هب - يا رعاك الله - انه لايمت للدوحة المحمدية الزاهرة بادنى صلة ، وهب انه لم ينسل من صلب علي بن ابي طالب وهو اشرف الاصلاب الذي يتشبث به حتى اعداؤه ، وهب ان عم جده لابيه ليس ريحانة الرسول ، وهب ان جده ليس سيد شباب اهل الجنة ، وهب ان جده غير سيد الساجدين وزين العابدين شاهد العصر على افجع جريمة قبحت وجه التاريخ . وهب ان اباه ليس باقر العلوم الذي لقبه اصحاب الطريقة بصاحب المعرفة الكاملة والحقيقة الشاملة . اخلع كل هذا العمق الاسطوري الذي لم يجتمع لاحد قبله ، وادخل ساحته القمراء متجردا من كل شيء ، و أول ذلك، النفس الطائفي الذي يكاد يطبق على انفاسنا ويجهز على آخر رحلة شهيق وزفير في قصباتنا الهوائية المنخورة . دعك عن كل ذلك وأَمط اللثام هذا الكنز المذخور ولا تلتفت الى ما يقوله فلان ، أو يخفيه علّان فكل من " كراعين لشّته" سيعلق ولا يغني عنك او الحق شيئا . فانك لست مسؤولا عما تعلم فقط ، فهذا تهميش لعدل رب العالمين ، انما انت مسؤول عما جهلت وكنت متمكنا من علمه وهذا اعظم ما في يوم الحساب . فتعامل مع الموصول بسبب الى الله بتجرد وستكتشف ان كل يوم امضيته قبل اكتشاف هذا العلم المائج والبحر الهائج كان خسارة لا تعوض بل هو الخسران المبين ، وان وضعوا "بيل غيتس"َ بقضه وقضيضه في جيبك الايمن و منافسه "وارن بافت" في جيبك الايسر . انه فتى الفتيان الذي انتقلت الحضارة الاسلامية على يديه من المنقول المكرور الى المعقول المتجدد والعلم الحديث الذي سبق علوم زمانه بقرون . فاذا تكلم فهو سيد السادة ، واذا سكت فهو ابلغ من متكلم ، واذا افتى فهو الفقيه المبرز ، واذا روى فهو الصادق الذي لا يجارى ، واذا جاد فهو الراحة الندية التي لا تجف عطاء وكرما ، واذا ناظر فغر كل مَن أمامَه فاه ذهولا وتعظيما له ولله ، واذا تحدث بالكيمياء راح ابن حيان يقرر كل صغيرة وكبيرة تخرج من فمه المسك يكاد لا يفرط بشىء ... حتى اذا اسلم الامانة الى بارئها كان اكثر من الف فقيه يقول في مدرسة جده : حدثنا ابو عبد الله . هذا القلب الوادع المطمئن بايمانه لم ينقل عنه رواة التاريخ معالجته النوم على سرير طيلة سبعين عاما عاشها رغم المصائب العظام ، فيما كان خلفاء البغي يحوكون الدسائس الدنيئة والمؤمرات الرخيصة للاطاحة بعلمه ومكانته ليخلو لهم بعد ذلك دحرجة راسه الشريف ... وانّى لهم ذلك قبل ان يتم الله نوره ولو كره العباسيون ومن قبل الامويون . واذا كانت "امتنا" اليوم لا تجتمع على هذا الرجل الذي ينقل عنه انه ولد لابي بكر مرتين ، فعلى من ستجتمع ؟ الجده الاكبر الذي قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ؟ او لِجده الحسين الذي قتل بسيف جده بغيا ؟ ام لجده علي بن الحسين الذي تمرد على خليفة زمانه العادل فلم يواسه بنكت طقم اسنان ابيه وهي تترنح في طست الخلافة الدموية الراشدة ؟ حقا انه من هوان الدنيا على الله ان نستجدي احياء ذكر قامة علمية وفكرية شرفت الانسانية جمعاء وليس العرب والمسلمين فحسب بعطائها الانساني الثر . قامةٍ ازدحم في كيانها خلق الانبياء وحكمة العظماء وكرم الباذلين وصدق العارفين فكانت امة في رجل . ترى هل تدفع هذه الامة المهزومة ثمن انتساب طائفة مسلمة الى اسمه الشريف ؟ ام انها تدفع ثمن انتساب الصادق للانزع البطين فلا تشفع له ولادته لابي بكر مرتين ولا آلاف المرات ، وحسبنا محمد بن اسماء بن عميس الذي طمس على ذكره تاريخنا الموقر ولم تشفع له "مثالبه" ان يكون ابنا للخليفة الاول . اذا اردت الجواب عن اجوبة لعلامات الاستفهام هذه فابحث عنه في دهاليز دولة بني مروان فعندهم الخبر اليقين . ولا يخدعنك من يستشهد لك " بتلك امة قد خلت"... لانها آية حق يراد بها الباطل . وهي شبيهة بـ "الحكم لله" التي كان يتذرع بها الخوارج وهم يواجهون سيل علي بن ابي طالب المتحدر على لسانه من السموات السبع الى منبر الرسول .
طاب صومكم ويومكم
مقالات اخرى للكاتب