الذي لا يعلمه ربما حتى كثير من المشرعين، أن الحكومة ملزمة بإرسال الموازنة السنوية، في أو قبل موعد أقصاه 11 تشرين الثاني من كل عام، ولكن الحكومة فشلت مثلما هو ديدنها في الأعوام السابقة، أن ترسل الموازنة في مواعيدها المحددة..
فما الذي وراء ذلك، وما هي المشكلات المتوقعة؟!
بالحقيقة فإن مسودة الموازنة تشير الى أنها الأضخم في تاريخ العراق ربما منذ جدنا حمورابي، فهي تصل إلى 150 مليار دولار على أساس اعتماد سعر برميل النفط 90 دولاراً، وبتوقعات أن يصل حجم الصادرات النفطية العراقية 3.4 ملايين برميل يومياً..
لكن مع تصاعد أرقام الميزانية كل عام، فإن مشكلاتنا هي الأخرى تتصاعد ونفس الإضطراد، الفقر والبطالة وسوء الخدمات وترديها، وضعف وتهالك البنية الأقتصادية، وتراجع إستثمارات الدولة في القطاعات المؤثرة في حياة السكان، والإنفاق غير المجدي، أو خارج الصلاحيات، مع العرض أن دولتنا لم تقدم حساباتها الختامية، ربما منذ 2003 ولحد الساعة، وربما سيستمر هذا الوضع الى قيام الساعة!..
وفي المقابل فإن الميزانية تواجه مشكلات وتحديات كبرى، إذ أن هناك حزمة من الإستحقاقت تتمثل بقوانين أقرها البرلمان تترتب عليها إستحقاقات مالية يتعين على الحكومة الإيفاء بها وإدراجها في الميزانية، مثل تعديلات رواتب المتقاعدين وزيادة صلاحيات الحكومات المحلية في المحافظات، ناهيك عن العجز السنوي النظري الذي تواجهة الميزانية، كما أن الحكومة ومن أجل حلحة الأوضاع في محافظات متوترة أمنيا، قدمت تعهدات تشكل عبئا اضافيا وأستثنائيا على الميزانية.مما يصعب من مهمة معدي الميزانية.
وثمة من يرى أن الحكومة تعمدت تأخير الميزانية مثلما هو ديدنها، لتضع البرلمان أمام خيار إقرارها بحد أدنى من النقاشات، تحت ضغط عامل الوقت، وكي تتجنب إعادتها، سيما وأن البرلمان في خريف عمره، ولم يتبق أمام نهاية دورته الأنتخابية، إلا أشهر قليلة، يتعين أن يتفرغ النواب خلالها لمهام التعبئة للإنتخابات القادمة، كي يجدوا لأنفسهم موطيء قدم في المجلس القادم..
وفي الذاكرة أن معظم موازنات الأعوام السابقة خضعت لنقاشات حادة من قبل الكتل السياسية الكبرى، وكل يعمل على أن يلبي إحتياجات ومطالبات ناخبيه، ومن يمثلهم، وفي الأفق شد كبير سيحصل تحت قبة البرلمان من قبل الكتلة الكوردستانية، التي تسعى دوما لرفع سقف مطالبها في قضايا تتعلق بالنسبة المقررة للإقليم والبالغة 17 % من الميزانية، ومشكلة تمويل قوات البيشمركة، و دفع إستحقاقات الشركات النفطية الأجنبية العاملة بالأقليم، قبالة كتلة رئيس الوزراء التي كانت تشد في هذه القضايا الى ابعد مدى ممكن، دون أن يعطي شدها نتيجة، ونتذكر أن ميزانية العام الماضي أقرت بالأغلبية، إذ وصلت النقاشات الى طريق مسدود، ولم يحضر التحالف الكوردستاني جلسة التصويت ..
إن البرلمان سيلتئم شمله في الـ15 من الشهر القادم، ونستطيع منذ الآن تصور مشهد النقاشات الحارة، والفوضى التي ستخلفها، وما سيرافقها من سيل من التصريحات والتصريحات المضادة، في لعبة التجاذبات السياسية المملة.
مقالات اخرى للكاتب