حزب الدعوة الإسلامية من دون نوري المالكي؟
هذا السؤال لن تحصل على إجابة عنه، إنه يمثل الفكرة الأكثر تخويفاً للدعاة.
لكن لنقدم السؤال بطريقة مختلفة: نوري المالكي، من دون حزب الدعوة الإسلامية؟ ستحصل على ألف إجابة، كلها تقول لك: وليكن، فأينما سيذهب المالكي، حتى لو ترشح عن حزب جديد، سيأتي حزب الدعوة الإسلامية معه.
لقد مرّ حزب الدعوة بمرحلة حاسمة من تاريخه، مع وصول المالكي إلى السلطة، دخل في نوبة من الكسل والاستسلام لفكرة "التوطن" في رئاسة الحكومة، وصارت أذرعه "الحزبية" مقطوعة، لا تملك صلات واقعية بالشارع، وشيئاً فشيئاً تحولت فكرة الدعاة، إلى خبر كان، وصار ممثلوها يتماثلون مع ثوب الموظف الرفيع، والقيادي، الذي يحرص على السكن في منصبه فترة اطول.
كان هذا تماثلاُ مع دور المالكي نفسه. هم مالكيون، وليس دعاة.
في المؤتمر الانتخابي الاخير لحزب الدعوة الإسلامية، والذي انتهى بتجديد الثقة بالمالكي اميناً عاماً للحزب، خرج بيان أوقع الحزب في فخ "الشفافية"، وأظهر ما كان خفياً، أو ما فاحت رائحته من قاعة الاجتماع، وكواليس الدعوة. البيان المقتضب – وهي ليست عادة بيانات مؤتمرات الدعاة وأحزابهم – اكتفى بذكر الطريقة التي فاز فيها المالكي. لم يكن هناك عدد اصوات، ولم يكن هناك نسب أو قوى تصويتية توضح كيف فاز المالكي، ومن هم منافسوه، وكم من الأصوات حصدوا.
كان من الواضح أن للمالكي خصوما من داخل حزب الدعوة. ثمة دعاة صقور يعتقدون ان المالكي لا يستحق هذا المنصب، بعض من هؤلاء أرفع درجة بين صفوف الدعاة.
لكن المالكي حقق الكثير على صعيد تقوية نفسه في السلطة التنفيذية، ليكون قوياً بالضرورة داخل الحزب. ليس سهلاً أن يخسر رئيس الحكومة مكانته الحزبية، وهو الذي يملك السلاح والاستخبارات، ومصادر المال العام، وقوة سياسية مؤثرة في البرلمان، بل علينا أن نقول ليس صعباً ان يرتقى مكانة أرفع في الحزب، قد يستحقها غيره.
المالكي، أيضاً، احدث انقساماً في حزب الدعوة، فهو الذي قرّب فريقاً من الدعاة الذي نشطوا معه في نهاية الثمانينات، دون غيرهم، هؤلاء مستشاروه، ومنظرو أفكاره السياسية والامنية، وهم بسببه أقوياء ومؤثرون، ويتفوقون على دعاة، لا يحبهم أبو إسراء، ولا يمكن لهم الفوز بجزء من نفوذ السلطة التنفيذية.
حزب الدعوة الإسلامية أقرب إلى حزب اخر، مختلف، لا علاقة له تقريباً بالدعوة.
الكثير من الدعاة، الذين لم يحصلوا على فرصة العمل الحكومي مع المالكي، يشعرون بالخيبة، لأنهم في حزب السلطة، ولا يتمتعون بها. وهؤلاء غالبا ما تركز عليهم الأضواء، وبالطبع ليست أضواء النفوذ والاهتمام، بل أضواء الاستفهام عن ادوار فريق غير ظاهر، وغير مؤثر.
ويبدو ان هذا الفريق الكسول والمعزول من الدعاة لن يستطيع فعل شيء، لأنه لن يقوم بحركة تغيير داخل الحزب، حتى لو تضمنت تعزيز مكانة الدعوة والمالكي معاً في السلطة، خصوصاً في فترة مثل هذه التي يمر بها رئيس الحومة، المهدد فيها بفقدان الشعبية. وهؤلاء لن يتركوا الحزب، أو يخاطروا بالترشح بعيداً عنه، لأنهم لن يفوزوا من دون المالكي.
لذا فإن المالكي يفوز بالسلطة، ويخسر تقاليد الدعاة وحزبهم.
مقالات اخرى للكاتب