لم تعط الجلسة الاولى للبرلمان الجديد انطباعا إيجابيا عما سيكون عليه وضع البرلمان الجديد. بل رسخ التوجسات التي عبر عنها البعض من أن يكون البرلمان الحالي أسوأ من سابقه ، الذي كان هو الاخر أسوأ من الذي سبقه . مبعث الاحباط هذه المرة أيضا ليس تركيبة المجلس التشريعي وحسب إنما استمرار تحكم الكتل بتقرير الامور في ظل عدم توافق وغياب للثقة بينها . هذا ما حدث في الدورة البرلمانية السابقة التي بدأت بـ"حفل افتتاح" وبعده انقطاع لشهور قبل ان تنتهي الصفقة التي أبرمت بين الكتل وصادق عليها النواب في جلسة واحدة وبسلة واحدة شملت الرئاسات الثلاث.
في هذه الدورة ، كانت الاطراف السياسية الداخلية والخارجية تتسابق في المطالبة بالالتزام بالمواعيد الدستورية . شخصيات داخلية سياسية ودينية ، أطراف خارجية على راسها الولايات المتحدة كانت حريصة جدا على "قدسية" التوقيتات الدستورية ، منسجمين في ذلك مع العقلية الشرقية التي تهتم بالشكليات وتنسى الجوهر . كالمتدين الشرقي الذي يقدس الطقوس ويلتزم بالعبادات دون أن يعلم - في الغالب- مقاصدها ولا يتحلى بها .
إنعقدت جلسة القسم البرلماني ، لكنها لم تنجز ما نص عليه الدستور ، أقله انتخاب رئيس المجلس ومعاونيه ، ليكون مجلسا مكتملا يعطي بعض الامل للناس بان الحل السياسي قطع خطوة الى الامام . لم يستطع ذلك لان التوافق لم يحصل كالعادة . التوافق هو – في الظاهر – على أسماء مرشحي الرئاسات الثلاث . هذه المرة تكون القضية أصعب . في الانتخابات السابقة (قبل الاخيرة) كان الخلاف يدور فقط حول شخص رئيس الوزراء ، فيما كان مرشحا رئاسة البرلمان والجمهورية محسومين . أما الان فان المجموعتين السنية والكردية لم تحسما مرشحيهما لرئاسة البرلمان والجمهورية ، فضلا عن عدم حسم رئاسة الوزراء ، الامر الذي يجعل من الاتفاق أطول مدىَ ، لن يقصّر هذه المدة ، منع المحكمة الاتحادية الجلسة المفتوحة التي استعيض عنها بجلسات متعددة .
يشكل الواقع الجديد الذي فرضته أحداث الموصل وتوغل الارهابيين وما نتج عنه من خروج مدن كبيرة من سلطة الدولة سواء بيد داعش ، أو على يد البيشمركة التي زحفت تحت جنح داعش لـ"تطبق" المادة 140 من جانب واحد وتضم عمليا المناطق التي أسموها في الدستور بـ"المتنازع عليها" . يشكل عائقا جديدا أمام تشكيل الحكومة .
فالعديد من سياسيي الحاضنة السياسية (لداعش) ، وكذلك سياسيون كرد يصرون على ان لا عودة الى عراق ما قبل 10 حزيران .. كيف سينعكس ذلك على مجلس النواب تركيبة وأداءً؟.
بعض حاضني داعش يصرحون بان الحكومة يجب ان تأخذ في الاعتبار القوى الجديدة التي فرضت نفسها على واقع الموصل وصلاح الدين وغيرها ، فماذا يعني هذا ؟ هل يطالبون بحصة لداعش وتنظيمات البعث في الوزارات العراقية ؟ كيف ستمارس الحكومة المقبلة دورها في محافظات خارجة عن سيطرتها ؟
فقدان الثقة كان سببا رئيسيا في فشل التوافق بين الاطراف السياسية منذ التغيير في 2003 . اليوم باتت الهوة أعمق بين الفرقاء ، ومعها بات التوافق السياسي اكثر صعوبة من قبل .
مقالات اخرى للكاتب