي كي أغير ملامحي ، ومن يحاول الإمساك بي سيعود بخفي حنين كما يقال ، لأني سأتملص منه كما يتملص اللسان من صاحبه أثناء الغضب، وعادة أخرج بصيد وفير من التمر والخبز وبعض النقود أن وجدت ، كريالات الفضة وبعض الذهب ، لكن مع الأسف الناس في حالة تقشف والفقر المدقع بكل مكان ، فنادراً أجد ما يسرق من النفائس .
في هذا العصر ، وقد أخذ مني الزمان مأخذا ، وتضاريس عضلاتي قد تأثرت بتقدم العمر وتقلبات الحياة ، وأسناني تناثرت هنا وهناك داخلي كهف فمي ، وقبل أن أتوب وألبس الثوب الأبيض ، قلت لنفسي لأجرب وأعمل شركة سرقة ليميتيد ، وبسواعد وطنية مئة بالمائة ، أو عصابة محلية كما تسمى لدى الشرفاء ، فجمعت عدد من الشباب العاطل عن العمل ، " وما أكثرهم حين تعدهم وتريدهم " و من أهملوهم أولياء أمورهم ، و ن ُهم في عازه للمال ولديهم مصاريف لا تنتهي ، المهم أصبح العدد مناسب بعد أغرائهم وإعطائهم الوعود الصادقة ، أما بالنسبة لأعمارهم ، فهم بين العاشرة حتى الثلاثين سنة ، لكن معظمهم من المراهقين .
تـتـنوع السرقات وتصنف هنا كغيرنا من البلدان ، فهي في وفرة والحمد لله طيلة العام ، فأنواع السرقات ثلاث : منها سرقة المنازل أو السـيارات أو المحلات ، فسرقة المنازل تزدهر أيام العطل الأسبوعية والرسمية والأعياد ، كون الناس تهجر بيوتـها وترحل إلي مدن أخرى داخل وخارج البلاد ، أو مما يزيد رزقنا غفلة كثير من الناس بإعطاء علامات أن بيوتهم غير مسكونة ، وأما بالنسبة لسرقة المحلات ، فصيدنا عادة على المحلات التي تقع بشوارع غير رئيسية أو بمناطق وقرى نائية أو بعيدة عن عيون الشرطة ، أما سرقة السيارات ، فتعتمد على غباء وبلاهة أصحابها ، فمتى وجدنا سيارة في حالة التشغيل والأبواب مفتوحة، وصاحبها يتسوق بالمحل ، فما عليك إلا أن تقودها بهدوء وترحل .
الحمد لله أني تبت توبة نصوحة ويشهد الله على ذلك ، ولم أعد أعمل بالسرقة بعد سلمت نفسي وتلقيت جزائي ، وقضيت ثمان سنوات من عمري بالسجن ، لكن عندما سألني الكاتب عن سرقة هذا الزمان ، فقلت وحسب خبرتي : لقد أصبح الناس أكثر غباءً مع احترامي لهم من ذي قبل ، والآن إشارات السرقة أفضل من ذي قبل ، فالرسائل الإلكترونية ووسائل التواصل الإلكتروني بأنواعها ، تعج بأخبار البيوت الخاصة ، والتي تخبر بسفر هؤلاء أو خروج أولئك من البيت ، أو أن يخبر أحد أبنائهم الشريك بلعبة مع بعض العصابات عن موقع بيتهم ، ومتى سيسافرون ، فيوضع بيتهم في القائمة ، أتذكر بالماضي أننا سرقنا بيت بعد خروج أصحابه لأربع ساعات فقط ، ولقد أخبر صاحب المنزل عامل البقالة المجاورة بذلك ، واتصالاتنا حصلت على الخبر بعلبة سجائر .
أتذكر كيف نجتمع نحن أفراد العصابة ، وندعو الله أن يكثر من أعداد الأغبياء بالمجتمع ، وخاصة سائقي السيارات ، وأن يتركوا سياراتهم مفتوحة وهي تعمل وبها بضاعة ، وأعداد هؤلاء الأغبياء في ازدياد ، لكن أحياناً يحرمونا من سرقتها ، وخاصة بوجود أطفال ونساء بها ، فمهما يكن نحمل بعض الإنسانية . فكرتي من طرح قصتي للجمهور ، أن أضعها نصيحة كحلقة بأذن كل إنسان ، وهي أن يكون الإنسان حذر طيلة الوقت ، وأن لا يأخذ الأمور ببساطة ولا مبالاة ، أو بسذاجة ، وخاصة في الخصوصيات العائلية والشخصية ، وأن لا تتركوا منازلكم عرضة للسرقة ، أو تترك البيوت والسيارات مفتوحة ، أو بوضع جهاز ثمين كالجوال وغيره أمام اللصوص بالسيارة ، ويقول المثل الشعبي " المال السايب يعلم السرقة " ، ولقد تنوعت وتعددت السرقات هذه الأيام، فظهرت سرقة الحسابات الإلكترونية ، والحسابات البنكية ، وسرقة الأسهم ، وتزييف الأموال ، وكل هذا لم نعيشه بزماننا والحمد لله .
نسيت أخباركم عن مهمة صغير السن بالعصابة، فعادة يكون نحيف وخفيف الحركة ، فهو مفتاح السرقات ، وخاصة المنازل ، لأننا ندخله بجوف صندوق التكيف خلف البيت بعد رميه إلي الداخل ، ثم يفتح الصبي لنا أي باب ندخل منه ، فاتقوا الله في أبنائكم ، واجعلوهم تحت عيونكم ، وخاصة بزمانكم ، زمن أنقلب فيه الليل نهار والنهار أصبح للنوم ، ولم يعد ينفع سدر وبيض في زمانكم العصري ، وبالمناسبة ! أين دوريات الشرطة التي كنا نراها من قبل تجوب الشوارع ؟ لقد نفقـت ! ألم تلاحظوا ذلك .