ليس من السهل ( ولا المعقول ) أن يتراجع المالكي عن سياسته وثقافته البنيوية والحزبية ( المعجونة في دمه عجنا ! ) والتي أصر على نهجها مع كل الفرقاء السياسيين طوال سنوات الظلم ما بعد الإحتلال وقبله ! ... والتي يمكن إختصارها بعبارة : ما ننطيها ! .
ومما ساعد على انتشار هذا المرض الدكتاتوري الخبيث عدم حسم الإحتلالين البغيضين للعراق ( الأميركي والإيراني ) لمسألةالولاية الثالثة من عدمها ... ليس محبة في المالكي وسواد عيونه ( الذي ينافس سواد قلبه ! ) ... ولكنها المصالح التي تتنازع في أجندات الغرباء كالرمال المتحركة فلا يدرك حتى خبراء الصحراء أين مستقرها ومثواها ! ... ومما أغرى المالكي أكثر وأكثر تلك التصريحات التي نفث بها بعض دهاقنة السياسة الإيرانية من أنهم ينتظرون سماع قولة صناديق الإقتراع في الإنتخابات البرلمانية العراقية ... ثم يقولوا قولتهم الفصل ... وهي رسالة إيجابية للمالكي تشير إلى أن فرصة الولاية الثالثة ما زالت قائمة ... خاصة مع فرص المالكي الأوفر في الحصول على عدد الأصوات والمقاعد الأكبر من خلال حملته الإنتخابية التي حازت ( دون غيرها من الكتل الإنتخابية ) على عناصر التفوق السحري الأربعة( تصويت القوات الأمنية المزدوج في الخاص والعام – تقليل نسبة المصوتين السنة بالتهجير والإعتقال والترهيب – استنفار الشيعة بترويعهم من الخطر السني الداعشي القادم ومن أنه يمثل مختار عصرهم للخلاص والنجاة–لعبة أجهزة التصويت الجديدةوالتي لا يعلم سرها إلا الله والراسخون في العلم ... والكل يعلم من هم الراسخون في العلم ! ) .
من هنا ... فلن يتردد المالكي في عقد أي صفقة أو تحالف مادام يرى في نهاية نفق المفاوضات بصيص أمل في ولاية ثالثة ... وإن ناقضت تلك الصفقة أو الحلف توجهاته ومبادئه وخطوطه الحمراء أو الخضراء التي وضعها ... ولقد شاهدنا كلنا اليوم تغير نبرة خطاب المالكي وقد وضعت الإنتخابات أوزارها ... ومحاولته المُتكلفةلإرسال رسائل للعراقيين عامة ... و للكتل السياسية المنافسة والمشاكسة خاصة ... من أن همه الأكبر يقف عند مصلحة العراق والعراقيين ! ... وعن إستعداده لتجاوز كل الخطوط الملونة من أجل بقاء كرسي رئاسة الوزراء دافئا به !!! .
لذلك سنحاول توصيف أهم تلك السيناريوهات المحتملة لعودة المالكي للكتم على أنفاس العراقيين مرة ثانية ... عفوا ثالثة :
أولا. السيناريو السليماني : وهو السيناريو الأقرب والأسهل إلى المالكي إذا ما توفرت عناصر تحققه ... فهو يعتمد على الزيارة المؤكدة ( لصاحب الدار ) قاسم سليماني إلى رعيته في العراق لوضع الملامح الأخيرة للولاية العراقية ... وهنا من الممكن أن يقدم المالكي من التنازلات ما لا يتوقعها حتى سليماني نفسه !!! ... ويشعره في ذات الوقت بنقاط القوة التي يتمتع بها والتي قد يحتاجالبدلاء الآخرون لمدة طويلة حتى يتمكنوا منها ... مثل سيطرته المطبقة على الجيش وسائر القوات الأمنية ... أو الإستعداد المطلق غير المشروط وبكل إمكانياته لإنجاح السياسات الخارجية الإيرانية سواء بدعم بعض الأنظمة مثل نظام بشار والمعارضة البحرينية أو مواصلة العداء لدول عربية مثل السعودية وقطر !!! ... والمالكي يعلم جيدا إن إشباع رغبات سليماني وتلبية إحتياجات مشروعه التوسعي لا تعني فقط السماح له بالتحرك لإكمال تحالفاته بل قد يتعداه إلى تبني سليماني بنفسه لهذه الولاية وعمله على جمع الأتباع ( رضوا أم رضوا ! ) من أجل المضي باتمام مشروع ( العراق حديقتنا الخلفية ! ).
ثانيا. سيناريو الأذناب : وهو سيناريو من الصعب أن يُكتب له النجاح والإستمرار ... حيث يعتمد على شراء القوائم الهزيلة من سنّة المالكي ومصلحيي الشيعة ومناكفي الكرد !!! ... أضف اليهم ثلة من النكرات والنفعيين ... الذين وإن دخلوا بقوائم وتكتلات فانهم قد وضعوا لأنفسهم أسعارا رخيصة تلائم فرارهم بين ليلة وضحاها إلى من يدفع أكثر !!! .
إن صعوبة تحقيق مثل هذا السيناريو تكمن في هزالة مثل هذا الحالف القائم على مجاميع تمثل فتات الموائد الإنتخابية ... التي لا تعبر عن ثقل مكونات الشعب الحقيقية ... وهذا ما قد يولد ردة فعل قد تقضي على هذا المشروع قبل أن يرى النور .
ثالثا. سيناريو بيع الصلاحيات : وهو من السيناريوهات الفاعلة إذا ما وضع على طاولة المفاوضات ... ومن الممكن أن يكون على ثلاث صفحات وليس واحدة... الأولى مع بداية مفاوضات الإئتلاف الوطنيالشيعي بعد إعلاننتائج الإنتخابات والبدء بتسمية رئيس الوزراء القادم ... فهناك الكثيرمن الصلاحيات والإستحقاقات التي يستخدمها المالكي كأوراق لإرضاء المشاكسين ... كمسألة الفصل بين منصبي رئيس الوزراء ومنصب القائد العام للقوات المُسلحة ... ومناصب الوزارات الأمنية ( الدفاع والداخلية والأمن القومي والمخابرات ) ... بل وحتى الوزارات السيادية وخاصة وزارتي النفط والمالية... أضف الى ذلك القيادات العسكرية والدرجات الخاصة والهيئات المستقلة ... وغيرها ... وغيرها كثير ... وإذا ما تعثرت مثل هذه السوق لبيع الصلاحيات ... فمن الممكن أن تكون هناك صفحة ثانية للمالكي مع التحالف الكردستاني ... وصفحة ثالثة مع الكتل السنية الكبيرة الفائزة ... وبذات الآليات .
وقد يلاقي مثل هذا السيناريو قبولا من أول صفحة عند التفاوض مع الإئتلاف الوطني الشيعي فلا يحتاج الى الصفحات الأخر من التنازلات للسنة العرب أو الكرد ... خاصة إذا ما اقتنع الإئتلاف بهذا السيناريو كحلسحري لذهاب لعنةالدكتاتورية عند المالكي وتفرده بالسلطة وحصر كل الصلاحياتوالمناصب به بزمرته ... ومن الممكن حينها أن يُجملوا مثل هذا التحالف بذيول من هذه القائمة أو تلك ... لتظهر الى النور حكومة الأغلبية السياسية ( المرعبة ) المزعومة .
مقالات اخرى للكاتب