الوضع الامني في العراق ليس وضعا عاديا ولا هو استثنائيا بمعنى انه استثناء من الحالة العادية التي قد يمر بها أي بلد نتيجة لظروف انية صعبة يمر بها الوطن ويعاني منها الشعب .
فالوضع الامني في العراق متفجر وخطير ولا يشبهه في حالة استنفاره وخطورته الا اوضاع البلدان المبتلاة بالحروب والكوارث... وطبيعة الصراع الحاصل بين قوى الارهاب من جهة والقوى الامنية المتصدية له يكاد يكون معقد وشائك فالارهاب يستخدم ملاذات ويتخندق في خنادق محاطة بضبابية وغموض من الصعب اكتشاف صورتها الحقيقية والواضحة لانه (الارهاب ) يتمترس خلف عناوين تستره ويحتمي بقوى نافذة تخفيه تحت عبائتها بل وتدافع عنه بكل جرأة واستماتة وتهيأ له الاجواء الامنة لتنفيذ ضرباته وتؤمن له الطرق الخلفية المؤمنة للنفاذ والهروب من قبضة القوى الامنية .
وعلينا ان لا ننسى ان فصائل الارهاب التي تشكلت بعد سقوط النظام الصدامي عبارة عن مجموعتين لا تنقصهما الخبرة ولا الدراية باساليب وخطط القتال وتعرف جيدا وسائل الغش والتمويه والاختفاء وكلا المجموعتين اكتسبت خبراتهما من الميدان والتمرس والتجربة .
هاتان العصابتان اللتان هما نواة القوى الارهابية الفاعلة والمهيمنة في العراق تشكلتا اما من عناصر الاجهزة القمعية والمخابراتية والحزبية للنظام السابق وهم على ما هم عليه من خبرة ومعرفة بطبيعة الساحة التي يتحركون بها وبارتفاع حسهم الامني المكتسب يكسبون درجة عالية من القدرة على التنفيذ والمطاولة وسبق النظر وتجعلهم في مرتبة اعلى من قدرة الاجهزة الامنية حديثة التشكيل وجديدة البناء .او هم من عناصر ارهابيي القاعدة الذين يحملون فكرا متطرفا وفهما غريبا لمفهوم الجهاد وهولاء وان كانوا اقل في القدرة القتالية واضعف في الحس الامني من توامهم الا انهم اكثر جرأة في تنفيذ عملياتهم لطبيعة ما يحملون من عقيدة ومنهج يضع كل الدنيا في خانة الكفر والتكفير والقتل والتقتيل .
ثم ان العمل الاستخباري الذي هوالمفروض ان يكون لولب وقلب الجهد الامني في العراق يكاد يكون ضعيفا لاسباب كثيرة اولها وحسب ماينضح من معلومات انه محكوم بوراثة العمل الاستخباري التقليدي الممارس في العراق منذ الثمانينات والذي ينتهج اسلوب المعلومة الاستخبارية العشوائية وهذه الطريقة هي ذات الطريقة التي كانت تعمل بها اجهزة امن واستخبارات صدام وربما تكون نافعة وناجعة اذا كانت تمارس لاستقصاء المعلومات عن الناس العزل والمعارضين السياسيين المسالمين لكنها طريقة فاشلة في العمل ضد منظومات مقاتلة ومنظمات مسلحة وعصابات فاعلة ومدعومة وتمتلك الخبرة والقدرة العسكرية المؤثرة ولها خطوط خلفية وملاذات امنة لا يستهان بها وبالتالي تحتاج في مكافحتها الى اساليب مخابراتية ومعلوماتية تقفز على الطرق التقليدية القديمة والتي باتت مكشوفة ومعروفة لها .
ولا يمكن التغافل عن اثر الخلافات والاختلافات السياسية في البلاد على تنامي نشاط قوى الارهاب وتصاعد هجماتها ضد ابناء الشعب الامن خاصة وان طبيعة هذه الاختلافات انتقلت من مكاتب السياسيين وقاعات اجتماعاتهم الى الشارع ومحاولة بعض الجهات السياسية في صراعها مع بعضها الى تحريك الامور باتجاه مرعب جدا فتح جبهات ودوافع جديدة لتنامي فرضيات التقاتل الواقعي في الشارع بالنيابة من خلال استخدام قوى الارهاب في حسم هذه الصراعات فيما بينها .
ولان اغلب هذه الاحزاب والحركات السياسية لها امتدادات داخل مؤسسات الدولة ومنها الاجهزة العسكرية والامنية فان اثر هذه الصراعات بالضرورة انتقلت تداعياتها الى مستوى اداء تلك الاجهزة وقياداتها ومعنويات منتسبيها وكل هذا يؤثر حتما على مستوى ضبط امن الشارع والسيطرة على حركة الارهاب ومستوى ضرباته المتحققة .
هذه العقد المركبة وغيرها مما لامجال لذكره مضافا اليه الفساد المستشري والواضح الذي ياكل اركان مؤسسات الدولة واكثرها فسادا هي المؤسسات الامنية بستدعي من القائمين بواجب حماية هذا الوطن وشعبه استنفار جهودهم وتغيير خططهم ورفع مستويات استعداداتهم لمواجهة هذه الحرب الضروس التي
كل ذلك بالتاكيد يربك عمل القوى المتصدية للارهاب سواءا ما كان منها امنيا او اعلاميا اوسياسيا وذلك راجع الى طبيعة الظرف المحيط بالعراق نتيجة دخول جيش الاحتلال وارتباك العملية السياسية والهجمات الاعلامية الخارجية وخاصة من الاعلام الممنهج لدول الجوار العربية التي لم تكن تستمرأ القيادات السياسية العراقية لاسباب مذهبية وعقائدية من جهة وخوفها من نجاح التجربة الديموقراطية من جهة اخرى لاعتقادها بانها تشكل خطرا حقيقيا على استمرارها .
مقالات اخرى للكاتب