تمرّ الدول و الشعوب بمحن و مصاعب . هذه المحن و المصاعب تتحدى كيان الدولة و تمتحن صلابة شعبها و ارادته .تلعب بعضها دورا هامّا في تحديد هوية الدولة و هوية مواطنيها .
مرّت الولايات المتحدة الامريكية بمحن و مصاعب عديدة , و لكنّ اكبرها تحديّا كانت محنة الحرب الاهلية بين الجنوب الكونفيدرالي و الشمال الفيدرالي .حددّت هذه الحرب هوية امريكا و هوية شعبها .هددّت هذه الحرب النسيج العائلي , حيث تقاتل الاخوان و الاقارب و الجيران . حاول الكثير من السياسيين تأجيلها و وضع مسبباتها تحت الفراش و الى حين ولكن هذه المحاولات فشلت كلّها.فرض الواقع كلمته وبيّن ان الاختلافات بين الفرقاء لا تحلّ الاّ بالحرب , فكانت الحرب .لم يأل الخيرون جهدا لتجنبّها و لا يستطيع ايّ منّا ان يقول بأنّهم قصرّوا في عملهم او انهم تكاسلوا عن ايجاد الحلول لدرئها و تجنبها .كان التفاوت بين الشمال و الجنوب كبير في كلّ مفاصل الحياة ,الاقتصادية و الاجتماعية وكذلك في نظرة الطرفين للحكومة و دورها في الحياة العامة و ما هي صلاحياتها و ما هي العلاقة بين اجزاء الدولة بعضها ببعض .تبلور الصراع اكثر و اكثر على نقطة مهمة جدا و هي الرق و العبودية , و اصبحت هذه النقطة هي اللب و هي المحور للخلافات و الفروقات كلّها. و اصبحت هي الاساس في اي اتفاق يتم بينهما .اتفاقية ميسوري عام 1820 كانت من هذه الاتفاقيات , و فيها وجد المتخاصمون حلاّ مؤقتا للمشكلة. حولها قال توماس جفرسون و هو من اهم رجال السياسة في تأريخ امريكا "هذه الاتفاقية تشبه اجراس الحرائق في الليل ,لقد ايقظتني من نومي و ملئتني بالرعب ,اعتبرها بداية النهاية للاتحاد الامريكي ككلّ" و قد كان محقّا في تخمينه .لم تستطع هذه الاتفاقية حلّ المشكلة و انما ركزّت على ان الزمن وحده كفيل بحلّها .جاءت بعد ثلاثة عقود معاهدة او اتفاقية نبراسكا - كنساس عام 1854 , و من خلالها تجلّى الصراع اكثر و اصبح الشرخ اعمق . لقد كان الواقع الامريكي يسير باتجاه الحرب و لم تكن الحلول المتوفرة للساسة كافية لتجنب هذه الحرب .و اثبتت بأن الزمن و شراء الوقت لن يكون العلاج لحلّها ,كذلك.
ان معالجة المخاطر كالنعامة بدسّ رؤوسنا بالرمال و تجنبّ مواجهتها بصورة مباشرة وعدم وضع النقاط على الحروف ,لا يحلّ المشاكل و انمّا يرسخها و ينميّها الى ان تأتي الظروف المناسبة لكي تهبّ هذه المشاكل من سباتها و تتعقد اكثر اضعاف ما كانت عليه .ان ما يمرّ به العراق و شعبه في هذه الايام مشابه نوعا ما لما مرّت به امريكا و شعبها آنذاك .انها المصاعب و انها المحن , فهل يوجد الرجال المناسبون لحلّها ؟ بنظرة سريعة لهم و ما قاموا به في السنوات القليلة الماضية , سيكون الجواب لا . لا يوجد في العراق ساسة لهم القدرة و القابلية على اخذ العراق و شعبه الى شاطئ الامان .و ان كانت هذه النظرة قاتمة و معتمة الاّ انها الحقيقة المظلمة التي تخيّم على المشهد السياسي برمتّه .لا خروج من المآزق التي يواجهها العراق و شعبه الاّ بوضع النقاط على الحروف و مواجهة المصاعب بشكل مباشر و ان كانت هذه الحلول صعبة ,الاّ انها ستحدد هوية العراق و هوية شعبه و تصقل اجياله المستقبلية و تضعهم على المسار الصحيح المتوخى من العراق و من اهله . يجب مجابهة و دحر ثقافة القتل . يجب الوقوف على اسبابها و معرفة منابعها و روافدها , و ايجاد الحلول الواقعية لتغييرها بعد ان تأّصلت لدى البعض في السنوات الماضية و اصبحت طريقة الحياة الوحيدة المعروفة لديهم .اصبح الدم العراقي رخيصا جدا على العراقيين انفسهم, فما بالك غيرهم .الرشوة و سوء الادارة يجب تحجيمهما على الاقل و الاّ فأنهما سيهدّا الدولة و مؤسساتها بالكامل و يشلاّ حركة المجتمع و تقدمه .يجب النظر و بعين ثاقبة ,هيكيلية الدولة و دورها في حياة الفرد و حياة المجتمع . يجب النظر بطبيعة النظام السياسي القائم الان و ايجاد طرق لتغييره او تعديله بما يلائم خصوصيات العراق و شعبه .
*** لا احد سواي يعلم أنّ حذائي يؤلمني ( مثل انكليزي )
مقالات اخرى للكاتب