ما أكثر المحن التي مرت على العراقيين وما أمرها وأشدها وقعا، حتى يتراءى لي أنهم استسلموا لقدر لعين لا فكاك منه، ولا أظن أن الشعب العراقي بهذا القدر من الاستسلام للعواصف الكاسحة والتي خبروها وتعايشوا معها على مر الحقب السوداء، لكنهم لا يمكن أن يظلوا بهذا الوضع الغريب من إدارة الظهر للكوارث، لتبقى أجسادهم تتلقف النوازل دونما حراك لنفض الغبار عن تفاصيل حياتهم التي ما عادت تتحمل أهوالا أكثر، وهذا لا يعني أبدا أنه شعب أعتاد الخنوع أو الخضوع لعبث الفاسدين دون أن يحرك ساكنا، وحذار من التمادي في الانتقاص من قدرة هذا الشعب الأبي على التغيير.
إن العراقيين أصحاب إرث حضاري يمتد لالاف السنين، شعب مبدع وجسور، وعلى قدر هائل من العطاء والتجدد، اثبتت مراحل التاريخ بقسوتها وانفراجها أحيانا، انه شعب لا يهادن أبدا على وجوده، ولا يساوم على كرامته، ولا يستسلم أبدا للكوارث مهما تعاظمت واشتدت قوتها، إنما هو شعب صبور ومثابر، صدره يتسع لامتدادات لا يستهان بها من المحن والنوازل، وحذار، حذار من صحوته وانتفاضة سطوته إذا ما فاض الكيل به.
وهذه الخاصية لهذا الشعب لا يدركها ذوو العقول المدجنة على الخراب والضمائر العديمة الاحساس والنفوس المريضة والمبتلية بنهم الحياة وحصد الامتيازات، وهم يقبعون في جحورهم وكأنهم وصلوا لقناعة أن لا خوف من كل ما يفعلون من فساد ونهب وتخريب وزيادة ارصدة وملء كروش بالسحت الحرام، لتبقى البلاد في ذات الخراب والشعب يتضور جوعا ويعاني اهمالا، وكأننا أمام مخلوقات كونية لا تمت لهذه البلاد بأية صلة قدمت من أصقاع أخرى لتقوم بمهمة الخراب وتجويع العباد وغلق كل منافذ الحراك الذي يمكن أن يحدث نقلة ولو في حدها الادنى لتوفير الحياة الكريمة للمواطن.
إننا حقا في وضع لا نحسد عليه ونحن نضرب أخماسا باسداس والحيرة تنهشنا وتتناسل بدواخلنا أسئلة وأسئلة عما يحدث في العراق وعن ملفات الفساد الآخذة في التعاظم، رغم كل الهياج الشعبي والاعلامي من لدن شرفاء العراق لايقاف هذا السيل الجارف من النهب وبشكل علني وبظهور أسماء جديدة تضاف الى القديمة ليشكل المشهد ظاهرة لا يمكن تصديقها وبالتالي تظهر نتائجها على الأرض يوميا، من قلة خدمات وتنامي البطالة وافقار شرائح جديدة لتتسع مساحة الفقر في العراق وإبقاء البنية التحتية الخربانة أصلا، تراوح مكانها لتظهر يوميا كوارث جديدة دون أن نلاحظ حراكا حقيقيا من المسؤولين وخلال فترة تجاوزت الثلاثة عشر عاما، تعاقبت فصائل من الفاسدين وكأنهم يسلمون راية النهب من واحد لآخر بعد أن يستكرش الأول ويسلها لمن يعقبه ولا من ردود فعل حقيقية تطيح بهذه العروش ولا نقول فضح فرسانها لأن الأسماء كلها باتت معروفة وتصول وتجول دون اكتراث لمسلسل الخراب المتعاظم، ولا من سبيل للخروج من هذه الطامة يلوح في الأفق.
ما الذي يحدث أيها العراقيون وأنتم بهذا الصمت المطبق واللصوص ينهشون بلحمكم الذي ما عدتم تحتكمون الا على العظام العارية، وقد تصل يد النهم لعظامكم لتهشيمها، ولا من سبيل للفكاك.
اننا حقا في حالة من الاستنفار لعقولنا لمجرد أننا نريد أن نعرف ما الذي يجري على الأرض وأنتم أيها المضامون لا تملكون الا الصراخ امام الكاميرات، حتى عدنا نحن المقيمين خارج العراق مثلما النعامات امام حجم الأسئلة التي يصفعنا بها اقراننا ممن نعيش بين ظهرانيهم من عرب وغيرهم، يستوضحون منا عما يحدث للعراقيين وهم يقارنون العراقيين وصمتهم المريب بما وقع في مصر والحراك الذي اطاح بالطاغوت الجديد واستعادوا كرامتهم التي أراد متخلفو الاخوان اهدارها وبشتى الوسائل ليقفوا وقفة رجل واحد ويعيدوا الامور الى نصابها، ويضيف هؤلاء الاخوة المتحرقون غضبا على العراقيين، أنهم ما عهدوا شعب العراق الأبي بهذا القدر من الخنوع والصمت، علما ان الوضع العراقي من فساد وخراب وتسيب في كل المناحي أعظم بكثير بما حصل في مصر.
اليس من حقنا أن نطمر رؤوسنا في الرمل ونحن لا نملك جوابا واحدا لاسئلتهم الكبيرة؟
يتضح لي أن من يريد من العراقيين أن ينفضوا غبار الصمت لهو أحرص وانبل وبضمائر أنقى من مواطنينا المنشغلين بسرقة البلد دون وازع اخلاقي وديني ووطني، وكأنهم لا يمتون لهذه الأرض باية وشيجة تذكر، الأمر الذي يلجأون لاغاضتنا بالترحم على عهد طاغية العراق، فمن دفعهم لذلك سوى لصوص العراق الجدد؟؟
أن ثلاثة عشر عاما من سقوط الطاغية ونظامه المجرم، كفيلة باعادة بناء مدن مهدمة بالكامل والعراق على هذا القدر من الثراء الكبير، فكيف بنا والعراق لا زال يعاني من ابسط الخدمات، مثل شبكة المجاري التي لا تتطلب وقتا ولا مالا كثيرا والملايير من الدولارات تبدد عبثا، وها هي الأمطار تفضح المستور وتعري الجميع، ناهيكم عن بقية المشاكل الاخرى والتي باتت لا حصر لها.
ان العراقيين يعرفون حجم الكارثة التي يعانونها والكوارث المحدقة بهم، والله وحده يعلم كم ستكون المعاناة اعظم اذا ما استفحلت ملفات الفساد لتعود أمرا واقعا، وهي فعلا قد عادت هكذا.
نحن لا نريد منهم أن يشهروا سيوفهم ويقطٌعوا رؤوس الفاسدين، لان هذا لا يحل الأزمة الخطيرة، انما ما نريده منهم أن يصححوا المسار وبطرق غاية في التحضر والفعل المسالم، ذلك أن الانتحابات على الأبواب وخير وسيلة للتعبير عن الرفض وتصحيح المسار وانقاذ الوضع المهدد بالانهيار الكلي في العراق وتنظيف الساحة السياسية من الجهلة وانصاف الأميين واللصوص وسارقي قوت المواطن الفقير وغيرها من الملفات التي تحتاج الى اعادة ترتيب من جديد، وقبل كل شئ اعادة الاعتبار للمواطن العراقي الأبي، كل ذلك يتأتى وبيسر ودون اراقة دم واحدة وبتساكن مع الجميع دونما تمييز بين هذه الطائفة وتلك وبين المذاهب والأديان والقضاء على كل الأوضاع الشائنة وغير الطبيعية، كل ذلك عن طريق صناديق الانتخابات ووضع الاصبع على الخلل الذي بات واضحا ولا يحتاج الى جهد كبيرلتشخيصه، وان اي عزوف عن الانتحابات سيُبقي دار لقمان على حالها وستظل البلاد تتخبط في المشاكل التي وصلت الى مصاف الكوارث الكبرى والعشوائية والفوضى وتبديد طاقات البلاد المادية والبشرية ولا من صحوة للضمائر.
ان العراقيين جميعا أمام مسؤولية تاريخية خطيرة جدا لاحداث نقلة نوعية، الأمر الذي يدعونا جميعا للمفاخرة بهذا الشعب لقراءة المواقف بشكل دقيق قبل فوات الاوان، لأن التردد والخنوع وبيع الضمائر لقاء حفنة من المال بثمن بخس لبيع الوطن ورهن مستقبله والاجيال القادمة في علم المجهول والتراجع المخيف، سيقصم ظهر العراق بشكل نهائي، وهذا ليس تهويلا، بل هو واقع الحال وما ستؤول اليه الأمور اذا ما بقيت على حالها.
نسمع ونشاهد بين الحين والآخر أن بعض العراقيين لا يرغبون بالتوجه للانتخابات ويرفضون تحديث معلوماتهم، وهذا ما يريده اللصوص، لأن أكثر ما يخيفهم ويقض راحتهم الآن هو توجه العراقيين المضامين والمقهورين للانتخابات بتصميم قوي لتغيير كل اللصوص والمشبوهين، ويقينا أنهم سيستخدمون كل الوسائل لافساد هذا العرس الوطني الذي سيبني لنا عشا حقيقيا من المسرات والفرح ونكون نحن أسياد الموقف وتاسيس جديد للمواطن العراقي الذي يسعى للوقوف على ارض تغيير طاهرة بمنأى عن السراق والمخربين.
ونحن هنا وبعزيمة الواثق من طبيعة العراقي وسعيه لانقاذ الموقف قبل ترديه اكثر، ندعوا جميع العراقيين الاخيار ان لا يتوانوا في سعيهم الحثيث للادلاء باصواتهم للأصلح والأجدر والأكثر نقاء ونزاهة وما أكثرهم في عراق الحضارة والتاريخ والتحولات الكبرى.
متمنياتنا بالموفقية لكل العراقيين الشرفاء ناخبين ومنتخبين وفرحتنا يوم نجد العراق وقد ارتدى حلة من البناء والجمال والحضور الانساني والحضاري بالعمل يدا بيد ومع الجميع وعلى امتداد الأرض العراقية المباركة.
عندي أخيرا أن كل من لا يتوجه لصناديق الأمل كأني به من يتمم حفر قبره بيده بعد أن بدأ الحفر في الانتخابات الأولى لنقرأ عليه الفاتحة من الآن.
وطوبى للعراقي الذي لا يسمح بأن يعرَض نفسه للدغة مميتة أخرى تنهيه وأبناءه وكل العراقيين، لينتهي العراق أرضا وتاريخا وشعبا، حيث لا يفيد الندم بعد فوات الأوان، فتداركوا الموقف أيها العراقيون وسارعوا لتحديث معلوماتكم الانتخابية من أجل العراق العظيم.
مقالات اخرى للكاتب