على مدى ايام الاسبوع الماضي استأثر موضوعان باهتمام وسائل الاعلام العراقية والكردية، الاول موضوع استجواب وزير المالية هوشيار زيباري في البرلمان والثاني زيارة وفد حكومة اقليم كردستان الى بغداد، والذي كان في حقيقته يمثل الحزب نفسه، وبحسب رأي مراقبين سياسيين فان المسألتين مرتبطتان ببعضهما البعض، ولذا رايت ان من الضروري ان اكرس مقالي هذا لكلا المسألتين وان اطرح رؤيتي حولهما وفقا للمعلومات التي توفرت لي.
ان البرلمان العراقي في الحقيقة، يشهد تطورا كبيرا سواء على صعيد تشريع القوانين او على صعيد مراقبة ومساءلة الحكومة، بعد ان فشل رئيس الوزراء حيدر العبادي الى حد ما في تحقيق برنامجه الاصلاحي ومحاولته إلقاء التبعة على البرلمان واعضائه، وتوجيه غضب الشارع العراقي جراء فشل الحكومة، ضد البرلمان ليخرج منها بطلا، ولكن ما إبتغاه العبادي انقلب الى عكسه، اذ ان اعضاء البرلمان بعد احساسهم بهذا الاستهداف، فعلوا اداء البرلمان ونشطوا في مجالي اقرار و تشريع القوانين ومراقبة ومساءلة الحكومة واستطاعوا خلال فترة قصيرة ان يخطون خطوات كبيرة رافضين الخضوع للضغوط الكبيرة التي تعرضوا لها والحرب النفسية والاعلامية التي شنت ضدهم، حيث تمكن البرلمان من اقرار قانون تحريم حزب البعث وقانون العفو العام وقانون المنافذ الحدودية وقانون الجامعات والمعاهد الاهلية والعديد من القوانين الهامة الاخرى، فيما اظهر البرلمان شجاعة في مجال المساءلة ، ابتداءا من استجواب وزير الدفاع وسحب الثقة منه وانتهاءا باستجواب وزير المالية والسير نحو سحب الثقة منه.
وفي هذا التوقيت وصل وفد الحزب الديمقراطي الكردستاني تحت تسمية وفد حكومة الاقليم الى بغداد، اذ ان رئيس حكومة الاقليم هو نفسه نائب رئيس الحزب ورئيس الوفد، الذي لم يضم عضوا واحدا من اي حزب كردستاني اخر المشارك في حكومة الاقليم، اضافة الى مشاركة د.شاويس وهو عضو المكتب السياسي للحزب والذي لا يملك اية صفة حكومية في حكومة الاقليم.
وقد صدر عن حكومتي بغداد والاقليم بيانان تطرقا الى ان اللقاءات تناولت قضية النفط والميزانية والاتفاق الجديد، دون ان يشارك في الوفد وزير الثروات الطبيعية في الاقليم ، ناهيك عن ان الوفد التقى اضافة الى الاطراف والجهات الحكومية اطرافا سياسية سنية وشيعية، وكان موضوع سحب الثقة من وزير المالية جزءا من الاجندة التي تضمنتها زيارة الوفد، رغم انه وبحسب معلوماتي كان قرار ارسال الوفد الى بغداد قد جاء بعد زيارة مسعود بارزاني الى تركيا ولقائه بكل من اردوغان وبن علي يلدرم وان التحضير له تم في تركيا ويرتبط بالتحولات في تركيا والتنازلات الكبيرة التي قدمتها تركيا لكل من روسيا وسوريا وايران والعراق على حساب قضية الكرد في المنطقة، وان عودة الحزب الديمقراطي الكردستاني الى بغداد هو نتيجة وهدف من اهداف تركيا.
وبعد استجواب الزيباري يوم الخميس 25 آب في البرلمان العراقي لم يدرج موضع قناعة او عدم القناعة باجوبة الوزير في جلسة البرلمان التالية يوم 27 آب حيث طلب النائب هيثم الجبوري الذي تولى استجواب زيباري ادراج ذلك في جدول اعمال الجلسة، وهو ما اغضب اعضاء كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في البرلمان حيث حاولوا اعاقة تلبية هذا الطلب، لكنه اصر على طلبه ولذا تعرض من قبل اعضاء الكتلة الى اعتداء تضمن السباب وقذفه بقناني الماء واللكمات.
وفي الحقيقة فان جزءا من اجوبة الوزير يمكن ان تكون موضع نقاش وقناعة، وكان هناك في البرلمان اراء متباينة، لكن هجوم كتلة الحزب بهذه الصورة على هيثم الجبوري عكس المعادلة لصالح طلبه وغير رأي الغالبية من النواب لصالح عدم القناعة باجوبة الوزير مما مهد الارضية ووفر فرصة كبيرة لسحب الثقة منه.
ان سحب الثقة من زيباري يعتبر ضربة موجعة للحزب الديمقراطي الكردستاني لان زيباري ليس مثله مثل الاخرين، اذ كان في منصب كبير وابعد عنه، وهو جزء من العائلة البارزانية وخال رئيس الحزب مسعود بارزاني والوزير الوحيد الذي استمر في كل الحكومات العراقية التي تشكلت بعد عام 2003 ابتداءا من حكومة اياد علاوي والجعفري وانتهاءا بحكومتي المالكي واخيرا حكومة العبادي التي استلم فيها منصب وزير المالية لذا فانه معروف في الشارع العراقي بصنم الحكومات العراقية.
وأرى ان عمل الوفد يتجه في قضية النفط والميزانية الى تحقيق اتفاق جديد وتطورات كبيرة تتوافق مع التطورات التركية، ولكن بخصوص موضوع بقاء الزيباري فاني اعتقد انهم لن يوفقوا، لان مناخا جديدا خلق في البرلمان لا يستطيع معه اي من القوى السياسية السيطرة على اعضائه عند التصويت، وان زيادة حجم الضغوط على اعضاء البرلمان سيأتي بنتائج عكسية وسيزيد من اصرار الاعضاء على اقالة زيباري. واذا اجرينا مقارنة بين حالة اقالة العبيدي وموضوع زيباري سنجد ان في موضوع اقالة العبيدي كان هناك 9 اصوات الى صالح القناعة باجوبة العبيدي وبعدها وقع 63 نائب على طلب اقالته فيما لم يصوت الا نائب واحد على قناعته باجوبة زيباري فيما وقع اكثر من 100 عضو على طلب اقالته وبهذا يتضح ان اللكمات التي وجهها الحزب الديمقراطي لهيثم الجبوري اصابت زيباري نفسه.
مقالات اخرى للكاتب