من أكثر المصطلحات التي شاعت في الساحة السياسية العراقية بعد الإحتلال وفي ظل معمعة تشكيل الحكومات غير الوطنية هو مصطلح الشراكة السياسية والمشاركة السياسية ... والذي رفعت رايته من أول مشوار تأسيس العراق الجديد القوى العربية السنية وهي تستدرج في كل مرة للوقوع في شركه... بينما كفر التحالف الكردستاني بالشراكة أو المشاركة من قبل أن يقربها ليأوي الى ركنه الركين حيث الإقليم الآمن المطمئن ( لحد الآن على الأقل ) ...وظل الإئتلاف أو التحالف الشيعي يكابر ويحاول حجب شمس هذا التوجه بغربال حسن النوايا بينما يستدرج المساكين وغير المساكين من السنة إلى الوقوع في شراكه وهو يزينه لهم ... حتى إذا ما انفضح الأمر وبلغ الصراع على المغانم بين قوى الإئتلاف الشيعي ذروته وطفى على السطح الخلاف حول تقسيم الكعكة ... بدأنا نسمع ( ولكن على استحياء )حديث عن الفرق بين الشراكة والمشاركة من بعض المضاربين في بورصة الإنتخابات القادمة.
ما أريد قوله إن مصطلح الفرق بين المشاركة والشراكة المشهور يعبر عن ثقافة هدامة خطيرة تهدد العملية السياسية ( ولربما غير السياسية ! ) ... تتمثل بمحورين أساسيين :
1. وجود طرف يمسك بزمام الحكم يرغب بقدوم طرف آخر يمنحه الشرعية ( وليس غير الشرعية ) ... ويعتبره جسرا لا أكثر لتحقيق مشروعه .
2. طرف مقابل أدرك مشروع الحاكم وغايته من إستدراجه معه ... فارتبك أداؤه واهتزت ثقته عندما وجد أنه مجرد برواز لصورة مشاركة ( هذا إن نال شرف البرواز !!! ) .
هي حالة شوهاء ... تتمثل في علاقة لا يمكن أن تستمر ... بين طرف ( غالب على أمره ) لا يرى للطرف الذي أشركه معه دورا أكثر من الذي رسمه له ( تشريفي أو تنفيذي لمشروعه ) ... وطرف ( مغلوب على أمره ) لا يرى في هذا الوضع احتراما لا لنفسه ولا لمشروعه .
أقول ... من المفروض أن المتشاركين في إدارة أي دولة أو مؤسسة أو منظمةيمثلون مجتمعين مفاصلها الحقيقية ... والتي لا يستغني بعضها عن الآخر ...وتعطيل أحدها معناه تعطيل المنظومة ككل ... إنه نظام متكامل كنظام العجلات المسننة في الساعة الميكانيكية ... تنتقل فيه الحركة من عجلة الى أخرى فتحقق القراءة الصحيحة والدقيقة التي ترسمها عقارب تلك الساعة ... وقد لا يرى المحتاجون لمعرفة الوقت تلك العجلات المسننة ( إلا عند إصلاحها ) ... ويبقى مبهورا بجمال حركة العقارب ...ولكن المنصف منهم لن ينكر فضل تلك العجلات المسننة التي لولاها ما تربعت تلكم العقارب على عرشها البهي الذي تحج إليه عيون العالمين .
ولا أدري هل كان من أطلق على مؤشرات الساعة الميكانيكة إسم العقارب ... يقصد تلك التسمية ... أم لا !!! ... فللعقارب بعد أن تتمكن خصلة سيئة تتمثل في أكل من بفضله كان وجودها ... فهل تتعمد تلك المؤشرات أو العقارب ( أحيانا ) الى أن تُذهب ببريق لمعانها ودقة قراءتهاحركة تلك العجلات المسننة... وجهدها الخفي في غيابات الساعة !!!
لا تتصورون أننا نبتعد عن صلب الموضوع ... أبدا ... بل نحن نقترب أكثر ( من ذلك الصلب ! ) خاصة عندما نتحدث عن معاناة أحدى العجلات المسننة في دوامة عمل ساعتنا الأنيقة !!! ... والتي اكتشفت ( مُتأخرة ) أمرا رهيبا يتعدى إبخاس قدرها وتسخيف عملها !!! ... فقد اكتشفت عندما توقفت عن العمل فجأة أنها حلقة زائدة في دائرة العمل !!! ... فالساعة ما زالت شغالة ( أو تسمى شغالة ) !!! ...وإنها لم تكن أكثر من عجلة مشاركة في إكمال شكل الساعة وليس لها علاقة في صناعة حدث التوقيت الدقيق الذي يعتمد عليه أهل الحاجة في رسم كثير من معالم حياتهم العبادية منها والمعاملاتية ... والتفتت تلك العجلة المسننة الى زميلتها عن اليمين والأخرى عن الشمال فهزت كل واحدة منهما أسنانها وهي توحي لها من أن حالهما ليسا أفضل من حالها!!! ... غادرت تلك العجلة المسننة مكانها ... وراحت تلف على سائر العجلات لترى بام اسنانها أن الساعة الميكانيكية التي وعدتهم في يوم من الأيام أن تكون تلبية إحتياجات الزبائن بدقة الوقت مسؤولية جميع أجزاء الساعة ( لا حكرا على عقاربها وبعض عجلاتها فقط ) ... كانت مجرد وعود ... لا أكثر .
وفي الختام ... بالتأكيد أنا لم أقصد الحديث عن العملية السياسية ... ولا مصطلحاتها الثقافية الحديثة ... فقد أكلت العملية السياسية نفسها بنفسها بمهارة فاقت مهارة العقارب بجولات ... وبالتأكيد أنا لم أقصد أيضا تناول ميكانيكية عمل الساعات وقدرة بعضها ( وأقول بعضها ) على العمل وإن سقطت أرضا وتحركت جل عجلاتها عن مواضعها !!! ... ولكني أتحدث بمرارة عن العمل في بعض المنظمات التي تدعي النظام أو المؤسسات التي تدعي المؤسسية في عملها ... والمشاركون في إدارتها ليسوا أكثر من أدوات زائدة في مشروع ينطلق بهم أو بدونهم !!! ...يلفون ويدورون فيه بعجلاتهم المسننة ولا يعرفون ما تقرأ عقارب ساعته !!! ... فواقع العمل يقولإن عقارب ساعتنا تقرأ ما تريد... سواء دارت عجلاتها المسننة أم لم تدر !!! ... وهنا لا أريد أن أعبر عن أسفي على عجلات أدركت حالها وعرفت أحوالها فجلست تتفكر بالحل ... بقدر ما آسف على عجلات لم تدرك واقع حالها وهي ما زالت تدور ... أما الأسف الأكبر فهو على عجلات أدركت حالها وما زالت تلف وتدور !!! ... وإن سأل سائل تلك العجلةالمسننة وقد أدركت العلة ... لم لا تنذرين جميع العجلات بما آل إليه وضع ساعتنا المصون !!! ... أجابت مجتهدة : إنساعة في اليد ( تقدم وتأخر ) خير من عشر ساعات على الشجرة لا نعرف ما تقرأ !!! ... من هنا أنصح نفسي والقارئ الكريم أن نعودونقرأ المقال من جديد !!! .
مقالات اخرى للكاتب