مصيبتنا الازلية مع الحب والتعاطف - ولا ابرىء نفسي الامارة - ان الهوى فينا خبل كما يقول محمد المصباح !!! فيكفي ان تتعلق بمخلوق حتى وان كان حاسوبا يعمل بنظام ويندوز ٩٨ طاب ثراه ، لكي تعمى البصيرة والبصر معا عن اخطائه ولا يشفع لهذا الحاسوب الستوك لو تبرأ الفقير لله "بيل گيتس" من انتاجه المعتق . حتى كاننا خلقنا لا نعشق الا المعصومين من الخطل والزلل . فاذا كان بطلك الشاعر الجواهري - وهذا ينطبق علي شخصيا - فانك لا ولن ترضى بان تراه شاعرا فقط ، بل تحتال بشتى الحيل لتقنع الناس بان معشوقك هو ليوناردو دي كابريو في الوسامة وتام كروز في الاناقة والمستر بين في خفة الظل و حاتم الطائي في الكرم . فاذا كنت يساريا وضعته في خانة الرفيقين التقدميين هوشي منه و جيفارا بالنضال واذا كنت اسلاميا فهو الحاج ابو ذر الغفاري دون تقبل اي مساومة او انصاف حلول . لاشيء يضعنا في مأزق حقيقي مع انفسنا والاخرين سوى هذا الاعجاب المدفوع بشحنة العاطفة حدا لم يبق فيه ندحة للعقل لكي يمارس شيئا من دوره . في احدى محاضراته عن الامام علي (عليه وعلى ابن عمه افضل الصلاة والسلام) ، يكشف المفكر الايراني عبد الكريم سروش جانبا مضيئا من شخصية المفكر المسلم الشهيد مرتضى مطهري . يروي سروش ان مطهري سئل ذات يوم عن مقولة تنسب للامام فيها ما يستشف منه تعريض بالمرأة ، وقد ثبت بالبحث للعلامة الشهيد صحة نسبة المقولة للامام عليه السلام ، ما يعني في عرفنا نحن العاشقين الذين فينا الهوى خبل ، مأزقا حقيقيا خاصة واننا نتحدث عن مفكر شيعي كبير يعتمر العمامة ويرتقي الاعواد في كل يوم للتعريف بفضائل الامام . رد المطهري في حينها بكل بساطة ووسط ذهول الحاضرين الذين كأن على رؤوسهم الطير : "گفت ديگه ... ما یعنی باللغة العربية : "نعم ، لقد قالها " وكانت عبارته مصحوبة بابتسامة خفيفة . كان بامكان الشيخ المطهري ان يهرب من المازق بالف طريقة وطريقة خاصة وهو الباحث الحاذق والخطيب المفوه ، لكنه لم يشا ان يخادع نفسه او يخدع الاخرين . انظر الى الغزل في اشعارنا المازوخية المستهلكة ، فالحبيب عند شاعرتنا المبدعة لا يقل اشراقا عن البدر التمام في الليلة الظلماء ، وفي المقابل فان الحبيبة عند شاعرنا المبجل مزهرية هولندية خلق الله منها نسخة واحدة لا شريك لها والويل ثم الويل ثم الويل لمن اتهم "لغودهه" بالترهل او انفها بالفطاسة او عينيها بالحول اعاذكم الله من طامته الكبرى . طبعا في قرارة القلوب الجميع يرى مواضع الخلل كما يرى الشمس في رابعة النهار لكن صاحبنا الذي هام في حبيبته هيأ العدة كاملة لمواجهة اي اثارة او مؤامرة دنيئة تحاك في ليل للانتقاص من تركيبتها الملائكية التي تقربها الى كلوديا شيفر زلفى . وما يجري في اشعارنا ينسحب تلقائيا على تراثنا الموسيقي الذي يعج باغنيات تلصق الكمال المطلق بالمحبوب . هذا عن الحب ، لكن ماذا عن البغض الذي تكفي اساءة عابرة و غير متعمدة لزرعه في الصدور ، ولان "دخول الحمام مش زي خروجه" ، فان هذا الحقد يظل يغلي كالمراجل في الصدور ولا يخفف من حدة الغليان ان الطرف الاخر فيه بعض الفضائل الانسانية . جزء كبير من ازمتنا المعاصرة هو هذا التعلق الزائف بالابطال ، سياسيين، رياضيين ، رجال دين ، مسؤولين ، شعراء ، مثقفين والقائمة تطول وتتسع حسب الظرف المُعاش . في عام الفين كنت ادرس مادة "گرافيك دزاين" في ولاية نيوجرزي وحدث ان سفرة نظمها القسم الى منطقة ريفية جميلة . وما ان تحركت بنا الحافلة مطلقة عجلاتها للريح حتى تحول ذلك الاستاذ الملتحي "الهيبة" بقدرة قادر الى راكب عادي من ركاب الحافلة الانبقة ، فقد تمرغت هيبته مع اول مزحة مارسها معه من يصغره بربع قرن . ولم يخاطب استاذنا الجليل بلقب "بروفيسور" احد الا انا سعيا مني او بالاحرى ظنا مني بانه سعي للمحافظة على بقايا هيبته الممرغة حد الشفقة . بعد مرور خمس دقائق من بداية مباراة الكرة انتحى بي الاستاذ "الهيبة سابقا" جانبا وقال لي ما معناه : انا مايكل كما انت هميد . وانت الان تجيد اللعب بالكرة افضل من اجادتي الدرس الذي ساحشره حشرا في دماغك غدا ... ارجوك خاطبني باسمي لاستمتع بهذه الاجواء الشبابية ، ففي كل مرة تخاطبني بلقبي العلمي تعيدني الى قاعة الدرس وتفسد علي السفرة مع طلابي الرائعين ... "انتبه هميد الان انا مايكل وغدا بروفـ ... شت " ... منذ تلك السفرة "الگشرة" وانا مازلت مسطولا حتى هذا اللحظة ، اذ كيف يتسنى لشخص واحد ان يكون في يوم مايكل وبعده مباشرة يصبح بروفيسورا أد الدنيا . شغلة متخش بالمخ.
مقالات اخرى للكاتب