مقدمة
==========
كثيرا ما نجد صورة رأس الهدهد في (لوغو) الانظمة الاستخبارية كدلالة على جهاز ما من اجهزة المخابرات , لاسيما في الدول العربية والاسلامية , ولايلتفت الكثير منا الى الرابط بين طائر صغير بعرف مميز , وبين خبايا العمل الاستخباري .
مقالنا هذا يسلط الضوء على تلك العلاقة من خلال رحلة صغيرة نغوص فيها عبر التاريخ مع نبي الله سليمان عليه السلام وجهازه الاستخباري .
========
الهدهد
========
وفق المعلومات البايولوجية ,يسكن هذا الطائر في جحور الأشجار أو الجحور الصخرية الضيقة و المباني القديمة, وتجلس الأنثى 12-15 يوماً على بيضها كفترة حضانة حتى تفقس, ويتولى الذكر اطعام الأنثى أثناء فترة الحضانة وكذلك اطعام الصغار بعد التفقيس, وعادة ما يحتضن صغيرين كل عام بحيث يغادرون العش بعد 26-32 يوماً من التفقيس.
للهدهد قابلية عجيبة في ايجاد الماء والكشف عن تواجده تحت الأرض, فهو يرى الماء من بعد ويحس به في باطن الأرض فإذا رفرف على موضع علم أن فيه ماء , ويقول الجاحظ : زعموا أنه هو الذي كان يدل سليمان على مواضع الماء في قعر الأرض.
ويتميز بسرعته الفائقة في الطيران والعدو، ومن صفاته المميزة أيضاً أنه يتمكن أن يبعد أي حيوان ضار أو مفترس عن عشه وصغاره عن طريق رش رذاذ أسود زيتي برائحة كريهة من غدة بقاعدة الذيل تبعد أي متطفل، وهي ميزة دفاعية يمتلكها صغاره ويستعملونها إن أحسوا بالخطر.
يتميز هذا الطائر برشاقته وحسن مظهره وخصوصاً مع تلك النتوءات الريشية أو القزعة الموجودة في مؤخرة رأسه, ويبلغ طوله حوالي 31 سم وألوانه تختلف حسب المناطق، فمنها الدارسينية -نسبة للقرفة أو الدارسين وهو نوع من البهارات البنية الداكنة- , ومنها الكستنائي مع أجنحة مخططة أو ملونة بالأبيض والأسود, وله منقار معقوف طويل وقوي وأجنحته دائرية تقريباً، أرجله قصيرة وذيله مربع، والريش الجميلة في مؤخرة رأسه قد تتحول لشكل مروحي عندما يستثار، ويعمل على نفخ ريش رقبته عند المناداة, وعند الخطر يومي برأسه.
يتناول الأعشاب من البراري المفتوحة ويفضل الحشرات كالديدان ويرقاتها اللينة التي يلتقطها من الترب وفتحات الصخور الضيقة باستخدام منقاره الطويل، كما يأكل الحيوانات الصغيرة كالسحالي والعضايا, كما يقتات الحبوب والدود.
يضرب العرب المثل بقوة إبصار الهدهد فيقولون : أبصر من هدهد، كما يقولون: أبصر من غراب وأبصر من عقاب وأبصر من فرس. =============
سليمان عليه السلام
=============
يعد نبي الله سليمان (عليه السلام) من الانبياء العظام الداعين الى توحيد الله ونبذ عبادة الاوثان عاش في الفترة بين 970 ق.م الى 919 ق.م وتوفاه الله سبحانه بعمر 51 عام قبل 3000 عام , وقد اعطاه الله تعالى نعم كثيرة وهبها له. استطاع من خلالها ان يثبت حكومته وملكه العظيم ومن تلك النعم تسخير الرياح وعمل الجن بين يديه ومنطق الطير وغيرها الكثير ،وقد بنى تلك المعابد الضخمة التي من خلالها رغب الناس بالعبادة
كان عليه السلام مُلهماً في العلم بمنطق الطير ومنطق جميع الكائنات بما فيهاالنمل وفهم كلامها قال تعالى(وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) , كما سخر له سبحانه وتعالى الريح والجن واسال له عين القطر(أي النحاس المذاب)يقول سبحانه(وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ) .
في الديانة العبرية فان سليمان (ש-;-ְ-;-ׁ-;-ל-;-ֹ-;-מ-;-ֹ-;-ה-;- شلومو ) هو أحد ملوك مملكة إسرائيل حسب الوارد في سفر الملوك الأول وسفر أخبار الأيام الأول وحسب التلمود، هو أحد الأنبياء الثمانية والأربعين وإبن داود (ع )وثالث ملوك مملكة إسرائيل الموحدة قبل إنقسامها, وأشتهر -وفق العقيدة اليهودية- بحكمته وثراءه وملكه الكبير , ارتبط اسم سليمان بعدد من القصص المذكورة في العهد القديم مثل لقاءه مع ملكة سبأ التي ذكرت في القرآن كذلك , وقصة قضاء سليمان بين المرأتين المتخاصمتين على رضيع، وقصته مع ملك الجن , ويعتبره التراث اليهودي , أنه أول من بنى الهيكل. .
وفي تراثنا الاسلامي عن وفاته عليه السلام ان ملك الموت قبض روحه وهو متكيء في مكان مرتفع في قصره على عصاه , وكان قد امر بان لايقطع احد عليه خلوته , وحين طال وقوفه اختلف الناظرون اليه وتبلبلوا فمنهم من قال انه يسحرنا ويجعلنا نراه بهذه الصورة وهو ليس كذلك , ومنهم من الّهه وقال انه الهنا الذي يعبد , فبعث الله سبحانه دوده الارضة فاكلت عصاه فخرّ الى الارض , وذلك قول الله عزوجل: "فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته ,فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ". ===================
دروس في الاستخبارات قبل 30 قرناً!!!!
===================
يذكر القرآن الكريم في سورة النمل (( وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعون)).
ويقول في الاية (الطير )اي مجموعة عناصر الاستخبارات , ومن ثم يحدد الهدهد , اي يذهب إلى التفاصيل وذلك لأهمية جهاز الاستخبارات و هنا تبين الآية ارتباط الجهاز برأس السلطة مباشرة وليس عبرأحد المساعدين أو الوزراء, كما يشير الى الضبط الصارم ( لاعذبنه عذابا شديدا أو لااذبحنه أو لياتيني بسلطان مبين)لأهمية جهاز الاستخبارات يجب أن يتمتع بضبط وأنضباط منقطع النظير
وهو خلاف تصورالبعض من ان عمل الاستخبارات في الخفاء يخفف عنها الضبط العسكري .
الاية 22 النمل. . ( فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنباء يقين) , وهي اشارة الى عدم تأخير الاستخبارات في تقديم المعلومات للقائد, ولكن المهم أن يقدم الخبر اليقين ,وهنا التأكيد على خبر لا يعرفه القائد اي انه غير مكرر وجديد ودقيق, فعلى الاستخبارات أن تبحث عن الاخبار التي لا يعرفها القائد والتي تعتبر غير مكررة وتأكيد مكان المعلومة بدقة دون عموميات.
الاية 23 النمل... ( اني وجدت امرأة تملكهم واوتيت من كل شي ولها عرش عظيم ) وهنا التسلسل الرائع للتقرير , فبدأ بما يهم القائد وصاغ التقرير حسب أولويات القائد ومتطلباته, تحديد الشخص المستهدف
وامكاناته .
الاية 24 النمل .. ( وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون)
الانتقال إلى الترتيب والأولوية الثانية للقائد , وهي نوع الدين والمعتقد... تحديد ديانة القائد وشعبه, او ارائهم السياسية, يسجدون للشمس (ثم يأتي بعبارة تلتمس لهم العذر بلا تهويل)وهي عبارة (وزين لهم الشيطان)اي انهم مغلوب على أمرهم بفعل الشيطان.
الآية 25 النمل ( الأ يسجدوا لله الذي يخرج الخب في السموات والأرض ويعلم ماتخفون وما تعلنون) هنا الاستخبارات يجب أن تضع مع المعلومة التقييم والتحليل ووجهة النظر, اي المشكلة والحل
يبدأ هنا رد فعل القائد من الآية 27 النمل (قال سننظر أصدقت ام كنت من الكاذبين), هنا يستند المشرع إلى جواز العمل الاستخباري في قبول النبي سليمان (ع) للتقرير الاستخباري ,وليس عند هذا الحد فقط ,بل جواز وإقرار من قبل النبي , فهو قبل وإعاد تكليف الهدهد بواجب اي انه أجاز وأقر العمل. وهنا نرى ان القيادة تبحث عن صحة المعلومة برغم الثقة العالية والسلطة على الاستخبارات, فواجب الاستخبارات هو جلب الخبر اليقين من سبأ , وثم مرحلة التقييم الاستراتيجي من قبل القائد( سننظر
أصدقت ام كنت من الكاذبين) ثم إعادة تقييم الجهد
الايه 32 النمل. . (اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون )هنا يحيلنا الى موضوع بمنتهى الاهمية , وهو اهمية استخدام القوة الناعمة (الاستخبارات ) في تنفيذ المهمة في عمق العدو, لان الاستخبارات تستطيع الوصول إلى عمق العدو, وكذا استخدام الحرب النفسية من خلال الرسالة وتقييم رد الفعل من خلال الاستخبارات,
فبرغم وجود الجن في خدمة النبي سليمان وصاحب علم الكتاب , والاثنين أقوى وأسرع , لكن النبي فضّل استخدام صاحب المعلومة والقوة الناعمة لأرسال الكتاب واستحصال نتائج رد الفعل.
الاية 35 النمل ( واني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون).
هنا نرى ان ملكة سبإ تستخدم الطرق الطبيعي لجمع المعلومات ومعرفة العدوا والخصم لانها لاتملك اعجاز النبي سليمان(ع) فتعمد الى الطرق الدبلوماسية لمعرفة قدرات عدوها من خلال إرسال وفد , وفي يومنا هذا تسمى مبعوث أو سفير أو هيئة دبلوماسية , مع هدايا اي استخدام المال لشراء المعلومات والدخول إلى مملكة الخصم.
القصة هنا تحيلنا الى ان صاحب المعلومة هو المنتصر وهي من مباديء العمل الاستخباري السري وبديهياته, فإلى يومنا هذا صاحب المعلومة والاستخبارات هو صاحب القوة والسلطة والمبادرة ويتقدم على الآخرين دوما. =========
خلاصة
=========
المبدا الاستخباري يقول معلومات دقيقة تجعلك تفكر بشكل صحيح وتقرر بشكل صحيح وتنفذ بشكل صحيح , شريطة وجود معلومات دقيقة وتحليل واعي , بمعنى ان المعلومة الدقيقة تعطيك دوماً الفرصة للانتصار , فالملك نظر بشكل صحيح من خلال الهدهد واطلع على خبر كان لا يعرفه
ثم قال سننظر,بمعنى نفكر , ثم ندقق , ثم نقيم , ثم ننطلق للتنفيذ, فقرر ارسال كتاب الى ملكه سبأ , وكان كتاب النبي سليمان متاثرا بتقرير استخباراته بالكامل اي انه كتب معتمدا على كلام الهدهد, فلو كانت معلومات مصدره الاستخباري خاطئة لما القت الرعب في قلب ملكة سبأ.
وعندما اراد التنفيذ , نفذ من خلال الهدهد ,اي انه نفذ من خلال القوة الناعمة والقادرةعلى الوصول الى عمق الخصم, فالمطرقه , برغم حجمها وكبرها وقوتها فهي لا تستطيع ثقب الحائط الا من خلال البسمار, وايجاد ثقب في صفوف العدوا ليس بالضروره بحاجه الى قوه كبيرة ولكن الى دقة معلومات كبيرة
انها مباديء طبقت قبل 3000 عام , فيما لازلنا الى الان نعتمد في حلولنا على القوة المفرطة , قوة العملاق الاعمى الذي يصارع اقزاماً في محل للزجاجيات , والله الموفق.
مقالات اخرى للكاتب