ليست إعلان مدفوع الثمن، أو استغاثة لمنظمة إنسانية تمارس عملها الطوعي في إحدى دول القرن الإفريقي الفقيرة، إنها حقيقة يعيشها عراق القرن الواحد والعشرين، عراق الميزانيات الانفجارية، وحكومات المناضلين والورعين ..( نتبرع كي يستمر التعليم في العراق) شعار تحول إلى ممارسة يومية يعيشها رب الأسرة العراقية شاء أم أبى، ويتعاطى معها كيفما تتشكل هذه الحقيقة المرة في ذهنيته المتعبة مع سفر طويل من الأزمات والانتكاسات، وهواجس الخوف من غد مجهول المعالم لديه، عبأ جديد وثقيل بثقل الأيام الخوالي التي رافقت التحولات الخطيرة التي شهدها بلدنا وسطوتها علينا، كي يستمر أبنائنا بالتعليم علينا شراء القرطاسية بكافة تفاصيلها المرهقة، وشراء الكتب المدرسية او استنساخها، وكذلك علينا كآباء أن نتبرع باستمرار.. نتبرع كي يوجد مصباح يضيء عتمة الحاضر ورواسب الماضي القريب في قرارة أعين أبنائنا في صفوفهم الرطبة المعتمة.. نتبرع كي تتوفر مروحة تجود ببعض النسيم على أفئدة غضة ما زالت تجهل أقدارها في هذا الوطن الجريح المنهوب في وضح النهار، نتبرع كي توجد سبورة في صف صغير مكتظ بأدمغة ندية مازالت تجهل دسائس ودنس الكبار.
كرب أسرة متوسطة الدخل أعيش كفاف يومي براتب محدود يترنح على وقع القطوعات، والذي لم تجد الحكومة حلا لمشكلاتها الاقتصادية سوى بقضمه بداية كل عام ميلادي، وأطلب السلامة في هذه الدنيا بدعاء يسترني من عاديات الدهر ونوائبه الطارئة في بلد يعيش فوضى الديمقراطية، تلقيت في يومين متتاليين وصلي قبض من ولدًي تطلب مدرسيتهما مني التبرع ببعض المال، كي أساهم في شراء مصابيح إنارة وطلاء للصفوف و مقاعد دراسة والقائمة تطول، طالعت بألم وحسرة الإيصال وعبارات الاستجداء والاستعطاف التي وسمت عليه طلبا للمساعدة، وخيل إلي انه شهادة وفاة صدرت بحق مستقبل التعليم في العراق، بعد صراع طويل مع الفساد الإداري والمالي، وغياب التخطيط والمهنية.. بعد أن سُرقت مليارات الدولارات المخصصة لقطاع التعليم دون أن يُدان احد أو يُحاسب احد، كانت النتيجة هذه النهاية المأساوية التي آل إليها التعليم في العراق.. العراق حجر الزاوية في مثلث المعرفة الإنساني الممتد من مصر مرورا بالشام، منه عرف العالم القراءة والكتابة وأجادت رحمه للبشرية بعشرات الأدباء والعلماء والفنانين، من اجل أن يغتني مجموعة من المقامرين الطارئين على أرضه وسمائه، سُرق مستقبل أبنائنا، وطعن العراق في مقتل.
مقالات اخرى للكاتب