نقل عن الحكيم الراحل الشيخ زايد ان أحد المسؤولين كان يتعامل بالواسطة لإنجاز معاملات الوافدين الباحثين عن إقامة. إن أتاه أحد بدون واسطة يؤخر معاملته شهورا. وإذا حضرت الواسطة ينجزها بيوم واحد. سأله الشيخ: أريدك ان تكتب لي كيف تنهي معاملة المُراجِع في يوم واحد. قرأها الشيخ بتمعن ثم أمر بأن تصبح دليل عمل لكل الموظفين العاملين في ميدان الإقامة وسيحاسب كل من لم ينجز معاملة طالب الإقامة أكثر من يوم واحد. هنا منبع الحكمة والعقل والضمير: أن تقلب الضارة الى نافعة. وهذه لا يفعلها إلا من كان ذو ضمير حي. وما يميز الأمم الحية عن الميتة هو ان الأولى تتعظ من تجاربها وتقلب نكساتها فوائد. ولكم في اليابان مثال يا أولي الالباب.
إنشغل السياسيون العراقيون باعتراف مشعان الجبوري على نفسه بأنه مرتشٍ. قال أيضا ان الكل مرتشون وفاسدون. عنى فيما يعنيه انه ليس وحده "فرار" انما الربع، ما شاء الله، كلهم "فرارية". استبسل الاخوة الأعداء ضده وصاروا يطالبون برفع الحصانة عنه. نعم يستحق ويستاهل. لكن ماذا عن باقي "الفرارية"؟ ثم هل انه هو أول من إعترف على فساده. ألم تعترف النائبة حنان الفتلاوي بالصوت والصورة على استلامها عمولات أسمتها كومشنات؟ أ دلالة هي ام نائبة؟ المعروف إن الدلالين او السماسرة كما يسمونهم يعيشون على العمولات لأنهم يبيعون ويشترون. فما الذي باعه النائب حتى يقبض؟ ثم ألم يعترف كبير القوم ومختارهم بأنه فاشل وما كان يصلح لإدارة الدولة. أيهما أخطر النائب المرتشي أم الحاكم الفاشل؟
لم نسمع بربع نائب او نائبة طالب برفع الحصانة عن الفتلاوي والمالكي لاعترافهما على نفسيهما بالفساد. فقط علت الأصوات ضد مشعان. انا لا ادافع عن الرجل لكني أرى نفسا طائفيا بغيضا في الهجوم على ابن الطائفة الأخرى لو أعترف بفساده، بينما الذي من داخل الطائفة حلال عليه إن إعترف.
أنا مع رفع الحصانة عن مشعان الجبوري ومحاكمته فورا. لكنها يجب ان ترفع أولا عن كل من إعترف على نفسه قبله وبعده. ولو كنت أعرف بان لدينا دولة فيها حكمة ورجاحة عقل الشيخ زايد، رحمه الله، لطالبت برفع الحصانة عل كل البرلمانيين وأصحاب المناصب السيادية لمدة شهر، مع إحالتهم للقضاء جميعا. شوفوا شكان عندهم قبل وهسّه شعدهم. لو فعلت الدولة ذلك، وأنا شاك حد العظم بقدرتها على الفعل، سنكون قد حولنا ضارة الفساد الى نافعة لأجيالنا القادمة.
مقالات اخرى للكاتب