انتهى مؤتمر القمة العربية الـ 27 بمدينة نواكشوط عاصمة موريتانيا، ببيان هزيل يذكرنا بجميع بيانات القمم السابقة الفارغة من المضمون التي تنشده شعوب الدول العربية والبعيدة عن الواقع وعن التنفيذ والساخرة من وعيها والراغبة في الضحك على ذقون هذه الشعوب. إنه بيان ملوك ورؤساء الدول والحكومات المستبدة وغير الديمقراطية التي ابتليت بها الشعوب وأذلتهم ودفعت بهم إلى الإحباط والخذلان. إنه بيان حكومات الدول التي لعبت الدور المركزي والأساسي في نشر الفرقة والصراع والنزاع بين الدول العربية، وكان ضحيتها شعوب هذه الدول من العرب والكرد والمسيحيين وغيرهم.
إن البيان الأخير ترديد أجوف لما جاء في البيانات السابقة عن مأساة فلسطين، وعن عفترة حكومة بنيامين يتننياهو اليمينية المتطرفة بإسرائيل، وعن احتلال الجزر العربية الثلاث (الطمب الكبرى والطمب الصغرى وأبو موسى) من قبل إيران، وحول الموقف الخادع من الوضع في كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا...الخ.
لنأخذ في هذا المقال القضية الفلسطينية، التي اعتبرت دوماً مركزية بالنسبة للدول العربية!، لنرى موقف القمم العربية منها. حين صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947 بتقسيم فلسطين إلى دولتين مستقلتين، كانت حصة إسرائيل 55% من فلسطين وحصة الشعب الفلسطيني 45%. وبعد مرور 68 عاماً على ذلك التقسيم والتوزيع كيف أصبحت الحصص الفعلية للأرض الفلسطينية في العام 2016؟ أصبحت مساحة إسرائيل الفعلية حالياً أكثر من 78% وحصة الدولة الفلسطينية الحلم أقل 22%، ولكن هناك نسبة كبيرة ومهمة تتراوح بين 5-6% من أراضي القدس الشرقية والضفة الغربية، عدا قطاع غزة، تحولت إلى مستعمرات إسرائيلية على الأرض المتبقية للشعب الفلسطيني. وما زالت حكومات الدول العربية وملوكها ورؤساؤها يناجون رهم ويطلبون منه العون، ولكنهم لا يفعلون غير تلك المناجاة الكاذبة، إذ أن أغلبهم في واقع الحال يقيم أفضل العلاقات، العلنية منها والسرية مع إسرائيل، وخاصة المملكة السعودية وقطر. إن أغلبهم يرفض الاعتراف بإسرائيل مما يساعد عملياً على توسع إسرائيل على حساب الدولة الفلسطينية الحلم. وهم في قمتهم الهزيلة تحدى نتنياهو، الرئيس اليميني المتطرف للدولة اليهودية، هذا المؤتمر باتخاذ قرار بناء المئات من الدور السكنية للمستوطنين اليهود الجدد في القدس الشرقية. إن عدم الاعتراف بإسرائيل خدعة كبيرة، فدولة إسرائيل قائمة منذ 68 عاماً وستبقى قائمة وستتقلص مساحة ما تبقى من الدولة الفلسطينية بفعل سياسات الحكومات العربية وتدخلها الفظ والمنافق في الشأن الفلسطيني.
إن مؤتمرات القمة خدعة كبرى، وقراراتها محاولة جادة لذر الرماد في عيون شعوب الدول العربية وإبعادها عن ضرورة النضال للخلاص من تلك الحكومات التي ما تزال تمارس سياسات شوفينية وتمييز ديني ومذهبي وطائفية مقيتة. ويمارس الكثير من هذه الدول سياسة التعليم الديني المعادي للديانات الأخرى وكذلك للمذاهب الإسلامية الأخرى وأتباعها، وكذلك ضد القوميات الأخرى. إن حكومات هذه الدول وسياساتها تشكل الطامة الكبرى المناهضة لشعوبها، ولم يكن مؤتمرهم الجديد سوى مأساة ومهزلة جديدتين.
أما ممثل العراق، فلم يكن الرجل سوى ذلك الطائفي المقيت بامتياز، الذي فتح الأبواب على مصراعيها أمام امتلاء وزارات الداخلية والأمن الوطني والتعليم وغيرها بأعضاء من المليشيات الطائفية الشيعية المسلحة، والذي يمكن أن نردد اليوم قول الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري حول سياسية العمري قبل نيف وسبعين عاماً، واستميحه العذر ببعض التعديل:
أي طرطرا تطرطري تقدمي تأخري وزارة من گرگري يرأسها الجعفري (المقصود هنا وزارة الخارجية)
وحضور هذا الوزير يعبر بشكل صارخ وصريح عن مدى عدم جدية عقد مثل هذه المؤتمرات العربية، وخلوها من قرارات جادة قابلة للتنفيذ، فمتخذو تلك القرارات لا يحترمونها ويعتبرونها استهلاكاً داخلياً!
لنأخذ موضوع العراق في مؤتمر القمة الأخير: إنهم ناشدوا الحكومة العراقية زيادة دورها في مكافحة الإرهاب الداعشي في الحويجة التابعة لمحافظة كركوك والشرقاط التابعة لمحافظة نينوى. ولكن السؤال العادل هم: من كان السبب وراء وجود هؤلاء الإرهابيين القتلة بالمحافظات الغربية ونينوى وغيرها؟ الم تكن دول السعودية وقطر وتركيا، وفي البدء سوريا أيضاً وراء هذا الوجود الكثيف؟ ألم تنهض داعش، وقبلها القاعدة، بفكر وهابي سعودي متطرف وإرهابي، وبأموال سعودية وقطرية وخليجية عموماً، وبدعم تركي لوجستي وفَّر الجبهة الخلفية الأمينة لهم، وقبل ذاك فتح رجب طيب أردوغان حدود الدولة التركية لعبور الإرهابيين الأجانب، ومنهم العرب، إلى سوريا والعراق؟
إن صراعهم الطائفي والمطامع العربية-التركية، العثمانية الجديدة، في الهيمنة على العراق قد اصطدمت بهيمنة إيران قوية وفعلية على العراق وعلى سياسة حكام العراق من قادة الأحزاب الإسلامية السياسية، وبالتالي أصبح العراق ساحة حرب طائفية لعينة في شكلها، ولكنها تخفي في الحقيقة الهيمنة وتأمين مصالح اقتصادية وسياسية وعسكرية في جوهرها على حساب الشعوب بالعراق. وقد تم كل ذلك بسكوت أو حتى موافقة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، والتي تقوم اليوم، بعد بروز مخاطر هذه القوى على شعوبها وعلى مصالحها الولايات المتحدة وبريطانيا وأربا الغربية بالمنطقة، مكافحتها، ولكن كما يقول المثل العراقي "بعد خراب البصرة"!
لم يأت مؤتمر القمة العربية الـ 27 بجديد، بل أعاد ما قيل قبل خمسين أو ثلاثين أو عشرين أو حتى المؤتمر السابق، دون أن يحصل أي تحسن في أوضاع الدول العربية، بل زاد الأمر سوءاً وموتاً وخراباً وتعقيداً، ومنها الحروب اللعينة الجارية باليمن وليبيا وسوريا والعراق، ومن المحتمل ان يحصل ذلك بلبنان والأردن وغيرهما في الفترة القادمة.
إنها الجامعة العربية التي قال عنها الفنان العراقي الأصيل عزيز علي "... كل العتب على جامعتنة، جامعتنة الما لمتنة.."!
مقالات اخرى للكاتب