تطوّر مسار العلاقات الألمانية العراقية منذ حرب الخليج الثالثة
الخميس, تشرين الثاني 3, 2016
احمد القاسمي
تطوّر مسار العلاقات الألمانية العراقية منذ حرب الخليج الثالثة البروفسور شفيق آلب باهادير جامعة فردريش آلكسندر آرلانغن ـ نورمبيرغ ـ مركز الدراسات العراقية
ما الذي جرى منذ حرب الخليج الثالثة
قد يتبادر سؤال إلى الذهن هو لماذا منذ حرب الخليج الثالثة؟ والجواب هو أن غزو العراق في عام 2003 شكّل منعطفا مهما في العلاقات الألمانية العراقية، ولذا فإن من المفيد الابتداء منذ ذلك التاريخ. لقد أشّر عام 2003 سقوط نظام صدام حسين، الذي شهد عهده تدهورا في العلاقات الألمانية العراقية، ولكن ذلك العام أشّر أيضا دخول العلاقات الاقتصادية بين البلدين مرحلة التوقف شبه التام. تلك العلاقات الاقتصادية التي لم تبدأ باستعادة عافيتها تدريجيا إلا بعد مرور بضعة أعوام. سأسعى لإلقاء الضوء على محاور هي: 1. العلاقات السياسية بين البلدين 2. العلاقات الاقتصادية 3. وأخيرا سأتطّرق إلى التعاون في مجالات التعاون العلمي والحقوقي وتقديم المعونة للاجئين وكذلك التعاون الأكاديمي بين البلدين.
العلاقات السياسية
يتمتّع كل من ألمانيا والعراق بعلاقات سياسية ودبلوماسية جيدة سواء على الصعيد الثنائي أو على صعيد العلاقات في إطار الاتحاد الأوروبي. إنها علاقات قديمة تمتد إلى الفترة التي سبقت تأسيس العراق الحديث كدولة. أصيبت العلاقات الألمانية العراقية بأضرار كبيرة بسب الحرب العراقية الإيرانية وكذلك بسبب قمع الكُرد العراقيين في عامي 1988 و1989، أما أزمة احتلال الكويت والحرب التي أعقبتها في عامي 1990 و1991 فلم تزد العلاقات إلاّ سوءا. بعد حرب الخليج الثانية كانت بين البلدين علاقات دبلوماسية محدودة، وذلك في الوقت الذي شهدت فيه تلك الحقبة نمو كبيرا لعلاقات ألمانيا مع أغلب البلدان العربية، سواء كعلاقات ثنائية مباشرة أو من خلال الحوار الأوروبي العربي. ابتداء من عام 2004، أي بعد إعادة افتتاح سفارتي البلدين في كل من بغداد وبرلين تمت إعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين. لكن العراق ظلّ يلعب دورا ثانويا في سياسة ألمانيا الشرق أوسطية، إلى أن قام رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي بزيارة رسمية إلى برلين عام 2008 والتي أعقبتها زيارة لوزير الاقتصاد الألماني ميشائيل غلوس في نفس العام إلى العراق، ثم لاحقا بزيارة وزير الخارجية الألماني فرانك شتاينماير في زيارة إلى بغداد عام 2009. دشّنت تلك الفترة انطلاق حقبة نشطة من الزيارات الوزارية المتبادلة، إلا أنها كانت أكثر نشاطا من الجانب الألماني، كما يمكن أن نلاحظ في زيارات كل من وزير الاقتصاد فيليب روزلر في خريف 2011 و زيارة وزير النقل والبناء الحضري بيتر رامزور وزيارة وزير التعاون الاقتصادي الألماني ديرك نيبل في صيف 2013 وزيارة أخرى لوزير الخارجية الألماني شتاينماير في صيف عام 2014 لكل من بغداد وأربيل.
لقد كانت العودة القوية للعلاقات بين ألمانيا والعراق نتيجة لتشكيل حكومة عراقية منتخبة عام 2006 ، وهو ما كان يعني انتهاء حقبة الحكم الأمريكي المباشر للعراق، وكذلك نتيجة لانتهاء ولاية الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بحلول 2009. وكان ما يعيق ألمانيا من استئناف قوي للعلاقات مع العراق هو العقبات التي نشأت من رفضها الانضمام إلى ما سُمّي بـ "ائتلاف الراغبين" الذي أطاح بحاكم العراق الأسبق صدام حسين. أما تنازل ألمانيا عن مستحقاتها من الديون لدى العراق، والتي كانت تبلغ أكثر من أربعة مليارات ونصف مليار يورو، أثناء فعاليات نادي باريس لدعم العراق الجديد فساهم كثيرا في إعادة تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة. شكّلت المصالح الاقتصادية الحافز الأهم في الزيارات الرسمية للدبلوماسيين من البلدين. فأثناء زيارة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي إلى برلين عام 2006 دأب على التأكيد أن العراق يتوقع مساهمة أكثر فاعلية للشركات الألمانية في إعادة إعمار العراق. كما تحدّث عن السمعة الحسنة التي تتمتع بها الشركات الألمانية في العراق، مشيرا إلى أن تحسّن الوضع الأمني المستمر يسمح ببدء الاستثمار في العراق. ومنذ ذلك الحين بذلت الوفود الرسمية العراقية جهودا حثيثة لإقناع ألمانيا بالشروع بالاستثمار في العراق. أما بالنسبة لألمانيا فكانت المصالح الاقتصادية موضع اهتمامها الرئيسي أيضا، ولقد بذلت ألمانيا جهودا حثيثة لخلق الظروف الملائمة كي تحصل الشركات الألمانية على أفضلية في قطاعات إعادة الإعمار في العراق. ولأجل تحقيق هذا الهدف افتتحت الحكومة الألمانية مكتب الاقتصاد الألماني في بغداد بداية عام 2009 تمهيدا لمدّ جسور التواصل في العلاقات الاقتصادية وتسهيل دخول الشركات الألمانية. وتم افتتاح فرع آخر للمكتب الاقتصادي في أربيل في ربيع عام 2010، وكذلك تم افتتاح مكتب ارتباط ألماني في البصرة في صيف نفس العام. في حزيران عام 2008 تم التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاقية استثمار وتشجيع وحماية اقتصادية بين العراق وألمانيا، ورغم أن التوقيع عليها جرى في كانون الأول من عام 2010، إلا أن المصادقة النهائية لم تتم حتى اليوم. إذا ما تذكّرنا أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تصنّف العراق من ضمن الدول ذات المخاطر الاقتصادية العالية، أي من الدرجة رقم سبعة، سندرك أهمية مثل هذه الاتفاقية الاقتصادية بالنسبة لنمو العلاقات الاقتصادية بين البلدين. ويبدو أن العائق أمام التصديق على الاتفاقية هو حالة عدم اليقين السياسية في العراق، إذ أن اتفاقيات أخرى شبيهة موقّعَة مع الاتحاد الأوروبي ما زالت تنتظر المصادقة عليها منذ فترة طويلة. فرغم أن المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بشأن اتفاقية التجارة والتعاون قد بدأت عام 2006، إلا أن التوقيع عليها بالأحرف الأولى لم يتم إلا في شهر آيار من عام 2012 ولم تتم المصادقة النهائية عليها حتى الآن. بالرغم من كل ما سبق شهدت الأوضاع تحسنا تدريجيا فمنذ شهر تشرين الثاني عام 2009 أصبح بإمكان الشركات الألمانية التأمين على عقود قصيرة الأجل وأحيانا متوسطة أو طويلة بواسطة شركة هرمس للتصدير. إلا أن هناك ترددا في خطابات الضمان بالنسبة للموردين الأجانب. ولذلك فهناك مطالبات بالحصول على ضمان إضافي من وزارة المالية العراقية، باستثناء العقود قصيرة الأجل التي يكفي فيها الحصول على اعتماد بنكي من البنوك العراقية. وقامت شركة هرمس بالتأمين على عملياتها في العراق بصورة رسمية داخل ألمانيا بمبلغ 99 مليون يورو. حقّقت هذه الجهود السياسية لأجل تحسين العلاقات الاقتصادية بعض النجاحات: فقد ازدادت الصادرات الألمانية للعراق في عام 2010 لتصل إلى نحو 926 مليون يورو، أي بزيادة 45,2 بالمئة، بينما بلغت الصادرات العراقية إلى ألمانيا، التي تكاد تتألف من النفط الخام فقط، إلى 160 مليون يورو، أي بزيادة 90 بالمئة. ولكن تم عقد تفاهمات في قطاعات أخرى أيضا مثل القطاع الصحي، الذي يبشر بأن يصبح القطاع الأكثر ازدهارا في العلاقات الاقتصادية بين البلدين. ووقّع وزير الصحة الألماني دانييل بار مع قرينه العراقي مجيد محمد أمين في آذار من عام 2012 على تفاهم للتعاون في القطاع الصحي. وبحسب التفاهم يلتزم البلدان بالتعاون الوثيق في مجالات مثل طب القلب والطب الإسعافي وتأهيل الكوادر الطبية العراقية.
العلاقات الاقتصادية بين العراق وألمانيا
يجب التأكيد أولا على مسألة أن سياسة الحكومة الألمانية بعد حرب الخليج الثالثة عام 2003 كانت تسعى قبل كل شيء على الحصول على عقود مفتوحة من الولايات المتحدة في العراق والحيلولة دون منح العقود بدون عروض تنافسية ورقابة. علاوة على ذلك سعت ألمانيا للتواصل مع شخصيات نافذة وسياسيين ورجال أعمال في العراق بغية تحسين فرصها في الحصول على العقود الاقتصادية، عندما تتولى حكومة عراقية زمام الأمور في البلد. كانت ألمانيا، قبل أن يخضع العراق للمقاطعة الاقتصادية الدولية إثر غزوه للكويت عام 1990، من أهم شركائه الاقتصاديين. ففي عام 1982 وصلت الصادرات الألمانية إلى العراق إلى أعلى مبلغ لها وكان بما يعادل 4 مليارات يورو، بينما هبطت الصادرات عام 2002، أي قبل عام من حرب الخليج الثالثة، إلى مبلغ 400 مليون يورو فقط. ولم تكن عملية استئناف تصدير البضائع الألمانية إلى العراق مشوبة بالصعوبة بعد الإطاحة بنظام صدام حسين، لأن المعدات الألمانية التي سبق تصديرها في زمن الذروة كانت لا تزال موجودة وكان ينبغي إما الاستمرار بتصدير المزيد منها أو تحديث ما هو موجود في العراق. وهنا وجدت الشركات الألمانية أفضل فرصها للمشاركة في عمليات إعادة إعمار العراق. وفي بداية عام 2004 تمّ في برلين عقد أول مؤتمر اقتصادي ألماني عراقي بعد الغزو الأمريكي للعراق. وكان ذلك المؤتمر الذي نظمته غرفة الصناعة والتجارة الألمانية بالاشتراك مع غرفة التجارة العراقية ومبادرة شمال إفريقيا والشرق الأوسط الألمانية قد استند بسلاسة في مساعيه على العلاقات الاقتصادية المتينة التي كانت بين البلدين قبل الحصار: وطالب حينها ممثّل وزارة التجارة العراقية مصعب الخطيب الشركات الألمانية بالمشاركة بفاعلية في إعادة إعمار العراق، وعدم التراخي، بسبب الوضع المؤقّت للاحتلال. أما وزير الزراعة العراقي حينها عبد الأمير العبود فأظهر حماسة بقوله إنّه يشعر بالأسف لأنّ ألمانيا لم تشترك بعملية الإطاحة بنظام صدام ما أدى لغيابها عن الساحة العراقية. لقد دشنت زيارة الرئيس العراقي المؤقت غازي الياور حينها في تشرين الثاني من عام 2004 عودة الاتصالات بين البلدين. ولم تقتصر لقاءاته على أعضاء من الأحزاب الألمانية الرئيسية، بل حلّ ضيفا لدى هيئة الصناعة الألمانية الاتحادية، حيث جرت المحادثات بحضور أكثر من 300 ممثل للشركات الألمانية لبحث إمكانيات الاستثمار المستقبلية في العراق. بحلول نيسان 2005 عُقِدَ في العاصمة الأردنية عمّان ما كان حينها أكبر معرض دولي لإعادة إعمار العراق. وقد حضر المعرض 923 شركة من 40 بلدا حول العالم، بضمنها 48 شركة ألمانية. وسعى مؤتمر ألماني عراقي آخر نظّمته هيئة الصناعة الألمانية الاتحادية وغرفة الصناعة والتجارة الألمانية في مدينة ميونخ بإشراف وزارة الاقتصاد الألمانية في تموز من عام 2005 لتوثيق عرى التعاون الاقتصادي لفتح الباب أمام الشركات الألمانية لدخول العراق. وحضر المؤتمر المئات من ممثلي الشركات الألمانية والعراقية مع تمثيل سياسي مهم، شمل خمسة وزراء من الحكومة العراقية المؤقتة، لاستكشاف وبحث إمكانيات التعاون الاقتصادي المستقبلي بين ألمانيا والعراق. ورغم حصول شركة ألبه الألمانية لصناعة المكائن الثقيلة على عقد من الحكومة العراقية المؤقتة لأجل نصب محطتين لتوليد الطاقة الكهربائية بقيمة 400 مليون دولار أمريكي في صيف عام 2004، إلا أن ذلك العقد المباشر مع الحكومة العراقية المؤقتة ظل استثناءً. سوى ذلك وجدت الشركات الألمانية نفسها مضطرّة للحصول على عقود من شركات أمريكية أو شركات أخرى ضمن ائتلاف الراغبين، كما حصل عندما حصلت شركة سيمنس مثلا على عقد لإنشاء شبكة اتصالات الهواتف المحمولة في شمال العراق عام 2004. وهو عقد لم يُمنح لشركة ألمانية مباشرة، بل حصلت عليه سيمنس من خلال شركة كويتية. كما أن شركة سيمنس الألمانية حصلت أيضا عن طريق التعاون مع شركة بيتشل الأمريكية على فرص المشاركة في تزويدها بمعدّات لمشاريعها داخل العراق. ولم تتغير الحال تدريجيا إلا اعتبارا من عام 2006 عندما تم إلغاء الإدارة الأمريكية في العراق وتولي حكومة المالكي المنتخبة مقاليد الحكم في العراق، كما ورد ذكره آنفا. يمكن القول إجمالاً إن العلاقات الاقتصادية بين العراق وألمانيا شهدت ضعفا شديدا بين عامي 1990 و2003. ورغم أن العلاقات منذ عام 2003 شهدت نموا مستمرا، إلا أن الصادرات الألمانية ما زالت دون المستوى المأمول بكثير. ويشمل ذلك عامي 2011 و2012 اللذين شهد العراق فيهما نموا في الناتج المحلي الإجمالي تجاوز الـ 10 بالمئة سنويا، لأن الصادرات الألمانية لم تتجاوز مبلغ مليار وثلاثمئة مليون يورو وهو مبلغ ضئيل نسبيا. وهكذا حلّ العراق بالمرتبة الثانية والستين في قائمة أهم أسواق الصادرات الألمانية في عام 2013. وفي ذات العام قام العراق بتصدير ما قيمته 440 مليون دولار أمريكي إلى ألمانيا لتحلّ ألمانيا بالمرتبة الثمانين من أسواق الصادرات العراقية النفطية. ورغم الظروف الصعبة التي يعانيها العراق، إلا أن الاقتصاد ظل ينمو بقوة حتى عام 2013 وهو ما أنعش الآمال بنمو الطلب على المنتجات الألمانية الصناعية والاستهلاكية. فتحسُّن الوضع الأمني التدريجي في العراق في الأعوام السابقة أثار بقوة اهتمام الشركات الألمانية بالسوق العراقية. إلا أن هذه الآمال قد اُحبطَت بشدة منذ التطورات التي لا زال العراق يشهدها منذ منتصف عام 2014.
التعاون في مجالات الإعمار والمساعدات الإنسانية
على العكس مما جرى في عقد التسعينيات، الذي شهد جمودا في العلاقات السياسية بين ألمانيا والعراق، شهد الدعم المقدّم من ألمانيا في المجالات الإنسانية عودة مكثفة في العقد الأخير. بدأت ألمانيا بتقديم الدعم الإغاثي للعراق بعد نهاية حرب الخليج الثانية من خلال جهودها التي ركّزتها في كل من تركيا وإيران لتقديم الدعم لمئات الآلاف من الكرد العراقيين الذين هربوا من منازلهم إما إلى جنوب تركيا أو إلى المناطق الكردية في إيران. كانت جهود الإغاثة الألمانية في تلك الحقبة مقتصرة على المبادرات الخاصة لبعض الولايات الألمانية مثل شمال الراين ـ وستفاليا وسكسونيا السفلى، بالإضافة إلى ما كانت تقدّمه منظمات الإغاثة غير الحكومية مثل منظمات دياكوني وكاريتاس ويوناتير ومنظمة رابطة عمّال سامارتير. إلا أنه يجب القول إن تلك المنظمات كانت معتمدة على الأموال الحكومية إما جزئيا أو كليّا. المساعدات الإغاثية الألمانية كانت ومازالت ترتكز على مبدأ أساسي في تقديم خدماتها هو عدم التفريق عند تقديم المعونة بين أي جماعة على أساس قومي أو ديني أو طائفي. وهذا يعني أن الفئات الاجتماعية التي تلّقت المعونة الألمانية في الماضي بسبب معاناتها تحت العقوبات والقمع من قبل نظام صدام حسين هي ذات الفئات التي تنطبق عليها معايير الحصول على الإغاثة الإنسانية بعد سقوط نظام صدام. وجوابا على ما سُمّي "الاستطلاع الكبير" الذي نظّمه حزب الخضر الألماني في موضوع ضمان حقوق الإنسان وحرية الاعتقاد أجابت الحكومة الألمانية عام 2008 بأن "المعونات الإنسانية التي تقدّمها الحكومة الاتحادية تستهدف كل الفئات العراقية التي تعاني من الأزمات، بغض النظر عن الدين أو القومية." وفي عام 2011 شدّدت وزارة الخارجية الألمانية على سياستها هذه بالقول "إن الحكومة الاتحادية تطمح لتقديم المعونة لكل الأقليات المهددة في وجودها لأجل تأمين وضع إنساني لائق ومساعدتها في أماكن عيشها، وكذلك بذل الجهود لأجل تمكين اللاجئين من العودة إلى مناطق سكناهم. والهدف النهائي هو مساعدة العراق كدولة في إقامة نظام سياسي تعددي ومجتمع ديمقراطي." وعند النظر إلى قطاع المساعدات الإغاثية الحكومية في ألمانيا سنجد تنوّعا في برامج ونشاطات قصيرة أو طويلة الأمد. فالحكومة الألمانية تقدّم الدعم لقطاعات متعددة من منظمات إغاثية علمانية إلى منظمات الإغاثة الدينية غير الحكومية وكذلك إلى منظمات دولية أو أوروبية ناشطة في العراق. وبسبب تعدّد برامج المساعدة واختلاف أطوال آمادها وتعدّد مصادر تمويلها فإن من الصعب إيراد أرقام دقيقة لمساهمات الحكومة الألمانية في مجالات الأغاثة في العراق. لكن هناك تقديرات متحفّظة تتحدث عن تقديم الحكومة الألمانية لمبلغ 400 مليون يورو حتى عام 2013. وفي السنوات الأخيرة ذهبت المعونات المالية المخصصة للعراق إلى مجالات مثل برامج مساعدة اللاجئين العراقيين المقيمين في ألمانيا على العودة إلى بلادهم، وكذلك على اللاجئين الذين كانوا يقيمون في بلدان مثل سوريا والأردن. وشملت المعونات:
ـ المواد الغذائية ومستلزمات الصحة العامة والأدوية والملابس للعوائل المحتاجة، ـ المساعدة في إيجاد فرص عمل للاجئين على المدى القصير، ـ معونات مالية مباشرة لإصلاح منازل اللاجئين المهدَّمة. كما دعمت الحكومة الألمانية أيضا برامج مختلفة مثل المصالحة بين فئات عرقية ودينية وطائفية في مناطق مختلطة في محافظتي كركوك ونينوى، وذلك بالتعاون مع مهمة منظمة UNAMI التابعة لفرع الأمم المتحدة في العراق وكذلك مكتب UNOPS، أي مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع في العراق، ولكن ألمانيا ساهمت أيضا بتقديم الدعم من خلال مؤسسات غير حكومية مثل مؤسسة فردريش نومان. كما تجدر الإشارة أيضا إلى سلسلة من مشاريع تستهدف استقاء العبر من دراسة الماضي العراقي وتحقيق المصالحة، مثل تمويل إنشاء ملف بيانات للمفقودين العراقيين بالتعاون مع مفوضية المفقدوين الدولية. وكذلك إنشاء منتدى الذاكرة والحوار للنساء الناجيات من عمليات الأنفال في شمال العراق، وذلك بالتعاون مع رابطة هواكاري. وأخيرا وليس آخرا قامت ألمانيا أيضا بتقديم العلاج الطبي لضحايا التعذيب ومَن يعانون من أعراض ما بعد الصدمة في مركز برلين لضحايا التعذيب. وعلاوة على المساعدات الإنسانية تقدّم ألمانيا الدعم للنظام القضائي وإصلاح السوق العراقية للتأقلم مع شروط اقتصاد السوق الحرة ووضع أطر لبناء مجتمع مدني قوي. وينطبق ذلك بصورة خاصة على الدعم في مجال تطوير النظام القانوني الحقوقي في العراق، للأهمية الكبيرة التي توليها الحكومة الألمانية له باعتباره حجر الأساس في في توطيد أركان الديمقراطية في العراق. هذه الأهمية هي ما دفع الحكومة الألمانية للوقوف بقوة خلف برامج تشجيع بناء دولة القانون في العراق. الدعم الألماني المقدم في هذا الصدد يركّز على برامج تدريب القضاة والمُدّعين العامين وموظفي مؤسسات حقوق الإنسان العراقية داخل وخارج العراق، علاوة على تقديم الاستشارات في المسائل الدستورية والمساعدة في دعم إنشاء المؤسسات التي تُعنى بالمسائل الحقوقية. فشؤون حقوق الإنسان تحوز مكانة رئيسية بالنسبة لألمانيا، وخاصة فيما يتعلّق بحقوق المرأة والأقليات العرقية والدينية. وتجدر الإشارة هنا إلى برامج تدريب وتطوير أداء الشرطة العراقية وموظفي المؤسسات الجنائية وموظفي السجون، وذلك ضمن برنامج بدأ منذ عام 2005، أي مباردة الاتحاد الأوروبي لدعم الجهاز القضائي العراقي. لقد أقامت ألمانيا حتى الآن دورات تدريبية عديدة للعراقيين في ألمانيا وهي منخرطة منذ عام 2009 في جهود لتأهيل النظام التعليمي العراقي في بغداد وأربيل والبصرة. كما أقامت جامعة هايلدبيرغ الألمانية حلقات دراسية بالاشتراك مع معهد ماكس بلانك للحقوقيين العراقيين في مجالات الحقوق العامة والقانون الدولي. الحكومة الألمانية قدّمت أيضا بطريقة غير مباشرة معونات مالية من خلال برامج الأمم المتحدة لإصلاح وتحديث النظام القضائي العراقي، وكذلك من خلال دعمها لأكاديمية القيادة الأوروبية في أربيل، والتي تقدّم دورات تدريبية للموظفين العاملين في السلك القضائي. بلغ مجموع المعونة الألمانية في مجالات إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية للعراق منذ عام 2003 ما يقرب من 400 مليون يورو، ويشمل ذلك مساهمات ألمانيا في إطار المساعدات التي قدّمها الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ومنذ اندلاع أزمة صيف عام 2014 ساهمت ألمانيا بمبلغ 50 مليون يورو خصصتها للمساعدات الإنسانية. ففي 31.08.2014 قرّرت الحكومة الألمانية تقديم معونة عسكرية، إضافة للمعونات الإنسانية المقدّمة للعراق، وذلك لدعم جهود القوات الكردية للتصدي لتنظيم الدولة الإسلامية. زوّدت ألمانيا القوات الكردية شمال العراق بأسلحة وذخائر مثل الصواريخ المضادة للدروع وبنادق حديثة. وساهمت وزارة الدفاع الألمانية بتدريب أفراد من قوات البيشمركة الكردية. لقد أصدرت وزارة الخارجية الألمانية تصريحا رسميا قالت فيه إن "المسؤولية الإنسانية وحماية المصالح الأمنية الألمانية دفعتا ألمانيا لمساعدة الذين يعانون من إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية والسعي لإنهاء خطره."
في مجال إعادة بناء المؤسسات الأكاديمية والتعاون الثقافي هناك العديد من المبادرات المشتركة بين ألمانيا والعراق. عند زيارة وزير الخارجية الألماني شتاينماير لبغداد في عام 2009 تم التوصل لاتفاق بين وزير التعليم العالي العراقي وأكاديمية التبادل الأكاديمي الألمانية (داد) لبرنامج الشراكة الأكاديمية الستراتيجية بين البلدين والذي أتاح الفرصة لأعداد كبيرة من الطلبة العراقيين للحصول على منح دراسية في الجامعات الألمانية، وكذلك توثيق عرى التعاون الأكاديمي بين الجامعات الألمانية والعراقية لإنجاز مشاريع بحثية مشتركة. ورغم أن مشروع إقامة جامعة ألمانية عراقية لم ير النور حتى الآن، إلا أن أكثر من 1000 من الطلبة العراقيين استفادوا من منح الدراسات الجامعية الأولية أو العليا في ألمانيا. وللتجاوب مع الإقبال الكبير من الجانب العراقي للدراسة في ألمانيا افتتحت أكاديمية داد الألمانية عام 2012 مكتبا لها في مدينة أربيل العراقية. وفي ذات السياق فإن معهد غوته يتعاون مع جامعة بغداد منذ عام 2008 في مشروع اسمه نقطة حوار، كما افتتح عام 2010 فرعا له في أربيل. وفي نفس العام تم افتتاح المدرسة الألمانية في ذات المدينة. ومن المفرح الإشارة في الختام إلى معهد التنقيب الأثري الألماني قد عاود نشاطاته في العراق.
خاتمة
شهدت العلاقات بين ألمانيا والعراق تطورات إيجابية خلال العقد الماضي، إلا أنها ما زالت في مستوى أقل بكثير من الإمكانيات المتاحة والتوقعات الكبيرة المعقودة عليها في كل مجالات التعاون الممكنة. والآمال معقودة على تحقّق علاقات أكثر قوة مستقبلا، إلا أن ذلك لن يتحقق في المستقبل القريب.
نطلب من زوارنا اظهار الاحترام, والتقيد بالأدب العام والحس السليم في كتابة التعليقات, بعيداً عن التشدد والطائفية, علماً ان تعليقات الزوار ستخضع للتدقيق قبل نشرها, كما نحيطكم علماً بأننا نمتلك كامل الصلاحية لحذف اي تعليق غير لائق.
اخبار العراق اليوم تصلكم بكل وضوح بواسطة العراق تايمز