احمد الله بكرة واصيلا انه مازال في عصرنا الرخو هذا ما يمكن الحصول عليه مجانا من دون اراقة شيء من الجيب او الجبين . في كل يوم يمطرني اصدقاء التفسبك "كثر الله امثالهم " بسيل جارف من النصائح والحكم والاقوال المأثورة التي تحث على الصدق والكرم والتجاوز والعفو والتحلي بالادب الجم . وعندما يجري الحديث عن الفضائل فان للقرآن الكريم ستكون حصة الاسد ومن بعده ياتي ما صح من الحديث النبوي الشريف ومن ثم ياتي الدور على سيد الحكمة والفتوة المتفردة اسد الله الغالب علي بن ابي طالب "عليهما السلام" . وما تبقى من البوستات الحكيمة يتوزع على المتنبي و الجواهري وفلاسفة اليونان نزولا الى فيلسوفة العراق الحديث مي اكرم و خليلها وحيد . ومن لم تسعفه ذاكرته في شيء من محفوظات المدرسة ، فلا اقل من ان يسمطنا بـ "عندي خروف ابيض ... اتبعه فيركضُ " ظنا منه بان ذلك من مأثور الموعظة التي تدعو الى الرفق بالحيوان وببيريجيت باردو معا . لو كنت املك قبسا من صلاحيات الشاب النحرير "زوكربرغ" لابتكرت تطبيقا يتيح لي فلترة جميع ما يجلد ناظري يوميا من بوستات الحكمة بسوط عذابه . والادهى والامر ان حكماء الفيس بوك يغلظون عليك الايمان بان ترفع لهم الابهام مُليّكاً مستحسنا لساء ما ينشرون . وستحل عليك "لا قدر الله" لعائن الله ورسله وملائكته مالم تستجب لطلبهم المشروع بالتشيير او التلييك . وستبوء بغضب السماوات السبع والارضين السبع لو انك تجرأت ومسحت جدار الفيسبوك بصداقة احدهم وتخلصت منه عبر الاستعانة بخيار الـ " Block" او "Unfriend" حينها ستجد اسمك يتقدم اسم العبد الصالح أيمن الظواهري في قائمة المطلوبين للـ F.B.I تحت شعار وين يروح المطلوب النه ... اتساءل - ولعل في هذا التساؤل شيئا من الوجاهة - ماذا سيحدث للبلد لو ان اصدقاء كل واحد من اصدقاء الفيسبوك من ابناء جلدتي "ادام الله نصحهم الوارف" تمسك اخلاقيا بواحدة فقط "واحدة لاغير" من سيل الحكم التي يمطر بها ادمغتنا في كل حين . انا آتيكم بالخبر اليقين بما سيحدث . سينقلب البلد خلال الزمن الذي يستغرقه نشر بوست واحد الى الفردوس المقيم الذي نتناطح بالقرون من اجل تقبيل اعتابه يوم القيامة . سانضم الان - مجبرا لا بطل - الى طابور حكماء الفيسبوك و استشهد بحكمة قديمة تحث على تجنب اثنين من الاصدقاء ، الأول مَن يكثر مِن الهدايا ، و الاخطر منه - حسب الحكمة - من يبالغ في النصيحة . هل تتعارض هذه المقولة مع حث النبي الكريم "ص" على تبادل الهدايا " تهادوا تحابوا " ؟ وهل تتعارض هذه المقولة مع " انما الدين النصيحة "؟ لا اذهب الى ذلك لان النبي الكريم "ص" لم يحث على المبالغة في الاهداء . ولم يحث احدا على اسداء النصح للاخرين مالم يتمتع هو باخلاق نصحه . تراثنا يعج بالمواعظ ويضج بالحكم ، ومن السهل جدا ان الطش عبر تقنية "الكوپي - پيست" الغراء عشرات الاحاديث والاقوال المأثورة من رفوف "گوگل" لاستعرض بها امام احباء الفيسبوك عضلاتی المعرفية المتورمة . الصعب الذي يرقى الى الاستحالة ان احول واحدة من هذه المواعظ الى واقع عملي اعيشه في كل حين مع نفسي ومع الاخرين . اتمنى ان تتسع صدوركم لنصائحي المكرورة وشافعي انها ليست ملطوشة من الحاج گوگل دامت شوكته .
مقالات اخرى للكاتب