ما ان بدأ القصف الروسي لداعش في سوريا، حتى انطلق الهجوم على روسيا من أميركا وكل توابعها بما فيهم المملكة السعودية. وكانت التهم جاهزة لاستهداف المدنيين وسقوط ضحايا بينهم، والكثير من اللغط حول المطامع الروسية، خاصة من كل من لم يفتح فمه يوماً حول المطامع الأمريكية. وتحدى لافروف أن تقدم أي دلائل على ان القصف الروسي قد تسبب في سقوط مدنيين، بينما كشف بوتين أن اول الإشاعات عن سقوطهم قد أطلقت قبل ان تقلع الطائرات الروسية من مطاراتها! وكما هو متوقع قاد الحملة في البيت الأبيض والكونغرس، الصقور من أمثال جون ماكين، الذي لم يكتف بالتباكي على الأطفال والنساء الذين يسقطون تحت القصف الروسي حسب قوله، بل بدا فاقداً أعصابه لاحتمال انهيار داعشه تحت ضربات حقيقية، إلى درجة أنه دعا صراحة إلى إسقاط الطائرات الروسية بتسليح الجيش الحر بالأسلحة اللازمة لذلك "كما فعلنا في أفغانستان في الماضي"، معترفاً بأنهم يقفون وراء خلق ودعم طالبان وكل الإرهاب في العالم اليوم! (1)
ويمكننا أن نفهم مدى جنون هذا التصريح لو تخيلنا برلمانيا روسيا يدعو علنا لتسليح الأسد بأسلحة تهدف إلى إسقاط الطائرات الأمريكية فوق سوريا! علما أن هذا الأخير أكثر شرعية بكثير، لأن الأسد من حقه اسقاط اية طائرات فوق ارضه.
وردود الفعل تلك، رغم خطورتها الجنونية، تكشف لنا بدليل آخر من يقف وراء الإرهاب في سوريا والعراق، ومن يحاربه وتكشف أيضاً مدى نجاح العمليات الروسية أكثر مما تكشفها الأفلام التي تقدمها روسيا عن عملياتها. ويكشف رد الفعل المنفلت أيضاً أن الأمريكان يدركون أن اللعبة قد بدأت نهايتها وسرعان ما ستلفظ أنفاسها الأخيرة في سوريا بفضل الروس.... لكن ماذا عن العراق؟
خبران صغيران جداً يكشفان الوضع الكاريكاتيري المأساوي في العراق، الأول من وزارة الخارجية الروسية يقول إنها “ستبحث أي طلب من حكومة العراق لشن ضربات جوية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق لكنها ذكرت أنها لم تتلق مثل هذا الطلب." (2)
والخبر الثاني في رد العبادي على سؤال عما إذا كان قد ناقش مع روسيا الضربات الجوية في العراق، ذكر العبادي، أن "هذا لم يحدث حتى الان"، مستدركاً بالقول إن "هذا محتمل، وإن العراق سيدرس مثل هذا العرض إذا قدم إليه، وسيرحب به". (3)
والمسخرة أن رئيس حكومة الدولة التي تواجه أعظم خطر في تاريخ وجودها، لا يذهب للبحث عن حل في كل شبر من العالم لدولته كما يفترض بالشخص السليم في مثل هذا المنصب، لكنه "ينتظر" عرضاً لإنقاذها من دولة أخرى، واعداً انه "سيدرس" العرض وسيرحب به! فهل من عجب أن تحطم البلد الذي يحكمه مثل هذا "الرجل"؟
وطبعا فهو يأمل ويندعي من ربه كل يوم ألا يتجاوز الروس العرف الدبلوماسي ويقترحون مثل هذا الاقتراح المحرج، لأنه إن قبله سيغضب أميركا عليه، وإن رفضه فسيفضحه موقفه امام شعبه.
وسبب إحراج العبادي، هو ان التحالف الذي جاء به إلى الحكم، ثم أعاد له الفضل وأدخله العبادي إلى بلاده ومنحه الحصانة التي رفضها من قبله، قد أمضى سنة كاملة في "محاربة" داعش دون أي أثر، إلا اللهم توسع داعش وسيطرتها على مساحات هائلة من البلاد.
وانتبه صديقي منير التميمي إلى أن داعش قد أصدرت تعليمات لأعضائها بوقف الصلاة في المساجد خوفا من استهدافها من قبل الطيران الروسي، معلقاً بأن هؤلاء "المؤمنين المتطرفين" لا يبدون متحمسين للاستشهاد والذهاب إلى الجنة وملاقاة "عور العين"! ولاحظ بذكاء: "خلال عام كامل من غارات ما يسمى بالتحالف الدولي ضد داعش، لم يضطر الدواعش يوما ان يوجهوا تعميما كهذا في سوريا والموصل. لكنهم وبعد يوم واحد فقط من بدء العمليات الجوية الروسية، صاروا يخشون التجمع في المساجد وغيرها !!!"
ومقارنة محرجة أخرى للعبادي، حين نتذكر أن وزير الدفاع السابق للدولة العظمى في تحالف العبادي، قد ابلغ العالم ان حربها على داعش لن تنتهي قبل ثلاثين عاماً! وقد دهش العالم من هذه السريالية المدوخة لدولة تملك من السلاح بقدر ما يملك العالم كله مجتمعاً، وعصابات متخلفة تتسلح بأسلحة بسيطة. وتزداد تلك "الدوخة" حين ننظر إلى نتائج العام الماضي من "محاربة" تلك الدولة العظمى لداعش، والتي تجعلنا نشك حتى بدحر أمريكا لداعش بعد ثلاثين عاماً، وأن داعش ستستولي على بلدان كاملة بعد ثلاثين عاماً لا أن تدحر.
لكن بضعة ساعات من القصف الحقيقي لمقرات داعش في سوريا، وليس إلقاء المعونات إليها بالخطأ، قد أزالت تلك "الدوخة" وأعادت الأمور إلى قياساتها التي نفهمها ويفهمها كل البشر، ووضعت سؤالا كبيراً على الموضوع كله وادوار كل طرف فيه.
نعم إنه سؤال كبير... يفضح العملاء من العبادي وحكومته من الساسة المنبطحين إلى الكتاب مثل عبد الخالق حسين مروراً بكل الحثالات التي خدعت الشعب وقادت البلاد إلى حضن أميركا ووقعت أو دعمت توقيع الاتفاقيات معها، والتي لم تستخدم إلا لخلق الإرهاب في العراق ودعمه وتحمل على كفها دماء أبنائه.
لكن العبادي ليس وحده في هذا العار، فالكتلة السياسية الأكثر شهرة في المدن التي تحتلها داعش، وبدلا من أن يذهب قادتها لقتال داعش ولو من اجل الصور، فإنهم لا يهتمون لها بل لا يخفون رعبهم من احتمال تحرير تلك المدن من داعش! فقبل فترة أثاروا الكثير من اللغط حول الجهة الوحيدة التي تمكنت من دحر داعش، الحشد الشعبي، واعترضوا عليه وشهروا به. واليوم، وبمجرد البدء بخطة للتعاون الاستخباري بين العراق وروسيا وسوريا وإيران، (4) وحتى قبل ان يبدأ هذا التشكيل عمله، يطلع علينا "ظافر العاني" التي ترزح المدينة التي يحمل اسمها ويسيء إليه، تحت احتلال داعش بكل صلافة ممثلا عن تحالف القوى المشبوه والمشؤوم ليعرب عن "تحفظه الشديد" ليس على دعوة روسيا لقصف داعش، لا سامح الله، بل حتى على التعاون معها ومع إيران وسوريا في تبادل المعلومات عن داعش بحجة "وجود أطراف داخل هذا التحالف غير صديقة للمحافظات التي يعد تحالف القوى أنه ممثل عنها، ووجودها محظور تماماً". وهذه الأطراف "غير الصديقة والمحظورة تماما" هي إيران طبعاً، والتي قام جنرالها سليماني وبعض رفاقه الذين استشهدوا دون غيرهم بتقديم مساعدة سخية وأساسية لتحرير المدينة الوحيدة التي تم تحريرها من داعش، والتي "يعد تحالف القوى نفسه ممثلا عنها"، وأعادتها إلى أهلها! وفوق ذلك، وفي الوقت الذي يرحب هذا المنافق بالمشروع الإسرائيلي لتقسيم العراق والمسمى بالحرس الوطني، فإنه يرى في مجرد هذا التعاون "وصفة جاهزة لتقسيم المنطقة"! (5)
وجدير بالذكر أن تحالف القوى المشبوهة هذا الذي يدعي تمثيل تلك المناطق لم يفتح فمه يوما في إدانة القصف الأمريكي للناس في تلك المدن والمثبت بالصور التي نشرناها في الرمادي وفي عنه وغيرها، بل لا يخجل ان يرفع التهمة عن اميركا ليضعها على إيران التي ليس لديها أية طائرات في العراق. وهنا يجب ان نذكر بأن ما تحدث به ظافر العاني عن رفض تلك المناطق لـ "أحد أطراف التحالف" ليس سوى أكاذيب لا دليل عليها، فلم يسأل أحد سكان تلك المناطق إن كانت تعترض على هذا التحالف الرباعي. وهذه الأكاذيب لا تخلف في طبيعتها عما أكثروا اللغط فيه على رفض السنة للحشد الشعبي، ليفتضح امرهم في أفلام موثقة يطالب فيها الناس بالحشد ويهاجمون الساسة الذين خدعوهم بأن الحشد ضدهم وأنه يعمل لصالح إيران وتسببوا في تشريدهم. وقد أكد كل من الشيخ الهايس وهادي العامري أن الناس في الأنبار والموصل يطلبون الحشد، وأن من يمنع الحشد من التوجه إليهم هو امتناع القائد العام للقوات المسلحة (العبادي) عن إصدار الأمر بذلك! ومن هنا كان عنوان مقالتي: "العبادي بمنصب درع لحماية داعش"!
وهكذا يتعاون العبادي وتحالف القوى لحماية داعش اليوم مثلما تعاونا أمس. لكنهم ليسوا وحدهم في ذلك بالتأكيد. فمن وراء الكواليس يخرج لنا عبقري آخر ليؤكد ودون ان يعطي أي سبب اعتراضه الشديد على الفكرة، بل يكتفي بالقول إنها ستسبب "حرب المحاور" بين الدول الكبرى! كما أنه وفقاً لهذا العبقري سيجعل المنطقة عامة والعراق بخاصة، ساحة لتصفية حسابات المحورين من ثم إعادة رسم الخارطة الإقليمية من جديد"، وسيدفع ليكون لإسرائيل دور فيها! هذا العبقري الفذ ليس سوى نائب رئيس الوزراء السابق، بهاء الأعرجي! (6)
ومن العجيب ان لا يقلق الأعرجي من أن انفراد اميركا وذيول إسرائيل في التحالف الدولي الذي جاء به العبادي، يمكن أن "يدفع ليكون لإسرائيل دور فيها" بل يقلق بالذات من تلك الدول الأكثر بعداً واستقلالاً عن إسرائيل! وعجيب أن يرفض المضطهد الذي ينبطح تحت من يغتصبه، مساعدة من يريد ان يساعده، خوفاً من "حرب المحاور"!
وطبعا فأن مكتب العبادي سارع إلى نفي التنسيق وكأنه جريمة يجب التبرؤ منها، وأكد أنه ليس "تحالفاً" و "لا يعنى بالعمليات العسكرية كما يعتقد البعض"(7) وإنما هو لمجرد تبادل المعلومات! (8)
ما هي نتيجة البلد الذي يحكمه العبادي وتحالف القوى وأمثال الأعرجي؟ لقد كتبت في مقالتي السابقة عن الموضوع "الدعم الروسي لسوريا يثير آمال ومقالق دعم السوفييت لأفغانستان"(9) :"هذا هو الرئيس الذي وضعوه لنا في هذه اللحظة الحرجة من وجودنا، يعبر عن نفسه بوضوح، وهذه هي الأخطار التي تهددنا واضحة أيضاً، ومن بين هذه الأخطار يطل بصيص أمل لإنقاذ العراق، فهل يجرؤ الشعب رغم الوحش الأمريكي وذيوله السامة أن يمد يده إلى هذا الأمل كما فعلت سوريا؟ إنها عملية ليست سهلة، لكنها قد تكون الفرصة الأخيرة للعراق للإفلات من فك الوحش."
وإذا لم يتجرأ العراق على مد يده، ماذا سيحدث؟ ربما نجد الجواب المقلق على هذا السؤال في تعليق السيدة هناء الجابري على منشور منير التميمي حيث أشارت إلى أن قناة الميادين أذاعت أن داعش بدأت بنقل أسرهم إلى العراق! ولا عجب، فحين تجد داعش نفسها في سوريا تحت حمم الصواريخ الروسية وتجد نفسها في العراق تحت مظلة التحالف الدولي وباراشوتات المساعدات بالخطأ التي يصر العبادي على إنكارها مثلما أنكر التقرير البرلماني لقصف التحالف للجيش والحشد، فلا غرابة في تنقل داعش أسرها بل وتنتقل بكليتها إلى العراق! وحين تجد اميركا داعشها التي تعبت عليها وصرفت الكثير واعتمدت عليها لتنفيذ اجندتها الإسرائيلية الكبرى، محاصرة ومهددة بالفناء فلا مفر من أن تبحث لها عن ملجأ آمن حيث يحكم أكثر عملائها انبطاحاً وعجزاً عن الرفض والحركة، والذي سبق له أن أمن لداعش الفرصة للانسحاب من تكريت قبل ان يسمح للحشد أن يستمر بهجومه!
وهكذا بوجود كل هؤلاء في العراق، فأن ما نخشاه أن تتحول الضربة الروسية إلى كارثة للعراق بدلا من أن تكون طوق النجاة كما هي اليوم لسوريا! لذلك فأن الأمل الوحيد للعراق هو بتسليط الضغط الكافي من الشعب ومن المرجعية ومن البرلمانيين المخلصين، لإحراج حكومة العبادي وإجبارها على طلب الدعم الروسي فورا وبلا تأخير، وأن يزيد هذا الضغط على العملاء عن الضغط الأمريكي، وان يخافوا غضبة الشعب أكثر من خوفهم من الغضب الأمريكي، فهؤلاء "ناس تخاف ما تختشيش"، لا تعرف الكرامة ولا الخجل، ولم ينتخبهم الأمريكان لرئاسة البلاد إلا لهذا السبب بالذات، ولمثل هذه اللحظات بالذات!
(1) - John McCain Wants to Shoot Down Russian Planes
http://www.informationclearinghouse.info/article43023.htm
(2) روسيا: سنبحث أي طلب عراقي لشن غارات جوية ضد الدولة الإسلامية - http://www.iraqicp.com/index.html/sections/news/34121-2015-10-02-07-01-31
(3) العبادي: نتلقى قدراً كبيراً جداً من المعلومات بشأن داعش من دمشق وموسكو - http://www.alsumaria.tv/mobile/news/147723/
(4) - بغداد تؤكد وصول خبراء عسكريين روس لتعزيز التنسيق في مكافحة "داعش" - http://www.iraqicp.com/index.html/sections/news/34089-2015-10-01-08-39-09
(5) - تحالف القوى يتحفظ على "التحالف الرباعي" ويعده "وصفة جاهزة لتقسيم المنطقة" - http://www.iraqicp.com/index.html/sections/news/34126-2015-10-02-07-55-07
(6) الأعرجي: التحالف الرباعي مقدمة لحرب محورية سيدفع لعراق ثمنها غالياً - http://www.iraqicp.com/index.html/sections/news/34093-2015-10-01-09-50-00
(7) مكتب العبادي : اللجنة التنسيقية الرباعية ستعمل من بغداد قريباً - http://www.iraqicp.com/index.html/sections/news/34087-2015-10-01-08-12-37
(8) مكتب العبادي ينفي الموافقة على تشكيل خلية التنسيق العسكري للتحالف الرباعي - http://www.iraqicp.com/index.html/sections/news/34098-2015-10-01-12-44-01
(9) - صائب خليل - الدعم الروسي لسوريا يثير آمال ومقالق دعم السوفييت لأفغانستان https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/958375594219510
مقالات اخرى للكاتب