كأن الدرس الذي يقدمه الشعب المصري هذه الأيام، يثبت أن الأمم الحيّة يمكنها أن تتغلب على خوفها وعلى آلة القمع والاستبداد، شباب ميدان التحرير الغاضبون ضد سراق الوطن وأحلام الناس، يثبتون لنا جميعا أن هناك بدائل للإحباط وهي العصيان وربما الثورة.
منذ أن تولى محمد مرسي عيسى العيّاط رئاسة مصر، ظل نظامه الإخواني منشغلا بالأكاذيب، وبخرافات مضاجعة الميت وإرضاع الكبير، فيما الحريق يشتعل، والفساد يستشري، ونظام مبارك النفعي استبدل ثوبه القديم بأثواب وزينة جديدة، تريد السير بمصر عكس الزمن.
كانت الشعوب العربية تأمل أن تنهض في حياتها، في ظل أنظمة تشرّع قوانين وتمنع سرقة المال العام، وتقف ضد إعادة ماكنة الاستبداد، وتمنع تحويل مؤسسات الدولة إلى ملكية خاصة، والأهم قوانين تحترم عقول وإرادة الناس، لكنهم وجدوا بدلا من ذلك مسؤولين يتحدثون عن القضاء ودولة القانون، ولكنهم يخططون في الخفاء لإعلان دولة "العيّاط" الأوحد، وإقرار تشريعات تساند وتدعو إلى منطق الدولة التي مرجعيتها كل شيء إلا العدالة الاجتماعية!
ومثلما خدعنا المالكي بحكاياته عن الأمن والأمان والرخاء والمستقبل المشرق، فإن "عيّاط"، مصر زاد على "مختار" عصرنا بأن أدخل المصريين معه في متاهات لا تريد أن تنقضي.
ولعل المواقف الكوميدية في فيلم المالكي - مرسي "كيف نخدع الشعب في مئة يوم"، لا تعد ولا تحصى، وأولها أن المواطن نفسه وهو المعني بالأحداث لا يعرف حتى هذه اللحظة متى ستنتهي الأحداث، لأن أبطال الفيلم بارعون في اختراع القفشات والأحداث المثيرة وتأجيج الصراع الدرامي.
مرت مئات الأيام ولم نر ملامح عقد جديد بين المسؤول والشعب، ولا تغيير في بنية الأنظمة، ولا أدلة على أن العقل الذي تولى السلطة بعد التغيير يختلف في شيء عن سنوات حكم جمهوريات الخوف، ولم يحدث في سنوات المالكي " العجاف "، ولا في عام مرسي
"الكوميدي"، شيء أكبر من إزاحة مؤسسات الدولة، وتدعيم سلطة القائد الذي بيده كل شيء، الذي هو مركز الكون، والجميع يدور حوله بهتافات ترسخ صورته كمخَلّص ومنقذ للبلاد التي يعيش شعبها في عصور الجهل والكفر..
في سنوات الحاج أبي إسراء وشهور القائد المؤمن "مرسي العيّاط" عشنا كعراقيين ومصريين ولا نزال مرحلة الإرهاب الفكري وخطف التغيير، وسرقة الثورة، والسيطرة على مفاصل الدولة، ونسيان كل مطالب العدالة الاجتماعية!
في سنوات النهضة المالكية – المرسية، دارت مصانع السلطة والأحزاب لإنتاج مستبدين صغار يريدون أن يفرضوا سلطتهم باسم شرعية الانتخابات، إنها فاشية الأنظمة الجديدة التي تتستر بالدين لتضع الشعوب في معسكرات السمع والطاعة، أنظمة تريد أن تجدد دماء الاستبداد من خلال اختراع مؤامرات خارجية، وتهيئة الجيوش لحروب أهلية، ولهذا لم يكن غريبا أن يلجأ مرسي ومن قبله المالكي إلى استخدام أساليب من المماطلة والمناورة وإشغال الناس في معارك جانبية، الغرض منها الاستمرار في عرض فيلم "هداية الشعوب الكافرة" إلى ما لانهاية، بل ذهب الخيال ببعض المقربين إلى إيهام الناس بأن هلال "التغيير والإصلاح" لم يبزغ بعد.
عشر سنوات، وعراق "حَجّاج العصر الحديث" محكوم بالفشل، وبدلا من أن يسعى رئيس مجلس الوزراء إلى إعلان مشروع كامل لتطوير بنية الدولة العراقية، نراه مصرّاً على تدعيم التخلف والمحسوبية والانتهازية السياسية، وترسيخ دولة الطوائف بدلا من دولة المؤسسات.
وبالمقابل مرت سنة بأيامها ولياليها ومرسي "العيّاط" يراوغ في التحول من الاستبداد إلى الديمقراطية، لأن جماعته يسعون إلى إنتاج دكتاتورية جديدة تقودها أحزاب ومؤسسات تريد أن تعلّم المصريين أن ختان بناتهم أول الطرق التي تؤدي إلى الازدهار والتنمية.
إنها إدارات فقيرة الخيال تتآمر على إرادة الناس.. وعقليات نفد رصيدها من الحيل والألاعيب الشريرة، فصارت تكرر أعمالها الجهنمية بلا وعي، ودون إدراك لأن الناس فهمت اللعبة ولم تعد قابلة للخداع أكثر من ذلك.
اليوم لايريد مقربو المالكي أن يقرأوا أحداث مصر جيداً، ولايزالون يصرون على اعتبار العراق قارة قائمة بذاتها لا علاقة لها بما يجري في العالم، ومن ثم لا يجوز مقارنتها بما يجري في مصر أو تونس أو غيرها من بلدان العالم الآخر، كما تفضل وأفتى علامة دولة القانون " سعد المطلبي " الذي اعتبر المقارنة كلاما فارغا.. بالمناسبة كان العيّاط مرسي يعتقد أيضا أن احتمال خروج تظاهرات ــ وليس ثورة شعبية عارمة ــ ضده من باب الكلام الفارغ أيضاً.
اليوم في قاهرة طه حسين وأم كلثوم وسعد زغلول ونجيب محفوظ.. اكتشف المصريون أن الوعد الخفي الذي روج له الإخوان لم يكن سوى سراب.. وغداً في عراق الكرملي ، والجواهري وعبد الفتاح إبراهيم ، وعفيفة إسكندر والسياب ، سيكتشف " عيّاط العراق " وجماعته أننا لسنا شعباً من الموتى.