اليوم 1/11/2013 في نفس التاريخ من عام 1993 عبرت شط العرب سباحة نحو الجانب الإيراني , في برد شديد , كنا نستهين بالموت و بشدة البرودة مقابل التعذيب الذي ينتظرنا لو وقعنا بيد قوات الأمن التي تبحث عنا , الساعة الواحدة والربع بعد منتصف الليل , بعد غياب القمر يتحول الماء الجاري في شط العرب إلى رقعة سوداء لا يمكن لحرس الحدود أن يرى رأس إنسان يطفو ويسبح نحو الشاطيْ الآخر .المكان قرية الفداغية في طريق الفاو .. ولو علا صوت أثناء السباحة فان زخات من الكلاشنكوف ستنهي كل حركة وسيطفو جسدنا في تيار الماء ولا احد يعرف ما يحل بنا .. فكان العبور بصمت وسباحة لا تصدر صوتا ولا تحدث موجة صغيرة وكل خطأ يؤدي للموت ...
هنا في الجانب العراقي تم إلقاء القبض على عدد من أصدقاءنا الذين تم تصفيتهم في المقابر الجماعية , الشهيد فوزي جابر مبارك شقيق الدكتور الشهيد فؤاد جابر .. وسعود عبد العزيز والمهندس عصام شهيد وآخرون عددهم ستة ...كلهم نالوا الشهادة في دهاليز مديرية امن البصرة .. ولكن الله تعالى أنقذنا لنرى سقوط حقبة زمنية قل نظيرها في عالم الدكتاتورية والاضطهاد...
كان زميلي مصطفى مراد خليفة أكثر مني قدرة في السباحة وحين وطأت قدمه الطين التفت وقال أسبح وصلنا اليابسة .. ولكننا لم نجيد شد الثياب التي ترجلت من بطوننا ولم نشعر بها حين فقدناها .. لتبدأ بعدها أطول ليلة في عمرنا عشنا أقسى تفاصيل البرد واصطكاك الأسنان وصلت إلى الاستعانة بالخرق البالية من ملاجيْ مهجورة منذ 5 خمس سنين .. فكانت الأتربة والأطيان أشبه بموقد نتدفأ به تلك الليلة ..
وفي صبيحتها سلمنا أنفسنا للسلطات الإيرانية لتبدأ بعدها عملية انتقال من سجن إلى سجن ... أتذكر احد الضباط الإيرانيين سألني .. قال : أنت أجوبتك وكلامك لا يوحي انك صياد سمك وانقلب زورقكم ولذتم بالجرف الإيراني .. أجبته والله أنت عندك فراسة مرهفة ... قال إذن من أنت..؟ قلت صياد سمك ... قال لماذا لم تجب بصراحة على سؤالي رغم انك اعترفت لي بجزء من سؤال سابق .. قلت لشدة خوفنا على إخواننا وعوائلنا في العراق لا يمكن أن نفصح عن أنفسنا ولنبقى في السجون أهون من تعذيب أطفالنا وبناتنا في مديرية امن البصرة .. قال الضابط ألهذا الحد تخافون من صدام .؟ قلت نعم ونخاف منكم أن تنقلوا حديثنا أليه .. ضرب يده على لحيته وقال أعانكم الله وأغلق التحقيق بكلمة ........ يودع السجن ...