نحن على أبواب الصيف .. وصاحبت مطالعه قبل أيام أمطار ورياح وانخفاض في درجات الحرارة ، لكنها ( إحتضارات الشتاء ) مع قدوم الربيع ، وهو عنوان الحياة ، ومن علاماته البارزة ، اكتساء الارض بحلة خضراء مزينة بالزهور والوانها الجميلة ، وروائحها العطرة ، وسمة طقسه المريح الذي يتخلص فيه الانسان من ثقل الشتاء ، وامطاره في بلد اصبحت الخدمات فيه أحد أبرز أسباب معاناته ، ومن إهداف الحراك الشعبي فيه ، وهي أحد ميادين الاصلاح الحقيقي .
والربيع رمزالتفاؤل والأمل والتطلع نحو الاحسن ، وفيه تطلق النفوس تمنياتها لما هو أفضل ، ليس على المستوى الشخصي فحسب ، بل على المستوى العام بالتغيير نحو الجديد الاحسن ، ومنه أيضا سميت حركات التغيير السياسية الاساسية بالربيع ، وإن حصلت في غير هذا الفصل ..
والاصلاح كان الحديث الابرز في هذا الربيع العراقي …
واذا كان الربيع معروفا في موعد حلوله ، ويحكي في معالمه أحد فصول التغيير على الارض ، وقصة حياة الانسان وتغيرها من حال الى حال أخرى ، وتخلصه من قيود تضغط عليه ، في الانطلاق والحركة … ولكن هل ما يحصل من حراك سياسي أخذ كل هذا الوقت ، له من صفات الاصلاح ما يجعله يدخل ضمن معالم هذه المرحلة ، أم ليس له منه غير الاسم فقط..؟..
فهل تغيير عدد من الوزراء مثلا يستحق كل هذا الاستتنزاف للوقت ، والهدر في الجهد ، ويقع ضمن مفهوم الاصلاح الشامل المعروف في قاموس السياسة والاجتماع ..؟..
الجواب سمعته من موطن عبر الشاشة على عجاله ، وهو يتألم ويشكو لعدم قدرته على عبور الشارع بعد أن غرق بمياة الامطار ، ولا يعنيه ما يسمعه عن التغيير الوزاري ، بل يطالب أن يكون الاصلاح في مجاله الحقيقي ، بدل هذا (السجال الاستعراضي ) و( المباراة السياسية ) دون نتيجة ، والدوران في (فلك) المحاصصة ، التي تحوم حوله الكتل ، وليس لها فكاك من جاذبية المناصب واغراءات المكاسب فيه..
فالاصلاح ليس كلمة تقال ، ولا شعار يرفع ، ولا وجوه تتبدل ، بقدر ما هو برنامج عمل متكامل لخدمة الانسان ، وانهاء معاناته … وهو ليس بالامر العسير…
والمواطن يتمنى ان ينصرف الاصلاح الى ما هو ممكن ، وفي نطاق القدرة ، وضمن واجبات المناصب ( رسما وشرعا ) ويساوي استحقاقه الوطني من الثروة والخدمة .. فهو يطالب أن يكون هناك مشروع اصلاحي حقيقي في الخدمات مثلا ، من خلال تقسيمها الى قطاعات حسب طبيعتها ، ومجالات اختصاصها ، وتحديد سقوف زمنية لها ، ويكون الحساب والتقويم على أساسها..
فلماذا يغيب مثل هذا الاصلاح ، ويحضر ما لم يكن باهميته ..؟..
فمن غير المعقول ان تتعاقب الفصول ، وشوارع العراق على حالها تغرق بمياه الامطار شتاء ، أوتتحول الى برك وبحيرات من مياه الامطار في هذا الربيع الجميل وتحرمه من لذة التمتع بلحظاته السعيدة واوقاته الممتعة ، فيما اصبحت تلال الازبال والنفايات ، والانقاض جزءا من معالم شوارعه واحيائه في كل الفصول .. وفي الصيف تبدأ ( ازمة ) مزمنة أخرى إستنزفت من الاموال العامة والشخصية الكثير الكثير وهي الكهرباء ، بعد أن صرفت عليها المليارات دون نتيجة …
لماذا لا يطرح المعنيون الاصلاح الخدمي ، ويكون عنوانا مهما للحراك السياسي بدل هذا الحراك ( العقيم ) في تغيير عدد من الوزراء لا يعرف المواطن حتى اسماء بعضهم .. ولا يعنيه بشيء هل يكونون من التكنوقراط أم من السياسيين ، بقدر ما يريد نتائج على الارض تشير الى هذا الوزير او ذاك ، بعد ان نقش اسمه بانجازات يفخر بها هو واولاده واحفاده ويكون من الاسماء الخالدة في الوزارة على تعاقب السنين ..؟!!
فالمواطن لا تعنيه المناصب العليا في الدولة ، بقدر ما يهتم بما هو في تواصل يومي مباشر معه ، ومن له صله بالشارع والحي والمدينة التي هو فيها …
فالمواطن يهمه مدير البلدية ، وعامل المجاري والنظافة ( مهندس النظافة ) كما يطلق عليه في اليابان ، ومدير المركز الصحي ومدير المستشفى ومدير التربية ومدير المدرسة ومدير الاسكان ومدير الرعاية ، وغيرها من المناصب التي لها صلة بالمفردات الحياتية المباشرة ، ومن يتولى مسؤولية تأمينها بانسيابية عالية ونوعية متميزة … ولا يهتم بمنصب وزير لا ينزل الى الشارع ، ولا يزور مؤسساته المنتشرة في البلاد ، ولا يذهب الى القرية والمدينة ، ولا يكون مع الناس في الميدان ، ويتعرف على مشاكلهم ومعاناتهم مباشرة ، وليس عبر الزجاج المظلل ، أو يحصر تواصله معهم عبر شاشات الفضائيات فقط ، وفي تصريحات معينة ، أو برامج خاصة فقط ، وبعضها مخصصة للحديث عن انجازات وهمية ، ليس لها وجود على الارض ، أو في معارك كلامية ، ومشادات سياسية …
يريد المواطن ان يتخلص من هذه المفردة الثقيلة ( الفساد ) ومن المحاصصة وهي أس البلاء …
وذلك هو الاصلاح الحقيقي …
{{{{{{
كلام مفيد :
اغرس شجرة اليوم تنعم بظلها غدا …
مقالات اخرى للكاتب