ساعات تحت الشمس المحرقة، أو لحظات أجواء ممطرة، فالأمر سيان، لا مكان للتعب بيننا، فجميعنا خدام، ونتشرف بخدمة زوار أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، دولة عدل إلهي، تقام في العشرين من صفر على أرض كربلاء، قائدها يستقبل ضيوفه، على مدى مئات الكيلو مترات، يأتون من كل فج عميق، والشعب فيها يعيش على درجة واحدة، من الكرامة، والرقي، والبطولة، والضيافة، فكلهم ينادون: لبيك يا حسين!
ملايين في هذا التجمع الكربلائي الملائكي، يقيمون العزاء، وينشدون الدعاء، توسلاً في فرج صاحب العصر والزمان، الحجة المنتظر، قائم آل محمد، حاملاً رايات يا لثارات الحسين، في حالة من العشق الخالد، صوب الروح المقدسة، التي تخلد بين ثنايا تراب نينوى، ليطمئن الضمير العملاق، عند هذه الجموع الغفيرة العاشقة، المتعطشة لقيام دولة اليوم الموعود، رغم المخاطرة والتحدي، فالجهود والدماء، والأرواح والنفوس، تبذل كلها من أجل الحسين!
قانون رباني، ونظام إلهي، يسير دولة الأربعين، دون أن يتكلموا كثيراً، أو يتظاهروا، فكل شيء يحتاجونه موجود، في هذه الدولة العادلة، والجماهير تأكل خبزها بكرامة، وليس هناك مثقال ذرة، من الشر أو الظلم، يوجه لهؤلاء الزائرين، والعمل سائر بينهم بأحكام سماوية، على مر العصور والدهور، أصحاب رسالة سمحاء، إنتصر فيها الدم على السيف، في معركة خالدة، وبيع عظيم، حيث لا يمتلكون إلا أنفسهم، فداءً للحسين!
عند الحديث عن التجمع المليوني المقدس، لدولة الحسين عليه السلام، في أربعينيته الغراء، نشاهد المعاني تلتهم بعضها بعضاً، وهي في حالة سبق، وسباق، وتسابق من أجل الوصول، الى القباب الذهبية المشرفة، دون قانون ينظم مسير الأقدام، لأن القلوب تقوم بمهمة هذا التنظيم العقائدي، فلا سمعنا بقدم تئن من التعب، فالأصابع تتلقفها قبل التوقف، وتمرغها بالراحة طلباً، للسير بالمزيد من الخطوات، لزيارة أولاد الحسين، وأنصار الحسين!
سرٌ وُجِدَ قبل الميلاد، وأي ميلاد يسبق وجود، سفينة النجاة المكتوبة، على ساق العرش، فعمق الولادة يعكس، هذه المسيرة المتدفقة بالدماء والدموع، في بقعة مباركة، أضفى عليها الخالق عز وجل، شرعية وقدسية من القربان الذبيح، الذي حفظت حروفه، في اللوح المحفوظ، فكانت مسيرة الآية (كهعيص)، رموزاً تأريخية خالدة، ولم تكن مجرد قصة، في زمن الإسلام، بل إنها ملحمة عالمية، دَوّنَ سطورها الزاحفون، نحو كربلاء الحسين!
ختاماً: الحرية التي تعلمناها من كربلاء، زادتنا قوة وإصراراً، على أن العقيدة المتشحة بالكرامة، والإصلاح والتصدي، للظالمين والطغاة، هي الحلول الصحيحة لحفظ الدين، وتثبيت تعاليمه، وما هذه المسيرات المليونية الهادرة، إلا ضربات قاتلة بوجه الإرهاب والتطرف، لأن مبادئ الإسلام، حفظت بدماء أهل البيت (عليهم السلام)، فالإنسانية لا يمكن أن تعطى على جرعات، لأن الأخلاق الإنسانية، التي تعاملت بها ثورة الطف، كلها تكورت وإكتملت، في روح الحسين!
مقالات اخرى للكاتب