كل مؤسسة تدار وفق خطة، يتم وضعها بالاستناد لعدد من الحقائق من الواقع، ويتم التعديل عليها مع المستجدات، هذا بالنسبة لأي مؤسسة صغرت أم كبرت، ومهما كان نشاطها، وبالنسبة لإدارة دولة، فبدون الخطة والتخطيط لا يمكن ان تستمر أو أن تحقق أي نهوض، وعلى كل المستويات.
العراق بعد التغيير وخاصة السنوات الثمان الخوالي، كان يدار بعقلية لا تعرف معنى الخطة، وكيف تضعها؟ وكيف تنفذها؟ إضافة إلى انعدام قدرتها على استنساخ تجارب والاستفادة منها، وهذا على كل المستويات، السياسة الداخلية والخارجية والاقتصاد والأمن وسواها.
بما أن الهاجس الأمني اليوم هو الأشد ضغطا على الشارع العراقي، نتناول هذا الملف، بعد أن استنهض الشهيد أبو ريشة همم العشائر، لمواجهة تنظيم القاعدة الإجرامي، وما قام به من جرائم بحق أهل الانبار بصورة خاصة، وأبناء العراق بصورة عامة، تمكن من بسط الأمن بشكل تام في الانبار، من خلال تشكيل الصحوات، لكن بعد استشهاده ، بدأت الأمور تنهار بالتدريج، حتى وصلنا إلى اليوم، حيث تبسط داعش سيطرتها على الانبار والفلوجة.
فلماذا نجح الشهيد وفشل خلفه.؟ ولماذا نجح الشهيد في الانبار في حين فشل الآخرين في محافظات، ومدن أخرى من العراق؟ رغم أن الإمكانات كانت أكثر والدعم أقوى، لو كانت هناك حكومة واعية ومدركة لدورها، لبحثت الأسباب، التي نعتقد أن السبب الرئيس أن أبو ريشة الشهيد، كان مدفوع بالثأر لمن قتل من أسرته وما انتهك من أعراض، لذا عمل ضد القاعدة بصدق وبعيد عن أي أجندة، لكن ما بعده دست القاعدة شخصياتها في تشكيل الصحوات وقيادتها، مما افشل المشروع برمته.
الحكومة العراقية حاولت استنساخ تجربة أبو ريشة، من خلال تشكيل مجاميع مسيسة قريبة من الصحوات، واختارت لها قيادات حسب الولاء للحكومة وليس للعراق، حيث شكلت مجالس الإسناد وكانت تابعه للحزب الحاكم، ومن بعدها شكلت أبناء العراق في وسط وجنوب العراق، أما في المحافظات المضطربة فتم تشكيل قوات العشائر التي كانت تقاتل الجيش ليلا، وتدعي مساندته نهار، وصرفت الحكومة مليارات لدعم هذه التشكيلات من تسليح ورواتب وشراء ذمم، كلها تحولت إلى دعم لداعش والقاعدة، وتضاعف هذا الدعم من الغنائم التي كان يسلمها الجيش، عن طيب خاطر للمجرمين، وينسحب كما في الانبار والموصل وتكريت وجرف الصخر.
اليوم تعلن الحكومة عن تشكيل كتائب من أبناء الموصل، لمقاتلة داعش الذي استقبلوا بالزغاريد، وهذه الكتائب طبعا سوف تشكل بعيد عن أنظار الحكومة، ولا يمكن تدقيق منتسبيها، بل كل ما على الحكومة أن تصرف مليارات لعشرة ألاف مقاتل، ابسط الإشكالات أن يكونوا أسماء بلا شخوص.
أن هذا التخبط وانعدام الرؤية، لا يمكن أن يحقق أي شيء على الأرض، وهذا ما أثبتته التجارب السابقة، لكن ما يحتاج إلى التحقق هو سر الإصرار على معالجة الفشل بالا فشل، ويتم دعم الأعداء وهل ينم هذا عن جهل من قيادة القوات المسلحة والحكومة؟ أم تطبيق لأجندة مجهولة، تقتضي دعم المخربين لتحقيق توازن مع قدرات الدولة العراقية وجيشها، الأمر يحتاج إلى وقفه جادة، قبل أن تتحول كل الإمكانات لداعش، كما تنبيء تصرفات الحكومة اليوم...
مقالات اخرى للكاتب