يبدو أن ديمقراطية القرن الحالي تعتمد على تلبية مصالح الدول العظمى والمقتدرة عسكريا واقتصاديا وبغض النظر عن تطلعات الشعوب وتحقيق اهدافها من الرقي والخلاص من تفاقم معاناة ابناء تلك الشعوب.
والجلي والواضح للعيان ان حكومة الولايات المتحدة وباعتبارها الدولة العظمى والقطب الاوحد والتي جعلت العالم كالقرية الصغيرة بالنسبة اليها تحتاج من وقت الى اخر الى تغيير مسارات الحكم في دول العالم من خلال تغيير السياسات العامة للبلدان او من خلال تغيير الشخوص التي تمسك بزمام الامور في تلك الدول.
والمثير للاستغراب انه في الوقت الذي تتباكى اميركا وتنادي بالحرية وتحقيق العدالة والمساواة الاجتماعية في بعض البلدان فانها تغض الطرف او لا تعير اي اهتمام يذكر لبلدان اخرى يتعرض مواطنيها لشتى انواع التهميش والاقصاء والظلم والتفرقة على اساس الجنس واللون والعرق والطائفة، والذي يؤكد ان تحركها ومنادتها باحلال العدالة والمساواة الاجتماعيتين تنطلق من منظور تحقيق المصلحة ، فهناك انظمة ترتبط بمصالح قوية بالاقتصاد الامريكي وتنفذ الاجندة الخاصة بالاستراتيجية المستقبلية للولايات المتحدة فأنها –اي تلك الانظمة- تبقى ضمن مظلة الحماية الامريكية طالما تحقق المصالح الامريكية حتى وان ذبحت الشعب في وضح النهار.
العراق وبعد عام 2003 اصبح تحت حماية ووصاية حكومة الولايات المتحدة (بشكل مباشر او غير مباشر) وقد وضعت الادارة الامريكية خطة مرسومة لمستقبل العراق في المنطقة وما يمكن ان يقدمه في سبيل تحقيق المصالح الامريكية وادرة الدفة في الشرق الاوسط الجديد (كما عبرت عن ذلك وزيرة الخارجية السابقة كوندليزا رايس).
ومن الطبيعي ان يكون لراس الهرم الفاعل في العراق مقبولية لدى البيت الابيض ومن المستحيل ان تمنح امريكا الضوء الاخضر لاي فرد من التربع على كرسي الحكم في العراق من دون ان تضمن ان يكون ذلك الفرد منسجما مع الخط العام للسياسة الامريكية اولا ، وثانيا ان يكون مطيعا ولا يخترق الخطوط الحمراء الثلاث ، وهي ، اولا امن اسرائيل ، ثانيا امن دول منطقة الخليج العربي ، ثالثا ضمان المصالح الاقتصادية والتفوق العسكري لامريكا في منطقة راس الخليج العربي.
نعم، تنظر امريكا الى وضع الشعب العراقي من ناحية واحدة فقط، وهو عدم تهديده الخطوط الحمراء التي رسمتها والزمت الحاكم بعدم اختراقها، وغير ذلك لا يمكن باي حال من الاحول ان تعير امريكا من اهتمامها قيد شعره لاحوال الشعب العراقي ، وخير دليل هو سنوات الحصار الاقتصادي على الشعب العراقي.
فلقد كانت الدول الغربية على يقين تام ان الحصار هو على الشعب وان نظام صدام لن يتأثر به، وبالرغم من ذلك استمر الحصار للاطول من عشر سنين راح ضحيته العديد والعديد من ابناء العراق، والذي اعاد العراق الى عصر ما قبل الصناعة كما صرح بذلك جيمس بيكر وزير خارجية امريكا عام 1991.
والملفت للنظر انه وخلال الاشهر الثلاث المنصرمة ازدادت حدة العنف والارهاب بشكل يوحي بعدم قدرة السلطة الحاكمة على المسك بزمام الامور على الساحة وغياب السيطرة الامنية على الشارع العراقي ، بالاضافة الى تزايد الازمات بين الساسة، وطبيعي ان ينعكس ظل هذه الازمات على الشارع، من تأجيج التناحر على اساس طائفي وعرقي ومناطقي وحزبي. ومع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية (البرلمان) فان من واجب الولايات المتحدة ان تحدد الشخص الذ سوف يستلم المسؤولية وتمهد الطريق امامه من خلال تذليل الصعوبات اللوجستية وقبول الجمهور به.
زيارة رئيس الوزراء الحالية للبيت الابيض تأتي في هذا السياق، حيث يسعى نوري المالكي لتجديد (البيعة) واعطاء العهود والمواثيق الى الادارة الامريكية بضمان المصالح وعدم تخطي الخطوط الحمراء وبتذليل كافة الصعوبات امام تطبيق المشروع الامريكي الاستراتيجي في منطقة الشرق الاوسط ، وهو الشرق الاوسط الجديد.
مقالات اخرى للكاتب