مدخل
=========
قد يبدو الحديث عن اصول الكلمات ودلالاتها , حديثاً مملاً وغير ذي جدوى بنظر البعض , ولكن منطق الاشياء يرينا كم كنا مخطئين حين تركنا تعريف الاشياء عائما , وكم دفعنا ثمنها غالياً من دمائنا , فحين تتسرب تعريفات غريبة لمقاصد الدلالات يصبح كل شيء عائماً بل وقاتلاً , بل ان اكبر فتنة في التاريخ كانت باختلاف تعريف ماتعنيه دلالة (مولاه) في حديث الغدير , اوفي دلالة القران الكريم ب(إن الحكم الا لله) التي رفعت بوجه الامام علي عليه السلام في صفين , ونتجت عنها كارثة الخوارج , وقس عل ذلك كثيراً , وهانحن الى الان امام سيول من الدماء نتاجاً لسيولة التعاريف الخاطئة لابسط المسلّمات , كالاسلام والشريعة والكافر والمؤمن والمخالف .
من هنا نستنتج في عجالة ان تحديد الاصطلاحات امر مهم في تحديد اية مهمة , ولكن علينا التنبه الى ان الاصطلاحات والتعاريف تخضع للعنصر المتفوق , اي ان من يمتلك ناصية علم ما , هو من يحدد التعاريف والاصطلاحات فكلمة الجبر هي ذاتها في اللغات العالمية باختلاف النطق ,لانه اصطلاح وجد حين كنا نمتلك ناصية العلوم , وذات الشيء ينطبق على الاصطلاحات اليونانية المترجمة قديماً للعربية .
من هنا سنتناول بايجاز دلالات كلمة الاستخبارات ومايشتق منها , وثم نركز على ماوصلت اليه في العالم وفق تطورات المؤسسات الاستخبارية , وكل ذلك سيكون بايجاز مايسمح به المقال , وبالتأكيد فاننا سنتوسع في هذا المبحث بشيء من التفصيل في كتابنا (موسوعة الاستخبارات) بعون الله
============
اطلالة على التراث
============
تنوعت دلالات الاصطلاحات الاستخبارية في تاريخنا وفي القران الكريم وفي لغة العرب عموماً , فمنها التقصي بمعنى التتبع بدون إثارة أو جلبه أو جلب الانظار, وخبرت بمعنى علمت وخبرت الأمر اي علمته, كما في
قوله تعالى( فاسأل به خبيرا )اي اسال خبير عنه يخبر, وهي ذات معنى احطت , كما في قوله تعالى (فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين)
وقيل في الخبر :ما أتاك من نبأ عمن تستخبر, ويقال تخبر الخبر واستخبر , يعني سأل عن الاخبار لتفصيلها
والاستخبار :هو السوال عن الخبر اي البحث في تفاصيله
والاستنباء يعني الاستخبار بمعني التأكد من الأخبار والبحث عنها, ومن هنا يقول سيبويه :نبأت الرجل ونبئني ,إذ اخبرته واخبرني.
أيضا لدينا بالعربية كلمات الاستطلاع والمستطلع والمستطلعين والمستكشفين والمستكشف او الكشاف:وهم مقدمة الجند الكشافة والمستطلعين.ومن يبحث في المعاجم العربية يجد الكثير من الاشتقاقات المعمول بها في العمل الاستخباري , ففي معجم المعاني الجامع تجد ان اِستِخبار ( اسم ) جمعه استخبارات. مصدر اِسْتَخْبَرَ , وان قولك :حَاوَلَ الاسْتِخْبارَ عَنْ أَحْوَالِهِ : تعني التمس معرفتها ,وكذا الامر في كلمة اِستِطلاع ( اسم ): ومصدرها اِسْتَطْلَعَ , ومنها حُبُّ الاسْتِطْلاَعِ : رَغْبَةٌ شَدِيدَةٌ في مَعْرِفَةِ كُلِّ شَيْءٍ يَدْفَعُهُ الفُضُولُ , ومنها اشتق إستطلاع الرأي,كطريقة فنِّيَّة لجمع المعلومات التي تُستخدم في معرفة اتجاهات التفكير وردود الافعال عن موضوع مُعيَّن , وبذات المعنى الاستطلاعٌ الصَحَفِيّ والرحلة الاستطلاعيَّة.
وكذا في التجسس لغة , وأصلها الجس اي المسّ باليد ,ومنه الجاسوس وجسه بعينه, ويفرق بعض اللغويين بين التجسس والتحسس
وقد جاءت المفردتان في القرآن احداهما بالنهي (ولاتجسسوا) وبغيره ( يابني اذهبوا فتحسسوا من يوسف واخيه), وقيل ان التحسس يكون من خلال الحواس الخمس, فيما يكون التجسس بلمس الشي, ومنه جسّ النبض , كما قيل ان التحسس هو البحث عن شي لنفسك , وان التجسس هو البحث لغيرك,ويرى آخرون ان لافرق بين الاثنين .
وعلى حد علمنا ان كلمة مخابرات ذاتها ليس لها اصل عربي الا من خلال الاستخبار , وهي ترجمة لكلمة intelligence والتي تعني في القواميس الاجنبية , الحذق والذكاء والدقة , وان اصلها كلمة لاتينية
( انتلجر) ثم تطورت إلى انتلجنس, وكانت تعني بالاتينية الذكاء ثم استخدمت للاستخبارات, ويقال إن أصلها انتلجنس من المزيج بين اللاتيني والفرنسي
===============
الاستخبارات اصطلاحاً
===============
وردت تعريفات كثيرة عن ألاستخبارات وفق تطور المؤسسات الاستخبارية في العالم لاسيما بعد حربين عالميتين ، ومن تلك التعاريف:
أنها المعرفة والعلم بالمعلومات التي يجب أن تتوافر لدى كبار المسئولين من المدنيين والعسكريين، حتى يمكنهم العمل لتأمين سلامة الأمن القومي .
وورد في قاموس المصطلحات الامريكية أن الاستخبارات هي نتيجة جمع وتقييم وتحليل وإيضاح وتفسير كل ما يمكن الحصول عليه من معلومات عن أية نواحي دولة أجنبية، أو لمناطق العمليات، التي تكون لازمة لزوماً مباشراً للتخطيط.
كما تعرّف الاستخبارات بأنها "الناتج المتمخض عن معالجة المعلومات المتعلقة بالدول الاجنبية, والقوات المعادية او العدو المحتمل, او عناصر او مناطق العمليات الفعلية او المحتملة".
وان مصطلح الاستخبارات ينطبق ايضا على الفعاليات والمنظمات التي تعمل على جمع ومعالجة وانتاج الاستخبارات.
وفي تعريف اخر :هي حقائق مبنية على معلومات متيسرة عن دولة أجنبية أو منطقة عمليات وهي محصلة جمع وتقييم وتفسير المعلومات المتعلقة بناحية أو عدة نواحي عن الدولة الأجنبية أو منطقة العمليات المعنية – مع الخروج بالاستنتاج والخلاصة والتي تعتبر ضرورية وهامة في الحال أو في المستقبل لتخطيط وتنفيذ وتطوير الخطط والسياسات والعمليات ، ويجرى إنتاجها في كل من وقتي السلم والحرب .
ومن هنا تكون الاستخبارات أو مصلحة الاستخبارات أو أجهزة الاستخبارات أو المخابرات تعني : مجموعة الأجهزة والتشكيلات , تكون مهمتها العمل بالوسائل المستخدمة لجمع المعلومات السياسية والنفسية والاقتصادية و العسكرية الخاصة بالعدو وتحليلها و العاملة في الوقت نفسه على مكافحة عمليات التجسس او التخريب المعادية إبطال كل عمل يقوم به العدو لجمع المعلومات السياسية والنفسية والاقتصادية و العسكرية عن معسكر الصديق. ================
مصطلحات استخبارية
================
وهنا سنحاول اعطاء تعريفات مركزة ومختصرة عن بعض الاصطلاحات المهمة في العمل الاستخباري , والتي سنتناولها لاحقاً في مقالاتنا المقبلة , ومنها :
1- الاستخبارات : وهي الحصيلة الناتجة من جمع وتطوير جميع المعلومات المتوفرة المتعلقة بالعدو وكذلك منطقة العمليات الراهنة او المحتملة .
2- المعلومات : وهي مواد المعلومات الخام غير المقيمة حول اي موضوع والتي في حال تطويرها يمكن ان ننتج منها معلومات الاستخبارات
3- نقاط الضعف : ان نقاط الضعف على المستوى الوطني . هي الثغرات التي تجعل الدولة معرضة لاي عمل من شأنه ان يقلل مقدرتها الحربية او التفاوضية المحتملة وتصميمها على القتال, واما على المستوى التعبوي فتعني اية حالة او ظرف يتعلق بموقف العدو او منطقة العمليات والتي تجعله عرضة للخديعة او التدمير والهزيمة .
4- الاستخبارات السوقية : وهي الاستخبارات المطلوبة لتكوين السياسة ووضع الخطط العسكرية .
5- الاستخبارات الشاملة : الحصيلة الاستخبارية المتكاملة التي يتم تطويرها من قبل جميع الوكالات الاستخبارية الوطنية من اجل تنسيق نشاطات اجهزة الدولة الاستخبارية لانجاز السياسة والخطط والبرامج على المستوى الوطني .
6- المصدر : اي شخص او شيء او نشاط يمكن استخلاص المعلومات منه .
7- الوكالة : اي فرد او منظمة تعمل على استغلال أو استعمال مصدر لغرض الجمع وتطوير المعلومات .
8-حلقة ( دورة ) الاستخبارات : المراحل التي يتم بها جمع المعلومات وتحويلها الى استخبارات ومن ثم ايصالها للمستخدمين وتشمل مراحل التوجيه والتحليل والتطوير والتوزيع .
9-خطة الجمع : الخطة المنطقية التي تهدف الى معرفة المؤشرات لمتطلبات الاستخبارات وترجمة هذه المؤشرات الى اوامر وطلبات لمعلومات محددة من الأذرع .
10-التقييم : تلك الخطوة من مرحلة التطوير في حلقة الاستخبارات التي يتم فيها تحليل مادة المعلومات فيما يتعلق بملائمتها ومدى دقتها والاعتماد عليها .
11-التوزيع : الايصال الوقتي للمعلومات باستخدام النموذج الصحيح وبافضل الوسائل المناسبة لاولئك الذين يحتاجونها .
12- تقدير الموقف الاستخباري : وهو عملية دراسية للعناصر الاستخبارية المتعلقة بموقف معين او ظرف في نيتك معرفة الاعمال المحتملة للعدو او العدو المحتل والترتيب الصحيح لامكانية تبنيها.
13- التوجيه : مرحلة من حلقة الاستخبارات التي تشمل معرفة متطلبات الاستخبارات وتحضير خطة الجمع واصدار الاوامر وطلب المعلومات من وكالات الجمع وادامة تدقيق مستمر على انتاج وكالات الجمع .
14- المراقبة : وهي المراقبة المنتظمة في الليل والنهار في جميع احوال الطقس لمنطقة المعركة.
15 - التجسس: هو البحث عن المعلومات بكل أشكالها وتجميعها ونقلها إلى المركز الرئيسي للأستخبارات بوسائل سرية.
16 - الأستخبارات العسكرية التكتيكية: هي جمع المعلومات على المستوى التكتيكي عن العدو في منطقة محددة وتحليل هذه المعلومات, وإما تكون ذات طابع عام أو طابع تخصصي.
17- الأستخبارات العسكرية الأستراتيجية: هي تجميع المعلومات المتعلقة بشؤون العدو (العسكرية والأمنية والسياسية و الأقتصادية والأجتماعية) وتنسيقها وتحليلها ثم توزيعها على المستوى الأستراتيجي للدولة. وتكون هذه المعلومات هي الأساس للتخطيط سواء على مستوى العمل العسكري أو المدني بشكل عام.
18- أستخبارات العمليات: وتتركز في مجالين ألاوهما: أ- الأنتشار: حيث يتم البحث والتقصي المفصل حول أنتشار العدو وهو أمر ضروري وحيوي من أجل تنفيذ أي عملية عسكرية. ب- النشاط: إنه البحث المفصل في أفعال العدو في كل لحظة, وماهي عاداته وكيف يشغل ويدير أجهزة أمنه وكيف يتعامل مع حالات التوتر والأستنفار. بالمقارنة مع الحياة الطبيعية لديه. أن هذين العاملان يشكلان مايعرف بأستخبارات العمليات والتي تعمل على
تزويد الجهات المعنية بالمعلومات المطلوبة للعمليات التي ستنفذ.(يعمل بها حاليا ضد داعش )
19 - أستخبارات الحرب النفسية: هي الأستخبارات المتعلقة بالقادة العسكريين والسياسيين والمدنيين, تتخصص في دراسة الصفات القبلية والقومية والوضع الأجتماعي والسياسي والأقتصادي والديني وأحوال المعيشة وسمعة الوحدات العسكرية الموجودة والأحزاب والمؤسسات الحكومية الكبرى. كل هذه المعلومات تجمع وتستخدم لوضع خطط الحرب النفسية على العدو. وتعرف الحرب النفسية: هي أستخدام مخطط للدعاية أو ماينتمي إليها من الإجراءات الموجهة الى العدو بهدف التأثير على عواطف وأفكار وسلوك وعادات كل مكوناته وخلق عقلية تحقق أهداف مطلق الحرب النفسية. كل ذلك بناءاً على معلومات أستخباراته النفسية.
20 - الجاسوس:- هو الشخص الذي يعمل في الخفاء او تحت شعار كاذب ليحصل على معلومات عن العمليات العسكرية لدولة محاربة بهدف ايصالها للعدو، فهم يعملون في وقت الحرب والسلم. =========
خلاصة
=========
لايمكن بالتأكيد الاحاطة بكل التعاريف الاستخبارية في مقال , فهذا شأن المعاجم والقواميس التخصصية , كما لايمكن في عجالة الاحاطة بكل مايعنيه اصطلاح ما في الاستخبارات , كما هو الحال في كافة التخصصات العلمية , ولكننا اردنا من المقال تلمس ابرز المصطلحات التي سنبني عليها لاحقاً مداخلاتنا في مجال العمل الاستخباري , ولكننا ننوه هنا الى ان هنالك اصطلاحات شعبية لها علاقة بالواقع المعاش ففي الجنوب حين كانت المعارضة تقاتل النظام في الاهوار والجزيرة , كانت الدولة تبث جواسيسها من وضيعي النفوس وكان اسمهم الشائع هو الشماشمة ويسمون في دولة الجزائر بالحساسة (كونهم يتحسسون الاشياء) لكننا عزفنا عن ذكر تلك الاصطلاحات لانها اصطلاحات تعبر عن احتقار المجتمع لهم كونهم عيون الانظمة المستبدة ضد شعوبها , فما يهمنا هو ترسيخ الاصطلاحات التي تنحى المنحى العلمي , والله الموفق.
مقالات اخرى للكاتب