أعطت أحداث العنف التي مارستها المؤسسة الأمنية يوم أمس ضد المتظاهرين في الناصرية وبغداد تأكيداً نوعياً آخرعلى وجود أزمة وطنية كبرى يمر بها العراق منذ عشر سنوات .
جوهر الأزمة لايتمثل بطبقة سياسية ضعيفة وفاقدة للإحتراف الذي ينزع عنها صفة النخبة ،ولاببرلمان ضعيف ومشلول ، ليس الأزمة في عملية ديمقراطية هشة ، أو حكومة فاسدة فاشلة ، كل هذه المظاهر الواهنة والمرضية قابلة للعلاج والإصلاح .
الأزمة الوطنية الكبرى بحسب تصوري تتمثل في عدم إمتلاك العراق لمؤسسة أمنية وعسكرية بمواصفات وطنية نزيهة .
للأسف نقول هذا الكلام بحق مؤسسة لاتفهم معنى الدستور وحقوق المواطن ولاتعرف معنى الإستقلال والمهام المناطة بها وهي ،حماية المواطن وصيانة النظام والممتلكات العامة والدفاع عن الوطن أزاء الإعتداءات الخارجية ،وهو ماثبته الدستور بوضوح لايقبل الخلاف.
المؤسسة الأمنية لم تزل تخضع للسلطة وهذا أمر طبيعي ، ولكن ماهو غير طبيعي ويصنف كجريمة وطنية وإنسانية وأخلاقية هو ان تشارك بالقمع والمنع واستلاب حق المواطن المكفول دستوريا وقانونياً ، وهذا ماحدث في 31آب في الناصرية وبغداد ، وهو ماحدث قبل ذلك في الحويجة والأنبار وهو ماحدث ايضاً يوم25شباط 2011 حين أرتكبت المؤسسة العسسكرية جرائم قتل بحق مواطنين عزل كانوا يمارسون حقهم في التظاهر والإعتصام في هذه الأحداث التي فجع بها الوطن .
أن بعض اسباب فقدان الروح الوطنية التي رافقت الفرد العراقي خلال عهود الظلم والدكتاتورية ، كان بسبب قسوة المؤسسة الأمنية في تعاملها الوحشي مع الشعب وقواه الوطنية والسياسية ، لكن الميزة التي كان يحافظ عليها الجيش العراقي كانت تتمثل بصفة الشهامة ، وعدم التورط بالأحداث المحلية او مقاتلة الشعب الأعزل .
التغيير السياسي الذي حدث بعد 2003 لم يحدث تغييرا في المؤسسة الأمنيةوالعسكرية ،وهذه من الجرائم الكبرى العالقة بحق الأحزاب الحاكمة التي جيرت المؤسسة العسكرية والأمنية لصالحها ، وأفرغتها من مفاهيم العقيدة الوطنية عبر ولاءات متعددة لأحزاب تقود السلطة والقرار .
الأوامر التي يصدرها المالكي او غيره اليوم ضد الشعب وتنفذها المؤسسة الأمنية والعسكرية بدون مراجعة ، غد ستنفذ ذات الأوامر التي يصدرها قادة المؤسسة الأمنية والعسكرية الذين يتعاقبون على السلطة ، ولعل الرصاص يتجه لأفراد ينتمون لحزب المالكي او غيره من الأحزاب الساكتة عن هذه الجريمة .
فشل العراق بإنتاج مؤسسة عسكرية وطنية تحمي المواطن وتدافع عن حريته وحقوقه ، كما حصل مع المؤسسة العسكرية في تونس ومصر واليمن . وهذا أمر يخلف في النفس الشعور بالخسارة والمرارة.
الفشل بوجود مؤسسة أمنية وعسكرية تحمي المواطن والدستور والحقوق يعني فشل العملية السياسية ، ويضع هذه المؤسسة في مواصفات شركات المرتزقة التي تقتل بلا هدف سوى المال .
ارجو ان يقرأ مقالي هذا من قبل السياسيين والحاكمين وقادة المؤسسة الأمنية بوعي مستقبلي ، وبعمق يتناسب مع أهمية الموضوع وخطورته .
مقالات اخرى للكاتب