أعتذر لمؤرخي (ارض السواد) وانا افند نظرياتهم التي طالما (ارقتنا) ، وجعلتنا نعيش في عالم واقعي هو في حقيقته عالم (خيالي) غير موجود (ألبته) ،واعتذر الى اجدادي واقول لهم ان قصصكم التي وصلت الينا عن (أرض السواد) لم تكن سوى قصص كاذبة ،انتم ليس لكم فيها ذنب (اللهم) الا ذنب الرواية والنقل ، وناقل ( الكفر) ليس بكافر هكذا يقال !!، على العموم لا اريد ان اخرج عن صلب الموضوع وهو (كذبة ارض السواد) ، أتذكر كيف كان أبي ( رحمه الله) يحكي لنا قصة ارض السواد، ولماذا سميت الارض بهذا الاسم ،والسبب ان (العراق) قديما كان فيه (زرع وفير!!) و(غابات نخيل واسعة !!) وارضه كلها مزروعة ،بمعنى الحياة نعيم في نعيم !! ، حتى ان القادم الى ارض العراق يراها من بعيد (سواد في سواد) ، وسبب السواد هو ان اللون الاخضر يكون أسود من بعيد، لذلك أطلق اسم (أرض السواد) على العراق ، لقد سمعت هذه القصة في طفولتي وفي احدى الليالي (الشتائية) الحالكة السواد ، حيث بيتنا (الطيني)، الذي تتم انارته بواسطة ( اللمبة !) ،وربما هناك من لم يعرف (اللمبة) ،واقول له انها عبارة عن (بطل) يضع في داخله نفط وفتيلة ، وتستخدم كوسيلة اضاءة ، وكانت هذه ( اللمبة) منتشرة في أغلب بيوت (ارض السواد !) ، وذلك حتى يتم طرد( سواد الليل) ، وللمبة اثار (رئيسية !!) وليس جانبية حيث (اكساءالجدران والسقوف باللون الاسود) بسبب النفط الغير محترق جيدا ،وليس هذا فحسب بل هناك سواد ال (؟) ،على العموم لنترك اللمبة ولنرجع الى قصة (ارض السواد) ، وحقيقة عندما كنت استمع الى القصة كان يراودني شيء من (الشك !) ،وهو اذا نحن نملك كل هذا الخير فلماذا بيتنا من (طين !) ، ولماذا لايوجد فيه طعام كافي ولماذا ولماذا ؟!! ، وسألت والدي سؤال بريء جدا في حينها ، لكن الان اعتبره سؤال (ماكر) ،قلت له (يابه) اذا نحن اهل الخير (ليش) بيتنا من الطين ؟اوعلى الاصح ليش كل بيوت المنطقة من الطين ؟ ، وكل الناس يستخدمون اللمبة من اجل الاضاءة ؟!، فرد والدي بالقول (يابه انا اقصد ايام زمان) وليس الان ، فقلت له يعني (جدي) الله يرحمه (جان بيته خوش بيت)، فأبتسم والدي وقال ياولدي بيتنا احسن من بيت جدك ،لان بيت جدك كان ( بيت شعر) يعني (خيمة) مصنوعة من شعر (الصخول !)، فتعجبت وقلت له أكيد ( جد جدي) كان عنده (خوش بيت) ، فقال لا أبدا ان جد جدك لم يكن يملك حتى خيمة ، فقلت له ( ليش جد جدي ما جان عنده صخول حتى يصنع من شعرها خيمة ! ) ، فقال لا لانه كان يعيش في الكهف او شيء يشبه ذلك ، وأقتنعت في حينها رغم حداثة (سني) ،ان القصة غير مجدية ، وغير مقنعة فكيف نحن نطلق على ارضنا اسم ( ارض السواد) وفي نفس الوقت السواد الاعظم يعيش الى حد الفاقه والعوز ، لكن الواضح من الامر ان احوال اجدادنا واجداد أجدادهم وجد جد اجدادهم كانوا يعيشون (عيشة ! ) سواد في سواد ،وأنتقل هذا الامر (اللون الاسود) الى أحفادهم وسوف يستمر الى احفاد احفاد احفاد ( الخلفوهم !) ، وعندما دخلت المدرسة قرأت في كتاب التاريخ عن ( أرض السواد) ، وكان (معلم التاريخ) ، يشرح لنا الخير الوفير والكثير الذي يتمتع به اهل (أرض السواد) ،وكان الامر واضح جدا و( النعمة امبينة) على معلم التاريخ وذلك من خلال استخدامه خيط غليظ بدل الحزام حتى لايتهاوى بنطاله (أبو ركعة !) ، وكان معلم التاريخ المسكين يتكلم عن الخير الوفير، لكن لم يستطع ان يقنع التلاميذ لأن (حالهم مثل حاله) ملابس رثة ووجوه ( كالحه) ، ومع هذا لم نعترض على التاريخ ، بل سطر اجدادنا (رحمهم الله) وسطرنا نحن في سفره الخالد ان ارضنا ارض السواد بسبب (كثرة الخير!!) يالها من أضحوكة ، ولكن بعد حين من الدهر، تم اكتشاف جديد ، وهو ان ارضنا سميت (أرض السواد) ، ليس بسبب كثرة الخير ،وانما بسبب كثرة ألمصائب وكثرة الاحزان ، حتى ان القادم الى هذه الارض لم يجد غير السواد في كل مكان وزمان ، والمصيبة او الكذبة الاخرى التي اشتهرت على نطاق واسع في (ارض السواد) ،هي ان اللون (الاسود) هو لون ملابس الملوك علما اني لم ارى ملكا مرتديا لونا اسود ، حتى عندما يموت (أبوه) فأنه ( يكيف) بمعنى يفرح لانه سوف يكون الملك المطلق ، ولكن مع هذا (يصر) التاريخ ان اللون الاسود هو لون الملوك ، بل ذهب اجدادنا الشعراء الى ابعد من ذلك عندما قالو ( من لبس السواد سبا العباد !) ، و (يامليحة بالخمار الاسود ماذا فعلتت براهب متعبد !) .
سادتي لقد ابتلينا ب (اللون الاسود )، ولكن اجدادنا وجدوا مهربا (حلو) ورائع لتعليل اللون الاسود ولاعطاء دفعة للاجيال (تعينهم) على مواصلة حياتهم ( السودة) ، ولكن لم يبتلى اجدادنا بلونهم (الاسود ) مثلما نحن أبتلينا ، وياليت لم نملك الذهب الاسود في باطن أرضنا ، حتى نعيش في سلام ، بل ونحافظ على بقاء لون ( دمائنا) حمراء وعدم تحولها الى (سوداء) ، ولكن بسبب الذهب الاسود صبغت و(طليت) و(عجنت) دمائنا الحمراء لتصبح سوداء الى العظم.
مقالات اخرى للكاتب